في حفل أقيم السبت المنصرم (19 تشرين الثاني)، في بناية فدرالية على بُعد بضعة شوارع عن البيت الأبيض، حضر بعض الناشطين اليمينيين من مجموعة اليمين البديل “Alt Right” للاحتفال بانتصار الرئيس المنتخَب، دونالد ترامب.
بين الذين ألقَوا خطابات كان ريتشارد سبينسر (Richard Spencer)، رئيس معهد الأمن القومي في الولايات المتحدة، الذي وصف الانتصار كـ”يقظة” للأمة الأمريكية، وأدّى التحية العسكرية أمام الجمهور الهائج.
صحيح أنّ ترامب نفسه لا ينتمي إلى مجموعة اليمين البديل، التي تضمّ عددًا من مميّزات النازيين الجدد، لكنّ تصريحاته العديدة حول منع دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة، الحدّ من الهجرة الإسلامية إلى أرجاء الولايات المتحدة، ونظرته المضادّة للعولمة، تنسجم مع النظرة الأيديولوجية للمجموعة القومية المتطرفة. خلال الحدث، ادّعى سبينسر أنّ انتصار ترامب أدّى بالأمريكيين إلى الالتحاق “بهويتهم الحقيقية”، داعيًا الأمريكيين البيض “أبناء الشمس”، الذين “وُضِعوا على الهامش”، وطالبًا منهم أن يبدأوا بالنظر إلى نشاطهم كنشاط مؤسسي، لا نشاط محظور.
وبعد ضغط شديد مورس على ترامب من الإعلام الأمريكي للردّ على هذا الاحتفال الاستثنائي، نشر مكتب حملة الرئيس المنتخَب إعلانًا يفيد بأنه “يدين جميع أنواع العنصريّة”.
بطبيعة الحال، ليست هذه أول مرة ينجح فيها ناشطون نازيون جدد في إسماع صوتهم بوُضوح دون الخوف من ردود فعل مضادّة. فعلى سبيل المثال، ضمن نقاش جديّ للغاية جرى في استوديو CNN بعد انتخاب ترامب، برز تصريح لسبينسر الذي قال في مؤتمر دعم لترامب: “من الجدير أن نسأل أنفسنا هل هؤلاء الأشخاص [اليهود] هم بشر حقّا أم آلات عديمة الروح”.
وبدل إدانة التصريح بشكل مطلق، قرّرت CNN إقامة نقاش جدي في الاستوديو دُعي إليه صحفيون بارزون للنقاش حول السؤال إن كان على ترامب أن يشجب بشكل مطلق دعم عناصر متطرفة مثل سبينسر.
نشاط نازيّ جديد واسع خلال السباق الرئاسي
“غادري بلادي يا يهودية. اذهبي إلى إسرائيل، حيث تنتمين، أو إلى الأفران. هذا اختياركِ”، أطلق ناشطون نازيون جدد أمريكيون هذه الأقوال أمام مقترِعة يهودية داعمة لهيلاري كلينتون منذ حزيران 2016، خلال سباق اتسم بالبُغض.
ونفّذ ناشطون معروفون بدعمهم الحماسي لترامب هجمات ضدّ يهود، شملت نشاطات مخطّطًا لها مُسبقًا، مثل تطوير ملحق إضافي بمتصفح الإنترنت يحدّد هوية اليهود ويلاحقهم، إعداد قوائم بيهود في مواقع التواصل الاجتماعي بهدف بثّ رسائل كراهية مُعدّة مسبقًا لهم، والتحريض غير المضبوط على الصحفيين والمشاهير اليهود.
خوف يعمّ الجاليات اليهودية
فيما رحّبت الحكومة اليمينية في إسرائيل بالرئيس الأمريكي المنتخَب، دونالد ترامب، بشكل احتفالي، ووُصف رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، بأنه أحد أكبر الرابحين في العالم من تبادُل السلطة في الولايات المتحدة، فإنّ اليوم التالي لانتخاب ترامب لم يكُن صباحًا رائعًا بالنسبة لمعظم اليهود الأمريكيين.
وفي حين بدأ البعض في إسرائيل يحلمون ببناء الهيكل الثالث، تحدّث كثيرون من يهود الولايات المتحدة عن دمار. فغداة إعلان النتائج الدراماتيكية، أُقيمت صلوات خصوصية في عدد من المعابد اليهودية في الدولة. وكان 71% من اليهود الأمريكيين قد اقترعوا لهيلاري كلينتون، أكثر بقليل من الرئيس أوباما الذي حظي بـ 69% من دعمهم عام 2012.
