“طرأ تغيير معين” قال أون ريفمان، مؤسس شريك في منظمة “الناطور الجديد”، “وصل اليهود إلى بلادهم ولكنهم لم ينسوا المنفى”. عندما سُئل ريفمان ماذا تغير بالتحديد، قال موضحا بإيجاز: “لم تعد لدينا علاقة بالأرض”. فهو يكرر هذه الادعاءات كثيرا، ويوجهها إلى المجتمَع الإسرائيلي اليهودي والعربي على حدِّ سواء.
“لم تعد تربطنا علاقة بالأرض. المزارع هو الشخص الذي يهتم بالتمسك بالبلاد، بالأراضي، ولكن تمت هجرة الزراعة في أيامنا هذه”، قال ريفمان. وأشار إلى عدد عمال الزراعة في إسرائيل، موضحا أنه تقلص في العقود الأخيرة من عشرات الآلاف ووصل إلى آلاف قليلة فقط.
ويبدو أنه لا يمكن التصدي لظاهرة الهجرة الجماعية لمجال الزراعة في إسرائيل. فقد بدأت الدولة تستثمر أكثر بكثير في التكنولوجيا والهايتك، وهناك منافسة صعبة مقابل البضاعة المستوردة من خارج البلاد، وخسارة مالية كثيرة، إضافة إلى ذلك، تشهد البلاد ظاهرة جريمة بشعة، تركت المزارعين وأفراد الشرطة حائرين. “أغلِقت مئات الملفات حول السرقة، تدمير الممتلكات، والسرقات بذريعة عدم الاهتمام العام بالموضوع. شعرنا أن الفلاحين منهارين”، وفق تعبير ريفمان.
وقبل عقد، قرر بعض الشبّان تحمل مسؤولية طموحة والعمل في المكان الذي فشلت فيه الدولة والشرطة، واستعادة الأمان المفقود لدى المزارعين بأنفسهم. فهم تذكروا منظمة الحراس اليهود ‘هاشومير’، أي الناطور، التي عملت في مزرعة يهودية قبل قيام الدولة، وقرروا إنعاشها. كما هي الحال مع أعضاء ‘هاشومير’ الذين نشطوا قبل مئة عام سابقا، نام أعضاء ‘هاشومير هحداش’، أي الناطور الجديد، في المزرعة، البيارات، والحقول، وحرسوا تطوعا على المكان في الليل والنهار وساعدوا المزارعين في عملهم. رغم الحماسة الأيدولوجية والحنين إلى الماضي، فهم يعترفون أنهم “يعيشون في فترة تختلف عن عهد منظمة ‘هاشومير’ التي نشطت قبل مئة عام، وينشطون اليوم في دولة منظمة. نحن لسنا ميليشيا، ولكن استوحينا الكثير من أعضاء ‘هاشومير'”.
وفق أقوال أعضاء ‘هاشومير هحداش’ فليست لديهم أيديولوجيّة ضد العرب، بل على العكس. ويوضحون أن هذه الأيدولوجية بإيحاء من منظمة ‘هاشومير’ اليهودية قبل مئة عام. “العلاقات التي نشأت بين أعضاء ‘هاشومير’ والقبائل البدوية والشركسية التي عاشت في المنطقة، كانت علاقات مميزة ومختلفة عن العلاقات التي كانت في الماضي. فقد كانوا يعدون البدو نموذجا للاحترام، ومثالا يحتذى به. لقد ارتدوا ملابس مثل البدو وتعلموا اللغة والعادات البدوية. في كل بلدة وصل إليها أعضاء ‘هاشومير’ أقاموا مضافة واستقبلوا الزوار وقدموا لهم القهوة، كما تعلموا من جيرانهم البدو”.
تطورت خلال عقد نشاطات ‘هاشومير هحداش’ وانتشرت قطريا. فإذا كان في البداية يجري الحديث عن بضعة شبان أقاموا خيمة حراسة بالقرب من الحقل، فاليوم هناك نحو 35 ألف ناشط متطوع سنويا، يحرسون نحو 50 موقعا في أنحاء إسرائيل، تمتد على نحو 600 ألف دونم”. ولكن الحراسة لم تعد منذ وقت النشاط الوحيد الذي يمارسه أعضاء ‘هاشومير هحداش’. فقد أقاموا مدرسة ثانويّة، يعلم فيها العربية معلم بدوي من القرية القريبة، ومنظومة تطوع ومساعدة في العمل الزراعي، وفي المرعى الذي يتضمن عشرات آلاف المتطوعين من إسرائيل وخارجها، وحدة استطلاع تتدرب من قبل الشرطة، حركة شبابية، وهم يمررون نشاطات في المدرسة اليهودية والعربية على حد سواء.
وفي الواقع، هناك مواطنون عرب إسرائيليون أو مواطنو الضفة الغربية متورطون بالمخالفات الزراعية، ولكن تؤكد حركة ‘هاشومير هحداش’، أنه يعمل عمال ومتطوعون عرب في إطارها أيضا. “لا يمكن أن نثبت بأية طريقة أن الدافع وراء المخالفات الزراعية هو وطني. لا محل للانشغال بهذا الادعاء لأنه يبعد حل المشكلة”. رغم هذا، وفق أقوال ريفمان هناك توتر وطني أثناء عمل المنظمة. “لا يمكن أن نتجاهل الماضي، صعوبات الجمهور العربي أمام المؤسسات والشعور بالظلم والإجحاف، ولكن رغم الآلام والصعوبات، نحن نعمل على العناية والاهتمام معا بالبيئة التي نعيش فيها ونطمح إلى زيادة النشاطات والتعاون معا”.