في حين أنه يتم قطع رؤوس صحفيين غربيين من قبل تنظيم داعش في كل فرصة ممكنة، لا بد أن اختيار التسلل إلى القرب من خطوط العدو لتوثيق القتال الدائر هناك هو أمر أشبه بالجنون التام الذي لا سبب منطقي وراءه، سوى شجاعة نادرة وفضول لا يمكن السيطرة عليه.
الصحفي الإسرائيلي، ايتاي أنجل، الذي شاع عنه أنه يرصد الأحداث من داخل مناطق النزاعات، وكان في كل دول “الربيع العربي”، حتى الدول التي تُعتبر رسميًا دولة عدوة لإسرائيل، هذه المرة تجاوز كل حدود المنطق، وسافر، ليُوثق عن قرب، أخبار التنظيم الذي يخافه الجميع في العالم. بثت القناة الثانية الإسرائيلية، البارحة، تقرير أنجل وأذهل ذلك التقرير الكثير من الإسرائيليين.
حدود مخترقة
وصل أنجل إلى شمال العراق في نهاية شهر تشرين الأول، برفقة مصور، واجتاز التفتيش عند الحدود بمساعدة جواز سفره الأمريكي، إنما أيضًا بسبب انهيار النظام القديم في الدولة وبسبب الفوضى التي تعصف بها. لاحقًا تسلل إلى سوريا برفقة مقاتلين أكراد، والذين تعرفوا عليه من خلال التقرير الذي سبق وأجراه، وكانوا يعرفون تمامًا بأنه إسرائيلي.
الحدود بين العراق وسوريا مخترقة تمامًا، ليس هناك حراس أو جنود، في أي من الجانبين، ويُوثق أنجل المعبر الذي كان فيه بينما كانت ترافقه كاميرا ويتحدث بالعبرية، دون أية صعوبة. الأمر المقلق، كما قال، أنه كما اجتاز الحدود بسهولة، هذا ما يفعله مئات وآلاف المقاتلين الذين يلتحقون بتنظيم داعش من كل أنحاء العالم.
وصل أنجل في سوريا إلى خطوط النار تمامًا، مع المقاتلين الأكراد كان ينبطح أرضًا ويهرب وقت اندلاع القتال، وكان يقف بجانبهم وهم يطلقون الصواريخ باتجاه مقاتلي داعش، الذين كانوا يتحصنون في موقع يبعد 400 متر فقط عنهم، ومن خلالهم استطاع أن يجري مقابلات مع بعض مقاتلي داعش الذين وقعوا بالأسر لدى الأكراد.
كم عدد الرؤوس التي قطعتها؟
التوثيق الذي قدمه أنجل تقشعرُ له الأبدان. يتجول أنجل بملابس بسيطة، بينما حوله مقاتلين ومقاتلات بالزي العسكري، طويل القامة ونحيف، يحمل كاميرا، ويبدو وكأنه جاء من عالم آخر. يمر ضجيج الحرب، وكأن، قربه ويبدو غير خائف أبدًا رغم وجوده في قلب أكبر تهديدات يتعرض لها الشرق الأوسط.
كُشف النقاب لنا ولأول مرة عن معلومات مروعة، خلال اللقاءات التي أجراها مع أسرى داعش لدى الأكراد، ومن المصدر الرئيسي. ليست المعلومات وحدها هي المروّعة بل الهدوء النفسي الذي يتحدث فيه الأسرى عن الأعمال التي قاموا بها.
عندما سألهم عن عدد الأشخاص الذين قتلوهم لغاية الآن يقول الأسرى، الذين ينطقون بأسمائهم الحقيقية وأصولهم، بأنهم لا يتذكرون تمامًا، ولكن هناك الكثير، 60 – 70 تقريبًا. قتلوا البعض رميًا بالرصاص والبعض الآخر قتلوهم ذبحًا بأيديهم إنما ليس قبل أن يضعوهم في طوابير ويديروا وجوههم إلى الجهة الجنوبية. يشرح أحدهم، بشيء من اللامبالاة، كيف أن عملية قطع الرؤوس تتم بسكين غير حادة تمامًا لإطالة وقت عذاب المذبوح، ويتأمله باستمتاع بينما هو ينزف أمام ناظريه طوال 4 دقائق.