وكانت خطابات ترامب التي تبثّ الخوف سببّت الذعر ليهود كثيرين، خائفين على حقوق الأقليات والمهاجرين ومكانة المرأة، ومرتعبين من تأجيج نيران التحيّز الجنسي، العنصريّة، واللاسامية التي ظهرت خلال حملة الانتخابات. والخشية الأكبر التي يعبّر عنها اليهود في الولايات المتحدة هي من تزايُد وقاحة النازيين الجدد.
حفلات SS وسموّ البيض
في مدينة مينيابوليس في ولاية مينيسوتا مطعم ألماني يُدعى Gasthof zur Gemütlichkeit (نزل الدفء والسعادة). لا يقدّم هذا المطعم الطعام الألماني فحسب، بل يُقيم أحيانًا حفلات نازية مع ملابس الـ SS، الصلبان المعقوفة، وتحيات “هايل هتلر”.
في كانون الثاني 2014، وصل بلاغ إلى موقع المدوّنات City Pages من مصدر مجهول حول حفلة نازية أُقيمت في عيد الميلاد (كانون الأول 2013)، مع صُوَر التُقطت في تلك المناسبة. ورغم أنها كانت غبشاء، فقد كانت الرسالة منها واضحة: احتفال رسميّ مع سِمات نازية واضحة وضوح الشمس. أُخفيت وجوه المشارِكين لعدم المسّ بكرامتهم، لكن بدا أنهم كانوا يحتفلون ويقضون وقتا طيبا في الحفل.
بشكل عامّ، أضحت الحركة النازية الجديدة في الولايات المتحدة، التي تتخذ من مدينة مينيابوليس مقرًّا لها، منظّمة بثّ الكراهية الأكبر في الولايات المتحدة. تقول رابطة مكافحة التشهير إنّ الحركة الوطنية الاشتراكية الأمريكية (NSM)، المعروفة بثياب أعضائها النازية وبعرضها علنًا شعارات نازية كالصليب المعقوف، نجحت في تجاوز المجموعات الأخرى في اليمين الأمريكي، سواء من حيث أعضاؤها أو نشاطها.
لا يُعرَف اليوم كم عضوًا تضمّ الحركة النازية الجديدة في الولايات المتحدة (تُشير التقديرات إلى 500 – 1000 عُضو)، لكنّ لديها حضورًا في 32 فرعًا في عدّة ولايات أمريكية. تستخدم الحركة جيّدًا شبكة الإنترنت، بما في ذلك الراديو وخدمات “الأخبار” المخصّصة للعنصريين البيض. ويعقد ناشطو الحركة مؤتمرات علنية في مُدن مختلفة في الولايات المتحدة، ويقودون حملة غير مسبوقة لزيادة حجم الدعم لهم، لا سيّما لدى العنصريين الحليقي الرؤوس.
وتذكّر الهيئات الإعلامية الأمريكية، التي تتتبّع ظاهرة زيادة قوّة النازيين الجدد، الجميعَ بالمجزرة التي نفذها شاب أمريكي في 5 آب 2014 في مدينة ميلواكي. فقد دخل مجهول إلى معبد سيخي في ضواحي المدينة، أطلق النار، قتل ستة مصلّين، وجرح عشرات آخرين قبل إطلاق قوّات الشرطة التي أتت إلى المكان النار عليه. بُعيد ذلك، حين كشفت الشرطة النقاب عن هوية منفّذ المجزرة، تبيّن أنه شاب محلي انتمى إلى فرقة روك، أعضاؤها حليقو الرؤوس، كانت لديهم “أعمال فنية” معادية للسامية وعنصرية، فيما خلفهم أعلام مزيّنة بصُلبان معقوفة.
هذا الاكتشاف، مثله مثل الاكتشافات القذرة الأخرى التي ظهرت خلال السباق الرئاسي الأمريكي، أعاد إلقاء الضوء الإعلامي على ظاهرة يُفضّلون تجاهلها في الولايات المتحدة – قيام حركة نازية جديدة أمريكية. ورغم أنّ أعضاءها وداعميها النشيطين لا يزيدون عن بضعة آلاف على الأكثر، فإنها تستمر بعناد في “الحفاظ على الجمرة” التي أشعلها آباؤها الأيديولوجيون في ألمانيا الرايخ الثالث، ودون عائق كما يبدو.