أصبح الاسم “أرنون ميلتشن” في الفترة الأخيرة أحد أكثر الأسماء شهرة في إسرائيل. لا يدور الحديث هذه المرة عن فيلم ناجح أنتجه أو بمشاركته في المشروع النووي الإسرائيلي، بل عن الاشتباهات التي بحسبها فقد وفّر، خلال سنوات، لرئيس الحكومة الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، سيجارا فاخرا، وقدّم لزوجته سارة زجاجات شمبانيا وردية “دوم برينيون” بقيمة 200 دولار للزجاجة.
وفقا للاشتباه، يدور الحديث عن فوائد بقيمة مئات آلاف الشواقل، وتضمّنت أيضا الاستضافة، البدلات، وجبات في المطعم، ومجوهرات للزوجين نتنياهو. تفحص الشرطة الآن إذا قُدّمت تلك الهدايا في إطار القانون.
“مُقرّب”
لكن ماذا يمكن أن تكون مصلحة ذلك الملياردير في تدليع رئيس الحكومة وزوجته إلى هذه الدرجة؟ هل هناك علاقة بالأرباح التي يجنيها ميلتشن من صفقات السلاح الضخمة، التي تشارك إسرائيل في بعضها؟ هل من الممكن أنّه حصل على مقابل ما من نتنياهو مقابل كل تلك الهدايا؟
من الجدير بالذكر أن نتنياهو هو ليس تماما رئيس الحكومة الأول الذي اختار ميلتشن نسج علاقة صداقة معه. لقد كان أحد الأشخاص الأكثر قربا من شمعون بيريس، منذ أن كان مسؤولا في وزارة الدفاع، وعلى مدى سنوات تولّيه كرئيس للحكومة ولاحقا كرئيس للدولة. يشهد مقرّبون أنّ ميلتشن كان معجبا ببيرس جدا، وأنّه سمّى ابنه شمعون، على اسم بيريس.
إيهود أولمرت، رئيس الحكومة الإسرائيلي الأسبق، والمسجون اليوم في السجن بتهمة الحصول على رشاوى وخيانة الأمانة، هو أيضًا من أصدقاء ميلتشن المقرّبين، بالإضافة إلى بعض الوزراء والسياسيين الإسرائيليين، في الحاضر والماضي.
رجل اعمال وجاسوس
وُلد أرنون ميلتشن في إسرائيل عام 1994. في سنّ 21 توفي والده، وورّثه شركة أسمدة ذات ديون ضخمة. أجرى ميلتشن تغييرات في الشركة، ناجحا في جعلها شركة مواد كيميائية مربحة وناجحة في كل العالم. في تلك الفترة درس أيضًا اللقب الأول في الاقتصاد في المؤسسة المرموقة “كلية لندن للاقتصاد”.
في العشرينيات من عمره، تعرف على شمعون بيريس، الذي جنّده في “مكتب العلاقات العلمية”، وهو جهاز الاستخبارات الإسرائيلي السري جدا والذي عمل على الحصول على تكنولوجيا ومواد للبرنامج النووي الإسرائيلي وبرامج سرية أخرى (حتى تم تفكيكه كما بدا عام 1987 في أعقاب اعتقال جوناثان بولارد بتهمة التجسس لصالح إسرائيل).
وفقًا لبعض ما نُشر، كان ميلتشن ناشطا في المنظمة حتى الثمانينيات، وتحدث شمعون بيريس عن ذلك في مقابلة، عندما قال: “أرنون هو شخص مميز. كنت أنا من جنّده، عندما كنت في وزارة الدفاع. كان أرنون مشاركا فيما لا يحصى من أنشطة الصفقات الأمنية والاستخباراتية. يتميز ميلتشن بقدرته على إنشاء العلاقات مع أصحاب المناصب العليا. منحته أنشطته ميزة هائلة، استراتيجية، دبلوماسيّة، وتكنولوجية”.
تتعلق إحدى الوظائف المثيرة للجدل التي قام بها ميلتشن بإعلانات أجنبية حول أنّ إسرائيل قد اشترت اليورانيوم من أجل المفاعِل النووي جنوب البلاد، من نظام الأبارتهايد (الفصل العنصري) في جنوب إفريقيا. وفقا للأخبار، التي أكدها مسؤولون سابقون في الاستخبارات الإسرائيلية، فقد أنتج ميلتشن فيلما ترويجيا في العالم، يعرض “الوجه الجميل” لجنوب إفريقيا، مع التضليل الذي بحسبه كانت حياة السود في البلاد مزدهرة تحت حُكم البيض. في المقابل، باعت جنوب إفريقيا المواد الممنوعة لإسرائيل. عندما أجاب ميلتشن عن ذلك قال إنّه تلقى بيانا موجزا “مساعدة أولئك الذين يمكنهم مساعدتنا”. في مناسبات أخرى، قام ميلتشن بالتهريب قطع الغيار اللازمة لصنع قنبلة نووية.
في المقابل، طوّر ميلتشن أعمالا في مجالات مختلفة، من بينها تجارة السلاح. تقدّر ثروته اليوم بنحو 5.9 مليار دولار، وصنّفته مجلة فوربس في المركز الخمسين في قائمة “اليهود الأكثر ثراء في العالم”.
نجم هوليوودي
في أواخر السبعينيات بدأ ميلتشن بإنتاج أفلام يكسب منها، ثم انتقل إلى هوليوود، حيث أنتج هناك بعض الأفلام الأكثر شهرة ونجاحا، من بينها “امرأة جميلة” بطولة جوليا روبرتس وريتشارد جير، ولاحقا فيلم “نادي القتال”، “السيد والسيدة سميث”، “12 سنة عبد”، ومؤخرا أيضًا “العائد”
حظيت أفلامه وأعماله بالثناء، وحازت على عدد كبير من تماثيل الأوسكار. أصبح أحد المنتجين الأكثر احتراما وشهرة في هوليوود، وفي التسعينيات افتتح شركة إنتاج ناجحة ومربحة جدا. لديه علاقات صداقة قريبة مع النجوم الكبار في العالم، من بينهم براد بيت وأنجلينا جولي، ليوناردو دي كابريو، بن أفليك، وأحد أفضل أصدقائه هو روبرت دي نيرو.
قبل نحو ثلاث سنوات نظّم ميلتشن حفلا خاصا برّاقا في منزله بماليبو في كاليفورنيا حيث أجرى هناك لقاء بين بيبي وسارة نتنياهو وبين باربرا ستريسند، كيانو ريفز، كيت هدسون، ليوناردو دي كابريو، جيمس كان، بيلي كريستال وآخرين. هناك، في فيلا ميلتشن، كانت سارة محاطة بالنجوم وتألق بيبي في خطاب قصير عن التهديد الإيراني ونيّته مكافحته.
يعرّف ميلتشن نفسه كوطني إسرائيلي، وهو ينظّم الكثير من أمسيات تجنيد التبرّعات وأمسيات الدعاية من أجل إسرائيل. وقد قال في الماضي إنّ “كل ما فعله”، مشيرا إلى خدمة الاستخبارات، قد فعله لأنّه إسرائيلي، من أجل دولته.
وهو يكثر من زيارة إسرائيل، ولديه فيها على أقلّ تقدير شقّتان فاخرتان. كما ذكرنا، فهو يحرص على تنمية العلاقات مع أصحاب المناصب العليا. وهو الآن في وسط إحدى القضايا الأكثر تغطية وشهرة في إسرائيل – وهي التحقيق مع رئيس الحكومة نتنياهو.