عملية إعداد التقرير هي أيضًا تزيد حالة الإحساس بالقشعريرة حيث يتم الدمج بين المقابلة المصوّرة، في غرفة بسيطة، بينما يجلس مقاتلو داعش مقيدين، حفاة، مُغمضي الأعين، وبين المشاهد التي يتحدثون عنها والتي فيها تقوم داعش بقطع رؤوس عشرات الأسرى دفعة واحدة. يقف أنجل ذاته في مشهد آخر على ضفة نهر دجلة، تمامًا في المكان الذي شوهد فيه مقاتلو داعش، من قبل، وهم يقتلون أسرى، بإطلاق النار عليهم، ويُلقون بهم في النهر.
مقاتلو داعش يخافون من النساء الكرديات
في سوريا، دخل أنجل إلى أحد معسكرات التدريب الخاصة بالمقاتلين الأكراد، حيث يتدرب شبان وشابات بعمر 17 سنة ليصبحوا جيشًا بمعنى الكلمة. الحركة السرية الكردية، بالمناسبة، تُعتبر أكثر جيش فيه مساواة في العالم، حيث تقاتل فيه النساء إلى جانب الرجال وحتى أنهن يقدنهم في بعض الأحيان، ويقمن بالهجوم معهم في وقت القتال.
النساء الكرديات لا يعرفن الخوف. هن يعرفن أنهن لا يقاتلن فقط من أجل حرب الاستقلال بل من أجل كل النساء اللواتي يقوم تنظيم داعش بإهانتهن وبيعهن في سوق العبيد والدعارة وكأنهن أشياء مُستعملة.
ظهرت، خلال الحرب ضد داعش، قيمة المقاتلات الكرديات بشكل مضاعف. يؤمن مقاتلو داعش، الذين ينتظرون الموت كشهداء والحصول على 72 حورية في الجنة، بأنهم إن ماتوا على يد امرأة لن يصلوا إلى الجنة. لذا فإن نداءات الحرب التي تُطلقها المقاتلات السوريات، التي تُذكّر بزغاريد الفرح التي تطلقها النساء في المناسبات السعيدة، تخيف مقاتلي داعش كثيرًا وتجعلهم يهربون من ميدان القتال والاختباء.
وبالفعل، على الرغم من نجاح داعش باحتلال مناطق كثيرة في العراق وسوريا إلا أنهم وجدوا صعوبة في المناطق التي تتواجد فيها قوات الحركة السرية الكردية. عند سؤال المقاتلات الكرديات إن كن يخفن من داعش يجبن: “على العكس. داعش هم الذين يخافوننا. أنا أنتظر ذلك فحسب”.
وبالفعل، يعترف الأسرى الذين يُجري أنجل مقابلات معهم بأنهم تلقوا مرة أوامر بالهرب والاختباء عندما ترد معلومات بأن القوة التي تواجههم هي بقيادة نساء.
داعش لا تُلاحق إسرائيل
بخلاف الكثير من التنظيمات الإرهابية في الشرق الأوسط إسرائيل ليست موجودة على رأس قائمة اهتمامات داعش، بل تأتي في آخر القائمة. أنجل ذاته قال إن “إسرائيل ليست رأس قائمة اهتماماتهم. عندما يتم سؤالهم عن العدو الأكبر بهم يقولون، الأكراد، اليزيديين، الشيعة، المسيحيين…”. حتى “السُنة” غير الأطهار يقتلونهم دون تمييز.
وعندما يسأل أنجل أحد أسرى داعش بنوع من التحدي – “وماذا لو كنت يهوديًا من إسرائيل؟ ماذا يفعل تنظيم داعش بمثل هؤلاء”، يُجيب الأسير بأنهم لم يسبق أن واجهوا حالات كهذه. واضح أن ما يُخيف المقاتلين في الميدان هي المخاطر الآنية في ميدان المعارك وليس المخاطر النظرية مثل إسرائيل.
إلا أن الأسرى الآخرين يجيبون أنه دون علاقة لأصله فإنه لو وقع بين يدي داعش لا شك أبدًا أن أنجل كان سيُعدم لأن هذا مصير كل صحفي أجنبي يقع بين أيديهم. ليس هناك احتمال آخر ببساطة.