قبل 47 عاما، في ذروة نشوة إسرائيل وانتصارها في حرب 1967، هبط قرار هناك شكوك أن يتمّ قبوله اليوم بهدوء: ضمّ أراضي المدينة التي كانت تحت السيادة الأردنية، وعدد من القرى في المنطقة معها. وهكذا، بين عشية وضحاها، ولدت خريطة القدس الموحّدة. تحوّلت من 6 كيلومتر مربّع إلى مدينة مساحتها 70 كيلومترا مربّعا، تقريبًا 11 ضعفًا. أثارت أحداث العنف المستمرّة في العاصمة مجدّدا السؤال حول مستقبل القدس ووحدتها.
انتشرت في الوعي الإسرائيلي قداسة جبل الهيكل وحائط المبكى، ولكن في الواقع، فمنذ عام 1967 يعيش آلاف الفلسطينيين تحت السيادة الإسرائيلية في وضع خاصّ لسكان دون مواطنة كاملة.
في واقع معقّد من تعدّد القوميات ومشبع بالعلاقات الدينية، من الصعب جدا أن نرسم سيناريو مدينة موحّدة، يشعر فيها كلّ مواطن – عربيّا أو يهوديّا أو غير ذلك – بأنّه ينتمي لنفس المدينة. في الوعي الإسرائيلي والفلسطيني فإنّ القدس هي حقّا مدينة واحدة. في الواقع هناك في المدينة مدينتان فرعيتان: من جهة القدس الغربية (وفيها غالبية يهودية واضحة) ومن الجهة الأخرى القدس الشرقية (وفيها غالبية فلسطينية واضحة).
ومن أجل فهم التعقيدات في القدس الشرقية، جمعنا عددا من الأمور المثيرة للاهتمام حول الجزء الشرقي من المدينة المقدّسة.
1. يبلغ تعداد سكان القدس الشرقية أكثر بقليل من ثلث سكان المدينة، وفقا لدائرة الإحصاء المركزية، من بين 815300 مواطن، فإنّ 301100 هم من الفلسطينيين (37%). 75.3% من سكان القدس الشرقية، وأكثر من 82% من الأطفال هناك يعيشون وفق التعريف تحت خطّ الفقر. 53% فقط من التلاميذ الفلسطينيين يدرسون في المدارس البلدية (بيانات رسمية لدائرة الإحصاء المركزية) الرسمية. هناك نقص كبير في الصفوف الدراسية ويزدحم الكثير من الأطفال في شقق صغيرة تمّ تحويلها إلى صفوف دراسية. 36% من التلاميذ لا ينهون 12 سنة تعليمية.
2. وترسم بلدية القدس، المسؤولة عن رفاهية وأمن المواطنين الفلسطينيين في القدس الشرقية، صورة مختلفة. مؤخرا فقط ادعى رئيس بلدية القدس الحالي، نير بركات، أنّه تمّ اتخاذ قرار (في نهاية حزيران 2014) باستثمار 3 مليون شاقل (نحو 850 ألف دولار) في أحياء القدس الشرقية في إطار برنامج تنمية اقتصادية – اجتماعية، وذلك في أعقاب ارتفاع حوادث العنف الأخيرة في القدس الشرقية. خُصّص البرنامج الاقتصادي لتقليص الفجوات في مجالات البنية التحتية المتهالكة، العمل، التعليم والرعاية الاجتماعية.
