عام 2022 من المتوقع أن يحدث تاريخ في كرة القدم العالمية؛ للمرة الأولى منذ تأسيس كأس العالم عام 1930، سيُقام في دولة عربية ومسلمة، وهي قطر. ما زالت الاستعدادات في بدايتها والمخاوف كثيرة، ولكن من الصعب تجاهل كونها معلمًا مهمّا في مسيرة اندماج كرة القدم المسلمة والعربية في المشهد العالمي لكرة القدم. كانت هذه المسيرة مستمرّة ولها قسمان مهمّان: مشاركة الدول العربية في كؤوس العالم السابقة ونجاحها، وخروج لاعبين موهوبين إلى النوادي الأوروبية الكبرى في سنّ صغير.
سنركّز في مقال هذا الأسبوع على تاريخ كرة القدم العربية في كأس العالم، والذي بدأ بظهور نادر لمصر في دوري بإيطاليا (1934)، ولكنها وصلت لقمّتها في نهاية سنوات السبعينات وفي العقود الأخيرة من القرن العشرين.
هاجم المنتخب المصري باستمرار مرمى المنتخب الهولندي في كأس العالم 1990، ولكنه أجبر على الاكتفاء بالتعادل 1:1
رغم أنّ أول ظهور لمنتخب عربي في كأس العالم مسجّل للمصريين، إلا أنّ الزخم الحقيقي والتقدّم بدآ مع المغرب وتونس. عام 1970 تأهّل المغاربة للبطولة التي أجريتْ في المكسيك، وسجّلوا نقطة في مباراتهم مع بلغاريا (1:1) وخسروا مع ألمانيا الغربية والبيرو. بالمقابل، استطاع التونسيّون تسجيل انتصار تاريخي منذ ظهورهم الأول، في البطولة التي أقيمت في الأرجنتين عام 1978. تغلّب “نسور قرطاج” على المكسيك (3:1) وتمكّنوا من تحقيق التعادل مع الألمان (0:0)، ولكن بسبب خسارتهم مع بولندا تم إخراجهم لدى انتهاء المرحلة الأولى.
بعد 16 عامًا من التجربة الأولى، يعلّم المغاربة البرتغاليّين درسًا في كرة القدم الهجومية؛ 3 أهداف رائعة!
بعد ذلك لم يحقّق التونسيّون نجاحات، ولكنهم حرصوا على تسجيل نتائج تعادل في ثلاث بطولات أخرى اشتركوا بها (بين 1998 و2006). بالمقابل، ذهب المغاربة نحو الفخر. عام 1986 وصلوا مجدّدًا إلى مكانة الذروة في كرة القدم وكانوا مع ثلاثة فرق أوروبية: إنجلترا، بولندا والبرتغال. بعد أن أحرزوا تعادلا دون أهداف مع أول خصمَيْن، وصلوا إلى إستاد غوادالاخارا وقدّموا “حفلا موسيقيّا” بأبعاد تاريخية. كرة قدم إيقاعيّة، كرات طويلة تُتَرجم سريعًا إلى حالات احتلال أمام المرمى وركلات دقيقة وحادّة تحوّلت إلى فوز 3:1 ومكّنت “أسود الأطلس” من التأهّل إلى دور الستّة عشر، وكان الأول في مجموعته! في هذه المرحلة كانت ألمانيا الغربية تنتظرها، والتي اكتفت بـ 1:0 صغير من أجل الإطاحة بالمنعش الرسمي للبطولة.
قبل ذلك بأربع سنوات، فإنّ الألمان تحديدًا لم يتدبّروا أمرهم مع خصم عربي – جزائري، حيث قدّمت قدرة على الإقناع وفازت 2:1:
https://www.youtube.com/watch?v=dZsPNFUacfQ&feature=youtu.be
بين التاريخ التونسيّ والمغربي، فقد وصل الجزائريّون للعصر الذهبي لمدّة قصيرة. ففي البطولة التي أقيمت في إسبانيا عام 1982، وصل “ثعالب الصحراء” إلى مجموعة صعبة، مع ألمانيا الغربية، النمسا وتشيلي. بعد الانتصار المثير على الألمان (انظروا أعلاه) والخسارة 2:0 مع النمساويّين، لعبتْ الجزائر مع تشيلي في دورة الإنهاء. بشكل مثير للدهشة، لم يكف فوز 3:2. في تلك السنوات لم يكن العرف إجراء الألعاب الحاسمة في نفس الوقت، وهكذا نشأت حالة علمَ فيها النمساويّون أنّ أدنى حدّ من الخسارة أمام الألمان، يكفي لكلا الفريقين من أجل الاستمرار لدور الستّة عشر وترك الخصم الخطر وراءهم.
