حتى الآن يبدو أن الشيخ تميم بن حمد آل ثاني خرج من الجولة الحالية من المواجهة بين حماس وإسرائيل، خاسرًا. مع بداية العملية الإسرائيلية في غزة، كان يبدو أن تميم هو الذي يمسك بالخيوط. ولكن المحور القطري – التركي، الذي ظهر في البداية أنه المحور المفضّل على الأمريكيين للتوصل إلى تسوية لإنهاء القتال في غزة، فشلَ مقابل الهيّمنة المصرية، التي خدمت إسرائيل.
والآن جاء دور قطر لإعادة تقويم وضعها في الساحة الإقليمية. استقبل الشيخ تميم هذا الأسبوع وفدًا رفيع المستوى من كبار المسؤولين السعوديين، ومن بينهم وزير الخارجية سعود الفيصل، رئيس جهاز الاستخبارات خالد بن بندر ووزير الداخلية نايف بن عبد العزيز، للمناقشة وتنسيق المواقف في العديد من القضايا الإقليمية المتصلة بدول الخليج، والتي هي الآن على جدول الأعمال. سبق ذلك لقاء في الشهر الماضي بين الملك السعودي عبد الله وبين الأمير نفسه في الرياض.
للأفضل أم للأسوأ، فإنّ الشيخ تميم بن حمد آل ثاني هو الوجه الجديد لقطر، التي قامت بكل ما بوسعها لتحتل مكانة الراعي لجماعة الإخوان المسلمين في الشرق الأوسط. في حين وقفت السعودية على رأس المعسكر المعتدل، الموالي لأمريكا، وهو الذي لا يخاف إصدار تصريحات مؤيدة حتى تجاه إسرائيل، لم تتردّد الدوحة في الوقوف علنًا على رأس محور الإخوان المسلمين.
إلى حدّ ما، فإنّ الشيخ تميم هو عكس الملك السعودي عبد الله. مقارنة بالملك السعودي، الكبير في السنّ والرصين في رأيه، والذي يقود المعسكر البراغماتي والمعتدل في الشرق الأوسط، يمثّل الشيخ تميم كل ما هو معاكس لطريقه. هو صغير في السنّ، ولكنّه عازم على توسيع نفوذه الجذري، وفي كلّ ما يتعلّق بذلك فليست لديه مصلحة في التسوية.
وذلك رغم أنّ الأمير القطري تحديدًا قد تعلّم في مؤسسة بريطانية مهمّة، وهي الأكاديمية العسكرية الملكية، مقارنة بالتعليم التقليدي إلى حدّ كبير والذي تلقّاه الملك السعودي. يعلم المسؤولون الكبار الثلاثة الذين قدِموا إليه هذا الأسبوع ذلك جيدًا.
في كلّ ما يتعلّق بالمعركة السياسية التي تدور حول المعركة العسكرية في غزة، يبدو أن الملك السعودي قد أثبت أنّ التجربة والحكمة تغلبتا على طموحات الأمير القطري القوية. اضطر خالد مشعل، الذي يعمل بموجب تعاليم الشيخ تميم، إلى قبول ضغط زملائه الغزّيّين والخضوع للإملاءات المصرية، رغم تحفّظاته العديدة.
وهذا على ما يبدو هو ما فهمه الشيخ تميم حين زار الملك عبد الله، كي يخبره بأنّه يتنازل عن طموحاته الإقليمية بخصوص غزة. حلّل المستشرق الإسرائيلي مردخاي كيدار لقاء القائدين باعتباره “خضوع تام لقطر أمام السعودية، لأمير شاب قليل الخبرة أمام ملك مسنّ كامل الحكمة”.
حسب كيدار، فإنّ الأمر الذي أخضع الشيخ تميم أمام عبد الله هو فهمه بأنّ حماس، التي دعمها بكلّ قوّته، لن تخرج من جولة المواجهة هذه حين تكون لها كلمة الفصل: “الأمر الذي جعل أمير قطر يخضع هو مزيج من العزم الإسرائيلي وجغرافيا غزة، فهي منطقة واقعة تحت الحصار حتى لو رُفع الحصار، حيث إنّ إسرائيل ستكون دائمًا من جهة ومصر من الجهة الأخرى لتلك المنطقة، والبحر فقط هو الملاذ والذي هو محظور أيضًا”. حسب تعبيره، فإنّ العلاقة الجغرافية بين غزة ومصر تشبه العلاقة بين قطر الصغيرة وبين السعودية.
ومن المبكّر أن نقرر كيف سيبدو استمرار سلطة الأمير الشاب، على ضوء الالتئام الواضح للشرخ مع السعوديين. هل ستضطر قطر إلى قبول حكم من تكره، عبد الفتّاح السيسي، في مصر؟ من غير المرجح أن هذا سيكون الحال في ظل حملة الكراهية المستمرة التي تديرها شبكة الجزيرة القطرية ضدّ الرئيس المصري ونظامه.
في جعبة السعوديين والقطريين أيضًا هناك المزيد من الأوراق التي لم يتم اللعب بها في هذه الجولة، ولكن يجب الآن أن ننتظر ونرى ماذا سيفعل كلا اللاعبان المهمان الآخران: مصر، التي عادت إلى الواجهة كوسيط مهيّمن بين إسرائيل وحماس، وإيران، التي دفعت الجهاد الإسلاميّ نحو التسوية، لكنها لن تتخلّى لصالح السعوديين في معركة السيطرة على الخليج.