3. والمشكلة الرئيسية التي تُثار مؤخرا وتؤجّج شرارة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني هي موضوع شراء الشقق السكنية وقطع الأراضي من قبل الإسرائيليين أو الجمعيات اليهودية في الأحياء العربية الفلسطينية مثل حيّ سلوان، راس العمود أو جبل المكبر. وفقا للمعطيات التي تنشرها جهات يسارية إسرائيلية مثل: “حركة السلام الآن”، فإنّ نحو 2000 مستوطن يقيمون في منازل متفرّقة في أحياء فلسطينية. وكشف تحقيق قامت به الحركة بأنّ حكومة إسرائيل تقوم بدفع ثمن الحراسة الخاصة لجميع أسر المستوطنين في القدس الشرقية بتكلفة تبلغ أكثر من 70 مليون شاقل في العام لجميع الأسر. وتتفاقم المشكلة لأنّ جزءًا من العقارات التي سيطر عليها المستوطنون هي تطبيق لقانون العودة (وهو قانون يمنح كلّ يهودي يعبّر عن رغبته بالإقامة في إسرائيل الحقّ في الهجرة إلى إسرائيل والحصول على مواطنة، وقد صدر هذا القانون عام 1950) على منازل كانت مملوكة ليهود قبل عام 1948. وقد تلقّى أصحاب العقار الأصليون تعويضات من الدولة مع قيام الدولة فورا. وبحسب تصريحات منظّمات اليسار، فإنّ هؤلاء المستوطنين يعرّضون إسرائيل للخطر ويفتحون بابا قانونيّا لتطبيق حقّ العودة الفلسطيني، والذي لا ترغب إسرائيل رسميّا بالاعتراف به.
4. ولأنّ معظم المواقع التاريخية ذات الطابع الديني مركّزة في القدس الشرقية مثل: جبل الهيكل والمسجد الأقصى، حائط المبكى وكنيسة القيامة؛ تحظى الأحياء الفلسطينية حول الأماكن المقدّسة بتطوير مشاريع اقتصادية سياحية كبيرة. خلال العام كلّه يصل إلى القدس الشرقية وإلى الأحياء المسيحية واليهودية والإسلامية مئات الآلاف من السيّاح الذين يساهمون في سبل العيش المحلية القائمة على تقديم الخدمات لكثير من السياح الذين يزدحمون في الأحياء الفلسطينية: المطاعم، محلات بيع التذكارات، الأقمشة، المقاهي، الفنادق وبيوت الضيافة والمرشدين السياحيين. تُلاحظ حركة ضئيلة من السياح في أزقة البلدة القديمة في القدس في كلّ مرة يتطوّر نزاع عنيف بين سكان المكان والأحياء الفلسطينية التي تحيط بالمدينة، وبين قوى الأمن الإسرائيلية. تؤدي هذه الأوضاع إلى انخفاض حادّ في عائدات السياحة وضربة قاسية لأماكن العمل والاقتصاد في القدس الشرقية.
5. التطرّف والتشدّد: العنف المتصاعد في القدس لم ينشأ في فراغ. تفهم المنظومة السياسية والاجتماعية في إسرائيل جيّدا أنّ الفلسطينيين من سكان القدس الشرقية يعانون عقود من الإهمال والدليل على ذلك هو البيانات الديموغرافية – الاجتماعية الصعبة. في الوقت نفسه، فإنّ تجاوز التحدّي من قبل دوائر إسلامية متطرّفة، تحرّكها جمعيات خيرية وشيوخ يقودون الرأي العام نحو الكراهية والازدراء الذي يجب الشعور به تجاه كلّ ما هو آخر، ليس إسلاميّا ويهودي بشكل رئيسي.. هذا يكثّف من نار العنف والكراهية بين شباب المدينة ويخرج بعضهم للتظاهر ولتعكير صفو السلام والأمن في تلك الأحياء. أيضا التحدّي المتزايد لدى أعضاء كنيست يهود ودوائر يهودية متطرّفة تجاه المسجد الأقصى وسيطرة المستوطنين على المنازل الفلسطينية في أحياء مثل سلوان، فهذا أيضا يشكّل أثرا ملموسًا على حياة الفلسطينيين في المدينة. وقد تحدّث مؤخرا العديد من قادة الرأي العام الفلسطينيين في الإعلام الفلسطيني حول العنف المتصاعد في القدس، وقالوا إنّ شعارات مثل “الأقصى في خطر”، والتي تُطلق في المساجد في كثير من الأحيان؛ ليست فارغة من مضمونها وخصوصا على ضوء الشعور أنّ العالم العربي منشغل بقضاياه ولا يعزو أهمية كبيرة للدفاع عن المساجد أو سائر الأماكن المقدّسة لدى الفلسطينيين في القدس.