يتابع أعضاء الدولة الإسلامية بترقب الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، كما يتضح، وهي توفر لهم لحظات رائعة كثيرة. تعمّق تصريحات ترامب الشنيعة ضدّ المسلمين الصراع بين الأديان في الغرب، وتعزز دعوته لزيادة عشرات آلاف الجنود الأمريكيين في جبهة القتال ضدّ داعش، الأمل في قلوب عناصرها في أن تتحقق معركة يوم القيامة ضدّ الغرب الكافر قريبا.
وفقًا لتحليل وسائل الإعلام الاجتماعية ومقابلات مع أعضاء سابقين في الدولة الإسلامية، والذي نشرته مجلة Foreign Affairs، فإنّ أعضاء التنظيم يتضرعون إلى الله أن يفوز المرشّح الجمهوري في الانتخابات الرئاسية الأمريكية. “أسأل الله العظيم أن يستلم أمريكا ترامب”، كما كتب في الأسبوع الماضي الناطق باسم الدولة الإسلامية في قناة التيليجرام التابعة للتنظيم. “سيقود الولايات المتحدة إلى طريق التدمير الذاتي”، كما يُوضح أعضاء التنظيم.
لم يكن بإمكان مسؤولي الدعاية في الدولة الإسلامية أن يطلبوا متحدّثا أفضل من ترامب. إنّ تصوّر الإسلاموفوبيا المنبثق عن المرشّح الأمريكي للرئاسة يصبّ في صالحهم. فهو يُضعف الجاليات الإسلامية المعتدلة، التي تخوض داعش ضدّها حربا أيديولوجية شاملة، ويعزّز الأصوات الانفصالية في الخطاب الإسلامي.
إنّ خصائص ترامب وتصريحاته تجعله يؤدي دورا مثاليا نموذجيا يمثّل “الغرب الكافر”، في العرض الذي تحاول داعش تسويقه للشباب المسلم. وخصم الغرب الكافر في هذا العرض، هو بطبيعة الحال الإسلام “الحقيقي” بنسخة داعش. إنّ الخطاب المعادي للمسلمين من قبل ترامب يخدم دعايته الانتخابية، ولكنه يخدم أيضًا رواية داعش وأمثالها حول الحملة الصليبية الغربية ضدّ الإسلام.
ترامب ليس الوحيد الذي يخدم بشكل غير مباشر الحرب الدعائية الخاصة بداعش. فإنّ المزيد والمزيد من القادة وصانعي السياسات الغربيين يقعون في هذا الفخّ. بدلا من التأكيد على أنّ الصراع الدولي ضدّ الإرهاب موجّه فقط ضدّ العناصر المتطرفة التي لا تمثّل كافة المسلمين، تتم محاكمة الجميع وفق شريعة واحدة. إنّ إجراءات مثل حظر ارتداء البوركيني في فرنسا، تمسّ أولا بجميع النساء المسلمات اللواتي يعشنَ بنمط حياة غربي وترمز لهنّ أنه ليس مرغوب بهن في بلادهن الغربية. تأمل داعش أن تزداد فقط مثل تلك الإجراءات ضدّ المسلمين، وأن تدفع المزيد من المسلمين إلى الانضمام إلى صفوفها، سواء من خلال الانتقام العنيف من الغرب، كما حدث فعلا في بروكسل، باريس، ونيس، أو من خلال “الهجرة” إلى أراضي الدولة الإسلامية.
ولكن الجمهور الإسلامي المحاصَر في الميدان بين كلا الطرفين المتنازعَيْن، ويتلقّى الضربات من كل حدب وصوب – هو في الحقيقة اللاعب الرئيسي في هذه المعركة، طالما أنّه لم يبق غير فعال. فهو يواجه اتهامات التكفير من التنظيمات السلفية الجهادية من جهة، وشكوك المجتمع الغربي من جهة أخرى.
وفقا لإعلاميين أمريكيين مثل بيتر بيرغن من شبكة CNN، ومايكل هيرش من مجلة “بوليتيكو”، فإنّ أكثر من ربع عمليات تنفيذ الهجمات في الولايات المتحدة منذ الحادي عشر من أيلول قد تم إحباطها بفضل معلومات وصلت إلى السلطات من الجالية المسلمة أو من فرد من عائلة المنفّذين. بناءً على ذلك، يتضمن برميل المتفجّرات الكبير الخاص بالعلاقات بين الغرب والمسلمين – وهو مكافحة الإرهاب – جاليات مسلمة قررت تقرير مصيرها بأيديها واتخاذ موقف واضح من الصراع الذي وجدت نفسها فيه. وهكذا تحوّلت هذه الجاليات إلى حجر الأساس في حلّ هذا الصراع.
إنّ إسكات الجاليات المسلمة وتقييدها، هي إجراءات غير عادلة، ولن تساعد في تحسين الأوضاع. وكما أنّ الجاليات المسلمة في أمريكا قد اتّخذت موقفا واضحا تجاه الإرهاب الديني الإسلامي وأضعفتْه، فإنّ قوّتها ستصمد أيضًا ضدّ الموجة المعادية للمسلمين والتي تتصاعد في أوروبا. كلّما ارتفع صوت الجاليات المسلمة المعتدلة، سيضعف صوت المتطرفين.