تحدثّت معظم الأغاني التي تطّرقت إليها المدوّنة حتى الآن عن مواضيع شخصية، مثل الحب والتعامل مع الصعوبات، أو عرضت ميّزات حضارية ثقافية مثل تجربة دودو طوباز في الحفاظ على التراث المجيد الذي بدأه جده في العراق. ومع ذلك، فإن نطاق الموسيقى الإسرائيلية الواسع غطّى مجالات إضافية عديدة، سنحاول عرضها في الأسابيع القادمة. سوف نبدأ، بعد إذنكم، باستعراض أغاني الاحتجاج الاجتماعي العبرية، من الماضي البعيد، مرورًا بالماضي الأقرب، ووصولًا إلى الحاضر.
إذا كان المواطنون قد ركّزوا في فترة إنشاء الدولة على البناء والتنمية، فقد بدأت تظهر انقسامات عدّة بدءًا من الستينات على خلفية التصادُم الاجتماعي. هي ذاتها الانقسامات التي عكستها الموسيقى في أغانٍ عدّة من طرازات أساليب مختلفة – روك، هيب هوب، وموسيقى شرق أوسطية. على سبيل المثال، عكس الاحتجاج في نصوص اليهود الشرقيين (الذين قدموا من دول عربية و/أو إسلاميّة)، منذ سنوات الدولة الأولى، الإحساس بالقمع الذي تعرضوا له مِن قِبل اليهود الذين قدموا من أوروبا، الشكناز، الذين قادوا الحكم آنذاك. وقد كتب يوسف (جو) عمر، من كبار الشعراء الذين عرفتهم دولة إسرائيل، عن التفاوت في فرص العمل حسب العِرق، لكنه لم يلاقِ أصداءً كبيرة.
استمعوا لجو عمر وهو يتكلّم عن التمييز في أغنيته “لشكات عفوداه” (مكتب العمل):
خطّت الموسيقى الشرق أوسطية، في السبعينات والثمانينات، أولى خطواتها نحو التيار الثقافي المركزي في إسرائيل. فعلى الجانب الآخر من الأغاني التي أطلقها مطربون من الصف الأول، أمثال زوهر أرجوف وحاييم موشيه، أدّت الأغاني البارزة في هذا الجانر (الجنس الموسيقي) إلى اشتهار المغنين الذين غنّوها. بهذه الطريقة، تصدّر الوعي العامّ مغنون مثل نيسيم سروسي (“أشليوت” / أوهام) وإيلي لوزون (“إيزو مديناه” / أية دولة). صحيح أنّ الإيقاعات فرِحة، الصوت “بشوش”، وعزف الكمان يغطي عليه القرع على الطبول، لكنّ هذه الأمور تزيد من التأثير، وتشدّد على البُعد بين الكلمات والواقع.
أصغوا إلى إيلي لوزون يثور غيظًا في أغنيته “إيزو مديناه؟” (أية دولة؟):
ويمكن العثور على احتجاج آخر، أكثر حميميّةً إلى حدٍّ ما، في أغنية إيتي أنكري، “مليونيم” (ملايين). تعرض الأغنية مجموعة من الأغاني “الشخصية”، التي تصف التعايُش اليومي مع الفقر والعوَز. تتحدث أغنية “مليونيم” (ملايين) عن تعامُل أمّ متوحّدة صغيرة السن مع المكتب الحكومي المعني بمصادرة الأملاك، الذي يُصادِر من قِبل الحكومة كافة ممتلكاتها لصالح البنك. هذه الأغنية أيضًا، بشكل مشابه للأغاني السابقة المعروضة، تعرض كلماتٍ لاذعة على خلفيّة لحن مرِح.
استمعوا إلى صوت إيتي أنكري الرقيق في الأغنية الحزينة “مليونيم” (ملايين):
لنعُد إلى الاحتجاج الجماعيّ أكثر. ففي السبعينات، وصف شلومو أرتسي، في أغنيته “بتؤوم كام أدام” (فجأةً، ظهر إنسان)، كيف تتحول الضائقة الاقتصادية إلى شخصيّة، وتجعل الفرد يخرج ويناضل من أجل مجتمع أكثر عدلًا. كذلك تعكس أغنية شالوم حانوخ، “محاكيم لمشيَّاح” (ننتظرُ المسيح)، التي صدرت على خلفيّة الأزمة الاقتصادية القاسية في الثمانينات في إسرائيل، الصعوبةً والحاجة إلى النضال في وجه الفساد الذي تفشّى في السلطة، التي كانت تنتظر حلًّا عجائبيًّا. في التسعينات، تحدّث بيري سحاروف في أغنيةٍ له عن تحوُّل المواطنين إلى قطيع من العبيد المطيعين لا يحتجّ على الأذى الذي يلحق به.
في التسعينات، ظهر في إسرائيل جنس موسيقي جديد، الراب (وقريبه، الهيب هوب)، لتظهر معه موجة جديدة من أغاني الاحتجاج، التي ارتكزت على الوصفة الأمريكية مع توابل محلية. كانت فرقة “هداجْنَحاش” (السمكة – الحيّة) أوّل من نجح في نقل الرسالة إلى المركز مع أغانٍ تناولت شؤونَا عديدة، بدءًا من العنف والقَتل في الشوارع، مرورًا بِالفجوات الاقتصادية الهائلة بين المديرين العامّين والعمّال البسطاء، وانتهاءً بالعنف ضدّ النساء على أساس جنسيّ. نال الموضوع الأخير دفعًا كبيرًا جدًّا بفضل أغنية الجوقة “أف إيحاد” (لا أحد)، التي رثت لامبالاة المجتمع تجاه الملاحقات الجنسيّة، وكون الأمر عُرفًا اجتماعيًّا عفنًا يجب تغييره من أساسه.
استمعوا إلى النقد اللاذع لبيري سحاروف في أغنية “عفاديم” (عبيد):
استمعوا إلى أغنية الاحتجاج القوية لفرقة “هداجنحاش” (السمكة – الحيّة)، “أف إيحاد” (لا أحد):
وبشكل طفيف جدًّا، رغم أنّ هذا الموضوع يستحقّ أن يُخصَّص له تقرير منفرد، سنتطرّق إلى الأغنية الاحتجاجية لدى المجتمَع العربي في إسرائيل. سنتحدّث لاحقًا عن الاحتجاج على النزاع اليهودي – الفلسطيني، لكنّ بين العرب مواطني إسرائيل ثمة مشاعر ظُلم ورغبة في التقدُّم، من ناحية اقتصادية، حضارية، وتربويّة. غنّى تامر نفار، مغني راب عربي إسرائيلي، منفردًا وبرفقة فرقته “دام”، عن الرغبة في رؤية مستقبل أفضل، أفضل من الواقع المشوَّه.
استمعوا إلى أغنية “تغيير المستقبل” لتامر نفار: