حدث ذلك في حرب لبنان الثانية عام 2006، وفي عملية “الرصاص المصبوب” عام 2009، وفي عملية “عمود السحاب” عام 2012، وعلى ما يبدو أنّه سيحدث أيضًا في عملية “الجرف الصامد” – الحرب الحالية بين إسرائيل وحماس ستنتهي بعد تدخّل دولي واتفاق تسوية بين الجانبين يحقّق وقف إطلاق النار (حتى المرة التالية).
تحدّث رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمس الأول مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما، الذي اقترح المساعدة في تحقيق وقف إطلاق النار. في الواقع، وفقًا لمصادر مختلفة، يدرس الأمريكيون خيارات الوساطة بين إسرائيل وحماس.
ولن تعتبر حماس الولايات المتحدة وسيطًا نزيهًا في الصراع الحالي، ويمكننا أن نفهمها على ضوء الدعم الكبير الذي تتلقّاه إسرائيل في واشنطن. ولقد وافق الكونغرس الأمريكي أمس على قانون يعبّر عن دعم كامل لإسرائيل ويدين حماس، وبذلك تحظى إسرائيل بدعم نادر من الحزبين الأمريكيَين، والذي يُظهر فقط توافق الآراء في الولايات المتحدة بخصوص دعم إسرائيل.
المرشّحون الأربعة للوساطة
يعلم الأمريكيون أنّ حماس لن توافق على وساطتهم، ولذلك فهم يبحثون عن وسيط يحاول أن يحقّق وقف إطلاق النار المنشود. الخيار الأول هو قطر. تدعم قطر اليوم حماس وتستضيف في أراضيها قيادة حماس في الخارج، وعلى رأسها خالد مشعل. بل وقد اقترحت دفع “الأجور الضائعة” لـ 40,000 موظف لدى حماس.
لا شكّ أنّ حماس ستوافق على وساطة قطر، ولكن السؤال هو: هل ستوافق إسرائيل وقطر؟ لا تعترف قطر بإسرائيل اعترافًا رسميًّا، ولن ترغب إسرائيل بإقامة محادثات مع الدولة العربية الوحيدة التي تكتسب حاليًّا احترام حماس. إذا كان الأمر كذلك، فإنّ وساطة قطر تبدو أقل احتمالا، وإذا تم ذلك فمن المحتمل أن يحدث “وراء الكواليس”.
الخيار الثاني هو تركيا. ولقد شهدت العلاقات بين تركيا وإسرائيل صعودًا وهبوطا في السنوات الأخيرة. منذ “أحداث مرمرة” عام 2010، والتي قُتل خلالها تسعة أتراك، تدهورت العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين وأعربت تركيا مرّات عديدة عن دعمها لسكان غزة، ولكن يبدو مؤخرًا أن الدولتين تتواجدان على الطريق لتسوية تُعيد العلاقات لمسارها، وقادة كلا الدولتين، نتنياهو وأردوغان، تحادثا هاتفيّا قبل نحو عام ونصف.
مع ذلك، فإنّ إسرائيل لا تعتبر تركيا محايدة في الصراع بين الجانبين، وقد ظهر إثبات على ذلك ليلة أمس، حين أعلن أردوغان أنّ العلاقات مع إسرائيل لن تعود كما كانت إذا لم توقف إسرائيل “الظلم في غزة”. وقد قال أردوغان أيضًا أنّه سيطلب من الأمم المتحدة التدخّل في الصراع.
الخيار الثالث هو الخيار المصري. كما هو معلوم، فقد انتهت عملية “عمود السحاب” التي جرت في تشرين الثاني عام 2012 بفضل الوساطة المصرية لوزير الخارجية من قبل الإخوان المسلمين حينذاك، محمد كامل عمرو، ولذلك تعتبر مصر مرشّحًا محتملا للوساطة.
مع ذلك، فقد حدثت أمور كثيرة في بلاد النيل. فيسيّطر عبد الفتّاح السيسي على الحكم ، والمعروف أنّه أعلن الحرب الشاملة ضدّ الإخوان المسلمين وأشار إلى أن حماس أيضًا، شريكهم الطبيعي، باعتبارها عدوّا. لاعتبارات شعبية، فإنّ السيسي لن يسارع في تنفيذ عملية ما تدعم إسرائيل، وبشكل عام فإنّ جدول أعمال السيسي يتركّز على مشاكل مصر الداخلية.
ومع ذلك، يزعم مسؤولون إسرائيليون أنّ الأمريكيين لا يستبعدون إمكانية الوساطة المصرية، والتي تبدو هذه الأيام غير محتملة. إذا تمّت هذه الوساطة، فسيحدث ذلك بعد وقتٍ ما (نحو أسبوع على الأقلّ)، وقد يقتنع السيسي أنّ عملية كهذه ستعرضه باعتباره رائدًا في الشرق الأوسط. في جميع الأحوال، لا يبدو أنّه سيكون لدى مصر ميلٌ لدعم أي من الجانبين ولذلك فهي تعتبر المرشّح الأكثر موضوعية.
الخيار الرابع هو رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، الذي أعرب عن استعداده للوساطة بين الجانبَين. وساطة عباس غير معتبرة في هذه المرحلة من قبل الأمريكيين، وسيتم تلقّيها بشكّ سواء من الجانب الإسرائيلي أو من جانب حماس، لكون الجانبين غير محبوبين لدى فتح وعباس. مع ذلك، لا يمكن استبعاد هذا الخيار أيضًا.
كيف سيبدو وقف إطلاق النار؟
فليكن الوسيط أيًّا كان، فيبدو الآن أنّ الخطوط العريضة للتسوية المستقبلية معروفة بشكل ما. إسرائيل غاضبة جدّا على حماس. وقبل بدء العملية، حين تم إطلاق صواريخ كثيرة تجاه إسرائيل ولكنها لم تردّ، فقد صرّحت تصريحًا رسميًّا أنّ “الهدوء يقابله الهدوء”.
ولكن، صعّدت حماس من وتيرة إطلاق الصواريخ وفي الواقع جرّت إسرائيل إلى الحرب. رسميًّا، تصرّح إسرائيل أنّها لا تكتفي بالهدوء فقط وأنّها ترغب بتحقيق ردع بل وإحباط قدرات حماس على إطلاق الصواريخ تجاه البلدات الإسرائيلية. مع ذلك، فمن المحتمل أن تتنازل إسرائيل وتتوقّف عن قصف غزة حين يتوقّف إطلاق الصواريخ تجاه بلداتها.
من المتوقع أن تضع حماس ثلاثة شروط لتسوية وقف إطلاق النار: إطلاق سراح الدفعة الثانية من محرّري “صفقة شاليط”، الذين تمّ اعتقالهم خلال عملية “إعادة الإخوة”، دفع الرواتب لموظّفيها وفتح معبر رفح. ستوافق إسرائيل على البند الأول وليس بشكلٍ رسميّ وإنما فعليّ، ومن المحتمل أيضًا أن توافق على البند الثالث.
بخصوص دفع الرواتب؛ فمن المحتمل أنّ تعرب إسرائيل عن معارضتها لذلك، لأنّها تعتقد أنّ جزءًا كبيرًا من المال سيُنقل لتسليح حماس. ومن المتوقع أن يتناقش الجانبان في هذه النقطة (من خلال الوسطاء) وأن يصلا إلى حلّ، إبداعيّ على الأرجح. والسؤال المطروح هو: لماذا ينتظر الجانبان وكم من الضرر سيحدث حتى يصلا إلى وقف إطلاق النار؟