أية مشكلة لدى الإسرائيليين مع الإنجليزية؟ الذي يعرف الحديث بالإنجليزية دون التخلي عن جواز سفره الإسرائيلي، سيحظى هنا بحياة طويلة، أو على الأقل ببعض الفترات في رئاسة الحكومة. إنّ عطش إسرائيل، والكثير من الإسرائيليين، في أن يُعتبروا جزءًا من الغرب يمر عبر اللغة الإنجليزية، التي يجب أن تكون مصقولة وخالية من أي رائحة إسرائيلية. ومن لم تنجح؟ حسنًا، سيكون حكمها كحكم دافيد ليفي (وزير الخارجية الإسرائيلي سابقًا، الذي لم يكن موهوبا بالإنكليزية على مستوى عال وأصبح هدفا للسخرية في إسرائيل). فماذا لو كانت تلك الإنجليزية المصقولة تخدمنا، في رحلاتنا إلى الولايات المتحدة، كي نرفض إلى الأبد خيار أن يكون سلام في يوم ما هنا؟ فماذا لو صقلناها فقط من أجل إلقاء الخطابات عن داعش، إيران، الهولوكوست ومؤخرا الإيبولا. إنّ الإنجليزية المصقولة هي أداة ممتازة للتخويف، وغيابها وصمة عار. بعد كل ذلك، كيف يمكن أن تكون إسرائيليا دون أن تخيف؟ بعد كل ذلك، كيف يمكن أن تكون إسرائيليا دون أن تشعر بالازدراء العميق للثقافة العربية؟ في الثقافة السائدة هذا مستحيل. وهو يعادل الخيانة.
مقابل كل ذلك، تطلق ديكلا أغنية واحدة من أسطوانتها الجديدة التي ستصدر قريبًا، وهو أداؤها لأغنية Here Comes the Rain Again لـ “یوریتمیکس”، وقد غنّت بالإنجليزية ولكن بلكنة عربية، والتي هي ناعمة تماما بحيث لا يمكن إلا الاستسلام لها. اللكنة العربية التي لا نسمعها هنا، حيث أصبحت هذه اللغة هي فقط لغة العدوّ. وبصوت ديكلا، فإنّ غناء الإنجليزية بالعربية هو أبعد من غناء الإنجليزية بالعبرية، لأنّه ليس هناك أي جهد في الأولى. في الأولى ليست هناك ذات الثقة العسكرية، التي أصبحت لغة رسمية في إسرائيل.
لا توجّه ديكلا لكنتها إلى ما وراء البحر وتريد أن تكون هناك، لا تحاول أن تزيل أية دلالة على الشرق الأوسط، عن عربيتها التي تُنفَ في أي وقت. تؤكد ديكلا في مقابلاتها على التنوع الموسيقى الذي نشأت فيه، والذي هو جزء من أعمالها، ولكن إدخال اللكنة العربية من خلال الإنجليزية فهذه خطوة إضافية. وهو مختلف عن القول إنّ “هنا ليس أوروبا” كما فعلت مغنيات إسرائيليات مشهورات أخريات. لا تحتاج ديكلا أن تقول ذلك، فاللكنة تكفي لتوضيح بأنّ عنصر الشغف ليس هو الثقافة الأوروبية. وليس في هذا ما يعني شطب الجمال القائم في الغرب، ولكن تحديد ماذا يؤخذ من هناك وماذا يؤخذ من هنا. وكيف نشأ من جميع هذه الاختيارات شيء جديد.
إنّ عربية Here Comes the Rain Again من فم ديكلا تمرّ من خلال نوع من آلات الكمان العربية والأداء العربي، ولكن هذه جميعها تسقط أمام صوتها وإنجليزيّتها العربية تلك، والتي تسعى إلى أن يتمّ غناؤها. ومن المشكوك فيه إلى أي مدى يمكن سماعها أيضًا في البلدان العربيّة، والتي تقام فيها أيضًا جهود سامية، من جهة من يغني بالإنجليزية لشطب العربية، المجيء للغرب مع إنجليزية خالية من أي تأثر بالمكان العربي الذي قدمتَ منه.