فضيحة حقيقية: ألمانيا الغربية والنمسا تتّفقان على النتيجة وتطيحان بالجزائر من كأس العالم 1982:
https://www.youtube.com/watch?v=3kQJDEaNXyU&feature=youtu.be
وهذا ما كان. سجّل هورست هروبيش هدفًا لصالح ألمانيا الغربية في الدقيقة العاشرة، ومن هذه النقطة، أمضى الفريقان الوقت حتى صافرة الإنهاء، بما يُعرّف على أنّه واحدة من نقاط التدنّي في كرة قدم المنتخبات. كان هذا الحدث الخطر محفّزًا لتغيير قواعد الفيفا بحيث يتمّ إجراء الألعاب الحاسبة ذات التأثير المتبادل في وقت واحد. وفي السنوات التالية لذلك، وجد الجزائريّون صعوبة في إعادة أيامهم السابقة، ولم يحققوا في كأسي العالم اللذين شاركوا فيهما (1986 – 2010) فوزًا. على الرغم من هذه الحقيقة، فلا شكّ أنهم يتواجدون الآن في اتجاه آخذ بالصعود وستكون البطولة القريبة هي الثانية على التوالي التي يمثّلون فيها وحدهم كرة القدم العربية.
السعوديّون ينتصرون على المغرب (2:1) عام 1994؛ المباراة الأولى التي يلتقي فيها منتخبان عربيّان في كأس العالم:
بعد الممثّلين الثلاثة الناجحين في شمال وغرب إفريقيا، جاء دور السعودية عام 1994، في ظهورها الأول في البطولة. وصل السعوديّون إلى مجموعة صعبة، ولكن بعد خسارة مع هولندا في الدورة الافتتاحية، تمكّنوا من الفوز على المغرب (2:1) وبلجيكا (1:0) في الطريق إلى دور الستّة عشر. تضمّن الفوز على البلجيكيين لحظة ما زالت محفورة في ذاكرة كلّ هواة كأس العالم. ففي الدقيقة الخامسة تلقّى سعيد العويران الكرة على بعد 30 مترًا عن المرمى. وفجأة، أطلق شعلاته وبحركة تجاه المرمى البلجيكي اجتاز خمسة لاعبين بائسين من الفريق الخصم. وفي النهاية، وجد نفسه أمام الحارس وسدّد كرة في الزاوية. في دور الستّة عشر كان ينتظرهم منتخب السويد القوي، وودّع السعوديّون البطولة بسلام بعد أن عملوا ما عليهم.
الهدف المتعرّج للعويران أمام بلجيكا: يقع في المرتبة السادسة في أفضل الأهداف كلّ الوقت (!):
شارك السعوديّون في ثلاث بطولات تالية، ولكنّهم سجّلوا نتيجتي تعادل (بالمجموع) وخسارة لم يسبق لها مثيل مع ألمانيا 8:0. رغم ذلك وبفضل الفوز الأول، يعتبر منتخبهم أحد المنتخبات الأكثر نجاحًا بالنسبة للعالم العربي. الفرق العربية الأخرى، التي حظيت بالظهور في بطولة واحدة ولم تترك بصماتها المهنية، هي: الإمارات العربية المتحدة (1990)، العراق (1986)، الكويت (1982). بينما خسر لاعبو الإمارات والعراق في جميع مبارياتهم في دور المجموعات، فقد استطاعت الكويت على الأقلّ أن تسجّل تعادلا محترمًا أمام تشيكوسلوفاكيا القوية (1:1).
رغم النتيجة المفرحة، فسيُذكر ظهور الكويت إلى الأبد بسبب الفضيحة الضخمة التي قام بها الشيخ فهد الأحمد الصباح، رئيس اتحاد كرة القدم الكويتي. بعد أن صعد المنتخب الفرنسي بفوز 4:1 على منتخبه، غضب وادّعى – دون حقّ – أنّ الهدف سُدّد بتسلّل ودعا فريقه من المدرّج أن يخرجوا من الملعب. بعد ذلك توجّه إلى الحَكَم وتحدّث معه، والذي قرّر إلغاء الهدف، رغم ذلك. فقد استدعى كأس العالم ما لا يحصى من الأحداث العاصفة منذ إنشائه عام 1930، ومن يعلم فربّما البطولة القادمة أيضًا ستُسجل لحظات تبقى في الذاكرة.
شاهدوا الحدث الغريب: هدف يتمّ إلغاؤه في كأس العالم بسبب تدخّل الشيخ الكويتي!