يحظى عبد الفتاح السيسي -الذي أعلن يوم الاربعاء انه سيترشح لخوض انتخابات الرئاسة في سباق من المتوقع أن يفوز به بسهولة- بإعجاب شديد لدى كثيرين من المصريين الذين يعتبرونه بطلا بعد ان أطاح في يوليو تموز بأول رئيس منتخب في انتخابات حرة في مصر.
وينظر أنصار السيسي اليه كمنقذ يستطيع إنهاء الاضطراب السياسي الذي يلازم مصر منذ ان أنهت انتفاضة شعبية في 2011 حكم حسني مبارك الذي استمر ثلاثة عقود.
وإذا انتخب السيسي رئيسا لمصر فإنه سيصبح الأحدث في سلسلة حكام جاءوا من الجيش وهو مسار انقطع لعام واحد اثناء رئاسة مرسي.
واستقال السيسي من منصب وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة اليوم الأربعاء حتى يمكنه الترشح للرئاسة.
ويخشى منتقدو السيسي أن يصبح زعيما مستبدا آخر يحافظ على مصالح الجيش والمؤسسة الحاكمة التي تعود الى حقبة مبارك ويبدد الآمال في الديمقراطية والإصلاح والعدالة الاجتماعية التي انتعشت بعد احتجاجات الشباب التي أطاحت بمبارك وإن لم تطح بنظامه.
وتتهم جماعة الاخوان المسلمين -التي دفعت مرسي الى السلطة عبر صناديق الاقتراع- الجيش بالانقلاب على رئيس منتخب بصورة شرعية وتدمير الديمقراطية.
وأثار السيسي توقعات وتطلعات وصلت الى عنان السماء لكنه لم يقدم حلولا مفصلة لمشاكل الفقر ونقص امدادات الطاقة والبطالة التي تثقل كاهل معظم سكان مصر البالغ عددهم حوالي 85 مليون نسمة.
ولم يقض على حملة من أعمال العنف والتفجيرات يقودها إسلاميون متشددون في سيناء اتسع نطاقها منذ عزل مرسي.
ويثير ذلك احتمال أن تسقط الهالة المحيطة بالسيسي (59 عاما) في بلد بلغت فيه احتجاجات الشوارع حدا لم تشهده البلاد في عهد مبارك وساعدت في خلع رئيسين في ثلاث سنوات.
وفي الخطاب المسجل الذي وجهه الى الشعب المصري معلنا فيه عزمه على خوض سباق الرئاسة قال السيسي انه سيتصدى للتحديات لكنه حذر المصريين من أنه لا يمكنه ان يحقق المعجزات.
لم يكن العالم يعرف الكثير عن السيسي قبل ظهوره على شاشة التلفزيون في الثالث من يوليو تموز ليعلن إزاحة مرسي بعد مظاهرات حاشدة طالبت باستقالته وتعطيل العمل بالدستور والاستعداد لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية جديدة.
ولم يظهر السيسي كثيرا اثناء شغله منصب مدير المخابرات الحربية اثناء حكم مبارك. وعين مرسي السيسي قائدا للجيش ووزيرا للدفاع في أغسطس آب 2012 بتقديرات خاطئة بأن الجيش سيدع الاخوان المسلمين ينفذون برنامجه الاسلامي مادام انه سيحتفظ بامتيازاته الضخمة.
وربما تأثر مرسي بسمعة السيسي كمسلم ورع. وقال بعض زعماء الإخوان إنه اعتاد الانضمام لهم في الصلاة وكان يبكي أثناء تلاوة آيات من القرآن.
لكن آذان مرسي بدت صماء عن الاستياء في الشوارع الذي بلغ ذروته بعدما انتزع سلطات كاسحة وسعى لتمرير دستور ذي صبغة اسلامية. وزادت حدة الاضطرابات بسبب اعتقاد بأن الاخوان فشلوا في ادارة الاقتصاد.
وبعدما اكتسبت حملة منسقة بعناية مناهضة لمرسي قوة دفع إختار السيسي اللحظة المناسبة وأمهل الرجل الذي عينه وزيرا 48 ساعة ليستقيل وإلا واجه تحركا عسكريا.
وبعدئذ أطاح بمرسي الذي تحداه وساقه إلى السجن ليواجه في نهاية المطاف اتهامات يمكن أن تصل عقوبتها إلى الاعدام.
وأشاد المصريون الذين أنهكتهم الاضطرابات بالسيسي حتى حين بدأت الحكومة الجديدة المدعومة من الجيش حملة شرسة لسحق جماعة الاخوان وهي القوة السياسية الافضل تنظيما في البلاد والتي فازت بكل الانتخابات الوطنية التي اجريت بعد سقوط مبارك.