وبخلاف الأداءات العربية المختلفة للأغاني الأوروبية الشهيرة، لا تجعل ديكلا الأغنية عربية عن طريق الأدوات العربية، مثلما فعلت نتاشا أطلس حين غنت I Put a Spell on You مع الدربكات التي ترافقها، وكذلك ليس بالشكل الذي غنت فيه روتيم شافي أغنية “كارما بوليس” لـ “راديوهاد” ومزجت فيها العربية وصيحات “يا لله”. تطلب ديكلا منا أن نغنيها مثلما تسمع طفلة عربية لينوكس فتغني لينوكس، عندما تسمعها في غرفتها وتشغل الأغنية التي أحبتها مرة تلوَ الأخرى. إنها تطلب منا أن نغني إنجليزية عربية، ولكن كيف نغني إنجليزية عربية؟ من أين ستخرج من حناجرنا تلك اللكنة التي عملنا كثيرا على إزالتها؟ كيف يمكن اعتماد لكنة أصبحت سيئة السمعة؟
لن تكون هناك مشكلة لجاراتي في يافا أن يغنين مع ديكلا، أيضًا من لا تزال العربية هي اللغة التي ينطق بها في منزلها لن تجد صعوبة في الغناء معها، أن تفهم الأحرف الساكنة، وأن تستسلم للسلم الذي تغني فيه. عندما نسمع ديكلا، التي تختار أن تغني بالإنجليزية العربية، ولا نستطيع الغناء معها، ولكن فقط مع لينوكس التي نشأنا عليها، فإنّنا ندرك كم خسرنا. كم هو كبير الفقر الذي حكمت به علينا دولة إسرائيل في طريقها إلى “اليهودي الجديد”، وبعد ذلك إلى الشرق الأوسط الجديد، والذي قد سقط منذ ذلك الحين، الأمر الذي أثار استياء جميع المحلّلين، والذين لم يرغبوا مرة واحدة في أن يكونوا هنا حقّا.
تغيّر ديكلا الاتجاه الذي ينبغي أن تكون الأنظار متّجهة إليه في الخارطة، ولكن دون أن تلغي المنظور الذي يُستخدم للنظر فيما وراء البحار ولاكتشاف الكنوز. ودون النسيان للحظة بأنّها هنا، في الشرق الأوسط، في البلاد التي تعاني من انفصام عميق في الشخصية، فقط لأنها تؤكد على أن تكون الهوية موحدة. لا ينبع انفصام الشخصية الإسرائيلي من كثرة الهويات وإنما من إزالتها، من الطلب الإسرائيلي بالانتماء إلى المعسكر الأوسع، بأن تكون مثل الجميع، أن تكون إسرائيليا.
في أغنية “ذاكرة مضحكة”، تحكي فيكي شيران بأنّ والدها قد اعتاد على الجلوس في الشرفة مع الترانزستور والاستماع إليه فقط مع سماعاته التي كان سلكها قصيرا ويخنق حنجرته، ولكنه لم يكن يستطيع إلا الاستماع من خلالها. لأن والدها استمع بالعربية؛ الأخبار والموسيقى، وقد قرأ وكتب أيضا – والعياذ بالله – بالعربية بل وادعى أنّه يملك العربية الفصحى، ممّا جعلها تعتبره مجنونا. “منذ متى يوجد للعرب لغة فصحى سوى يا حبيبي إي إي إي/ نصف ساعة يا حبيبي في الحنجرة”، هكذا تسأل شيران والدها، والذي اعتادت على السخرية منه مع أصدقائها. ولكن في نهاية الأغنية، بعد أن تكشف عن شجار مؤلم بين والدها ووالدتها حول العربية، شجار فيه “صرخت باتجاهه بشيء ما بالفرنسية (والذي بدا وكأنه “تلك مشكلتك”)، اعترفت شيران بخطئها وكتبت: “من كان يصدق، أمي، اليوم/ ستكون هي مشكلتي حقا”.
بكلمات أخرى، من يريد غناء أداء ديكلا الجديد معها، يجب عليه أن يبدأ يتمرّن على الإنجليزية العربية، أن يتدرّب على السكون، وإلا فإن غاية ما سيستطيع غناءه هو لينوكس على خلفية ديكلا.
نشر هذا المقال لأول مرة في موقع “هآرتس“