يحظى التراجع الذي حقّقه حزب العدالة والتنمية التركي، بزعامة رجب طيب أردوغان، في الانتخابات التي جرت مطلع هذا الأسبوع، في تركيا، إلى اهتمام متزايد في أروقة الساسة المهتمين بملف القدس، في كل من المملكة الهاشمية الأردنية والسلطة الفلسطينية. فبعيدا عن أبعاد هذا التراجع على الوضع الإقليمي والدولي لتركيا، تساءل كثيرون في الأردن والسلطة الفلسطينية عن تأثير هذا التراجع على الاستثمارات السياسية والاقتصادية الكبيرة، التي كانت تقوم بها تركيا تحت القيادة المطلقة لحزب العدالة والتنمية، في كل من القدس ومناطق السلطة الفلسطينية.
فقد خصصت الحكومات التركية المتتالية بزعامة أردوغان، دعما كبيرا لمدينة القدس، وحاولت الحكومة التركية بزعامة الإسلاميين تعزيز الحضور التركي في المدينة، ثقافيًا وسياسيًا. من الناحية الثقافية، دعمت الحكومة التركية تعليم اللغة التركية في القدس وسائر مناطق الضفة الغربية. فقد تم في الأسابيع والأشهر الأخيرة افتتاح مزيد من المدارس بدعم تركي في احتفالات رسمية، شارك فيها أردوغان بنفسه عبر نظام الفيديو كونفرنس (مؤتمر ينقل بالفيديو). ومن بين هذه المدارس: مدرسة الخليل التركية، مدرسة الصداقة التركية في جنين، مدرسة البيرة التركية للبنات، والمدرسة الفاطمية في نابلس. وقد أعلن نائب رئيس الوزراء التركي السابق، في إحدى هذه الاحتفالات، عن خطة تركية لتعليم اللغة التركية في 32 مدرسة في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة؛ في خطوة واضحة من قبل الحكومة التركية لتعزيز الحضور التركي لدى الفلسطينيين، كفاتحة لتعميق التأثير والدور السياسي التركي في القدس والمناطق الفلسطينية.
وتنشط وكالة التعاون والتنسيق التركية، تيكا، التي كانت تعمل تحت أردوغان مباشرة، في القدس وفي مناطق السلطة الفلسطينية لتحديد المشاريع التي تريد تركيا دعمها بين الفلسطينيين. ووضعت أجهزة السلطة الفلسطينية، وكذلك أجهزة الدولة الأردنية، هذا النشاط التركي المتزايد تحت مجهارها، وذلك رغم تبادل التصريحات العلنية بلغة ودية ودبلوماسية بين كل من الأردن والسلطة وبين الحكومة التركية. ففي افتتاح المدارس كان يشارك مسؤولو السلطة الذين قدموا التحية لتركيا لدورها في دعم الفلسطينيين. كما وأعلنت وزارة الأوقاف الأردنية، المسؤولة رسميا من قبل الدولة الأردنية عن الأوقاف في القدس- أعلنت استعدادها لتقديم كل الدعم والتسهيلات للحجاج الأتراك المعنيين بالقدوم إلى القدس وإلى الأقصى.
لكن مصادر أردنية وفلسطينية أكدت أن الدعم التركي الثقافي هو جزء من توجّه سياسي تركي أكبر لتعزيز دور تركيا في القدس والمناطق الفلسطينية. فلم تخفَ على أحد اللقاءات التي يقوم بها دبلوماسيون أتراك مع شخصيات فلسطينية في القدس، وفي الضفة الغربية. إذ ترغب تركيا، بوساطة قنصليتها في القدس، في أن تبني شبكة علاقات مع سكان القدس الفلسطينيين، وأن تبني مراكز قوى لها بين بعض عائلات المدينة الكبيرة.
وتعتقد المصادر الأردنية والفلسطينية أن زيارة وزير الشؤون الدينية إلى القدس الشهر الماضي، جاءت في سياق تعميق نفوذ تركيا في المدينة. وشهدت المدينة حدثا تاريخا حين ألقى الوزير التركي، محمد غورماز، خطبة الجمعة في المسجد الأقصى، وهي المرة الأولى منذ قيام الجمهورية التركية المعاصرة، بعد الحرب العالمية الأولى.
وبدا واضحا أن أنصار الحركة الإسلامية، وأنصار حزب التحرير، وكذلك مؤيدي حماس، حاولوا إرساء أجواء احتفالية للخطبة. واعتبر البعض أن عرقلة الجيش الإسرائيلي دخول سيارات بث قام الجانب التركي باستئجارها لبث الخطبة من المسجد الأقصى، أنها جاءت من باب حرص اسرائيل على حفظ الدور الأردني الريادي، ومن باب عدم تعظيم هذا الدور على حساب دور الأردن في كل ما يتعلق بالقدس والأقصى، وفقا للتفاهمات الاسرائيلية – الأردنية، وكذلك وفقا للتفاهمات والاتفاقيات الأردنية – الفلسطينية. فقد كان واضحا أن الزخم الذي حصلت عليه زيارة الوزير التركي لم ترُق إلى مسؤولي الأوقاف، والذين هم من الناحية الرسمية موظفون في وزارة الأوقاف الأردنية. كما وكان واضحا أن هذه الأجواء الاحتفالية لم ترُق لكوادر حركة “فتح”، الذين رأوا كيف، وبواسطة زيارة المسؤول التركي، برز دور أنصار حماس، والحركة الإسلامية في المكان.
ولتكتمل صورة النزاع الأردني – التركي حول القدس والأقصى، جاءت، وبعد أسبوع واحد فقط من زيارة الوزير التركي، زيارة وزير الأوقاف الأردني وقاضي القضاة في المملكة، وما تبعها من اعتداء عليهما، وعلى الوفد المرافق لهم من قبل اولئك الذين احتفلوا قبل أيام فقط، بزيارة المسؤول التركي.
فقد تعرض وزير الأوقاف الأردني، هايل داود، وقاضي القضاة الأردني، الشيخ أحمد هليل، إلى الاعتداء، ومنع الأخير من إلقاء خطبة الجمعة في المكان، ليقوم خطيب الأقصى، الشيخ يوسف ابو سنينة، بإلقاء خطبة جمعة قصيرة، مدتها 4 دقائق فقط، لكي لا يُسجل في التاريخ أنه لم يتم إلقاء خطبة الجمعة في المسجد الأقصى.
وكان واضحا للأردنيين أن من اعتدى على وفدهم، هم نفسهم الذين احتفلوا قبل اسبوع بالوفد التركي، وأن الدوافع واضحة، وهدفها تقديم الدور التركي على الدور الأردني في المكان. هذا ما جعل قضية تراجع حزب العدالة والتنمية في تركيا، محط اهتمام لدى الكثير من الأوساط الأردنية والفلسطينية، وتحديدا تلك الفاعلة في القدس، لما قد يحتويه الأمر من تغيير محتمل في السياسة التركية في القدس، إذا ما فُرض الأمر على أردوغان من قبل شركائه في ائتلاف حكومي جديد، بعد خسارة الأغلبية المطلقة التي كان يتمتع بها الحزب.