وقتلت قوات الأمن المئات من أنصار مرسي في الشوارع في أغسطس آب في أكثر الاضطرابات الأهلية دموية في تاريخ مصر الحديث. وسجنت السلطات زعماء الاخوان المسلمين التي اعلنتها الحكومة لاحقا جماعة ارهابية رغم نبذها العنف قبل عقود.
لكن عربة السيسي واصلت التقدم وازدانت الشوارع بصوره مرتديا نظارة سوداء وقبعة عسكرية. وظهرت صوره أيضا على قمصان وقطع للشوكولاتة بل وعلى ملابس نسائية في بلد محافظ تسكنه غالبية مسلمة.
ولم يظهر السيسي مقاومة للثناء المتواصل.
وفي جزء لم ينشر من مقابلة مع صحيفة المصري اليوم سرب في تسجيل صوتي عبر الانترنت تحدث السيسي عن رؤية تشير الى أن قدره أن يكون قائدا عظيما.
وقال السيسي الذي صعد من حي الجمالية الشعبي بالقاهرة حيث عاش طفولته إلى أعلى رتبة في أكبر جيش عربي “شفت في المنام من سنين طويلة جدا.. من 35 سنة.. إن أنا رافع سيف مكتوب عليه (لا إله إلا الله) باللون الأحمر.”
ولد السيسي في 19 نوفمبر تشرين الثاني 1954 وكان أصغر عضو في المجلس العسكري الذي حكم البلاد على مدى 18 شهرا مضطربة بعد الاطاحة بمبارك في 11 فبراير شباط 2011 .
ويقول دبلوماسيون غربيون إن السيسي لم يتخذ إلا مؤخرا ما يصفونه بالقرار المحفوف بالمخاطر بالترشح للرئاسة. وقال دبلوماسي أوروبي كبير “قد يتحرك الجيش إذا ساءت الأمور وتلطخت صورته. يمكن أن يكون سقوطه مفاجئا وحادا.”
وقبل شهور من اطاحته بمرسي في 2013 أشار السيسي إلى أنه لن ينفذ انقلابا عسكريا على السلطة ناهيك عن الترشح للرئاسة رغم شكوكه في الاخوان.
وقال “مع كل التقدير لكل من يقول للجيش انزل الشارع.. لو حصل ده لن نتكلم عن تقدم مصر للأمام لمدة 30 أو 40 سنة.”
وظهرت تصدعات في قاعدة دعمه. فالنشطاء العلمانيون الذين كانوا قد أيدوا تحرك الجيش انضموا للاسلاميين في انتقاد ما يبدو انه كبت ممنهج للمعارضة.
وجعلت الحكومة المؤقتة الخروج في مظاهرات بدون تصريح جريمة تصل عقوبتها الي السجن المؤبد. ويقول خصوم السيسي إن انتخابه سيشير إلى عودة الي القمع الذي شهدته مصر في الماضي.
وقال جمال عيد المحامي والناشط في مجال حقوق الانسان إنه توجد مخاوف حقيقية لها اسبابها. وأضاف أن الانتهاكات الحالية لحقوق الانسان تثير كثيرا من القلق بشأن حكم السيسي.
لكن وسط خيبة الأمل الواسعة ازاء السياسيين والمحتجين يحظى السيسي بدعم من القوات المسلحة القوية ووزارة الداخلية وأيضا الكثير من السياسيين والمسؤولين السابقين في عهد مبارك الذين يستعيدون مكانتهم الآن.
وبعض المعجبين بالسيسي يشبهونه بالرئيس الراحل جمال عبد الناصر البطل القومي صاحب المكانة الكبيرة على الرغم من أنه قاد مصر الى هزيمة أمام اسرائيل في حرب 1967 .
ويقول سكان في الحي الشعبي الذي نشأ فيه السيسي إنه أظهر في سنوات طفولته علامات على انضباط غير مألوف.
ويقول عاطف الزعبلاوي وهو عامل في مصنع للصباغة اعتاد أن يرى السيسي في الجمالية “عبد الفتاح دائما كان يبدو ان لديه هدف فيما يبدو. لديه إرادة قوية.”
ويقول الجيران إنه ينتمي لعائلة شديدة التدين. وقال ابن عمه الذي يملك متجرا للمشغولات اليدوية إن المشير يحفظ القرآن.
وشجع والد السيسي ابنه على العمل في متجره كل يوم بعد الدراسة. وعاش في شقة صغيرة على سطح منزل مملوك للعائلة في الحي الشعبي في وسط القاهرة.
وقال اللواء المتقاعد سامح سيف اليزل -الذي التقى المرشح الأوفر حظا عدة مرات- إن السيسي الذي يدرك حجم المشكلات التي تواجهها مصر قد يطلب من مواطنيه الصبر.
واضاف قائلا “انه ليس لديه حل فوري لكل شيء.. اعتقد انه سيقول للشعب… عليكم ان تتحملوا معي. نحن سنمر ببعض المعاناة.”