رغم ماضيه كقائد لوحدة النخبة الأكثر جرأة في إسرائيل، “دورية هيئة الأركان”، كرئيس للأركان ووزير للأمن، لا يبدو موشيه (بوغي) يعلون ملائما لصورة العسكري الإسرائيلي. فرغم أنه طويل القامة وعريض المنكبين، لكن نظارته القديمة، جديته، البساطة التي يتعامل بها مع كل موضوع مطروح أمامه تقريبا، وملامحه الجدية بشكل عام، شاذة في مجتمع يتميز بالانفتاح وعدم الوساطة.
يعود اللقب “بوغي” الشهير إلى طفولة يعلون، حيث لقّبه به جيرانه في بلدة كريات حاييم التي وُلد وترعرع فيها. اسم عائلته الأصلي هو سمولينسكي، لكنه غيّره عندما خطط للانتقال إلى كيبوتس (تجمع سكني تعاوني) “يعلون” في العرباه (جنوبي إسرائيل).
خلفية يعلون بسيطة جدا. فبخلاف نتنياهو، الذي نشأ في بيئة نخبوية ومثقفة في القدس والولايات المتحدة (كان والده مؤرخا شهيرا)، فإن والد يعلون كان عاملًا بسيطا، وأمه كانت ناجية من الكارثة.
رغم أنه اليوم ممثل بارز لليمين الإسرائيلي، فإن القيم التي نشأ عليها يعلون كانت قيَم الحركات اليسارية، والتي بقي ملتزما ببعضها جزئيًا حتى الآن. فهو لا يزال يحتفظ ببيته في كيبوتس غروفيت (في جنوب إسرائيل)، ويهاجم بشدة كل إبداء للعنصرية ضد العرب.
“بوغارت”
قضى يعلون، ابن الثالثة والستين، معظم حياته في الخدمة العسكرية. وقد تميز فيها حتى عُيّن أواخر الثمانينات قائدًا لدورية هيئة الأركان – وحدة النخبة الأفضل في الجيش الإسرائيلي. كُشف النقاب في الفترة الأخيرة عن دوره المباشر في اغتيال مَن كان قائد الذراع العسكرية لفتح، أبو جهاد. قاد يعلون، الذي أُطلق عليه في العملية اسم “بوغارت”، عملية اغتيال المسؤول عن عدد من التفجيرات الإرهابية ضد مدنيين إسرائيليين، في منزله في تونس. لم تصب زوجته وأولاده بأذى، الذين كانوا في البيت أثناء الاغتيال. من توثيق العملية، الذي جرى مؤخرا في برنامج تلفزيوني إسرائيلي، تبزر شخصية متحفظة وباردة، خالية من الإحساس والإثارة.
الصحوة
قبل الانتفاضة الثانية وخلالها، في بداية سنوات الألفين، قاد يعلون الخط الذي يمكن تسميته “الواقعي” في علاقات إسرائيل بالسلطة الفلسطينية، وتحديدا بما يرتبط بشخصية عرفات. وفقا ليعلون، الذي كان يتولى مناصب قيادية في الجيش حينذاك، لم يتخلّ عرفات إطلاقا عن طريق الكفاح المسلح، رغم توقيع المعاهدات مع إسرائيل، الذي أدى بكثيرين في المنظومة السياسية الإسرائيلية إلى الاعتقاد أنهم أمام منعطف تاريخي للقيادة الفلسطينية. يدّعي يعلون أن عرفات كان المسؤول عن الانتفاضة الثانية، عبر استخدام أجهزة الأمن الفلسطينية. “لا يعترف عرفات بحق الشعب اليهودي في دولة خاصة به، وهذا هو جوهر النزاع، لا الاحتلال عام 67″، يقول يعلون. وهذا القول صحيح أيضا بالنسبة لرئيس السلطة الحالي، محمود عباس: “لم يكن أبو مازن مستعدا أن يقول في أنابوليس: دولتان لشعبَين. من لا يفهم هذا، لا يفهم ماهية الصراع. كتب المستشرق الشهير البروفسور برنارد لويس عن ذلك قبل أنابوليس. فقد سأل: هل النزاع هو على مساحة وحدود دولة إسرائيل، أم على وجودها نفسه؟ خلاصة ما توصل إليه البروفسور لويس هو أنه لا يوجد إجماع عربي على وجود دولة إسرائيل. لم يبدأ (الاحتلال) بنظرهم عام 1967، بل عام 1948، وحتى قبل ذلك، منذ فجر الصهيونية. لذلك، علينا أن نفهم أن الحديث لا يدور حول نزاع على الأراضي. يظنون في العالم أنه بمجرد قيام دولتَين، سيتم حل كل الأمور وسيعم الهدوء والسكينة. لكن الأمر ليس كذلك، فأبو مازن يقول إن اليهودية دين، لا قومية، وبالتالي فهم لا يستحقون دولة”.
يتهم يعلون أطرافا إسرائيلية تدعي أن أبا مازن لا يزال شريكا للسلام بالسذاجة وعدم النزاهة، ومن بين هؤلاء المكلفة بملف المفاوضات مع الفلسطينيين في الحكومة الحالية، تسيبي لفني: “يغضبني أن تسيبي لفني تحديدا، التي كانت وزيرة خارجية أولمرت، وأدارت المفاوضات مع “أبي علاء”، التي شهدت بنفسها على التشدد الفلسطيني في قضية لانهائية الصراع ونهاية الطلبات، التي رأت كيف عرض أولمرت على أبي مازن 100 بالمئة من الأرض، مع أجزاء مع القدس وحق العودة أيضا، تقول بعد كل ذلك إن ثمة شريكًا، وتتهم نتنياهو بالرفض. وهي تلقي كل هذه الاتهامات في الخارج، في منتدى سابان، وأماكن أخرى. أما أنا، فلم يفاجئني رفض أبي مازن، فهو لم يقل ذات مرة إن الاحتلال بدأ عام 67، بل يتحدث عن 64 عامًا من احتلال. أهذا أمل؟ هذا وهم.
على خلفية المواقف المتطرفة في القضية الفلسطينية، تفيد أطراف خبيرة بما جرى في حكومة نتنياهو السابقة، أنه في الشأن الإيراني، وتحديدًا في إمكانية هجوم إسرائيلي على المفاعلات النووية في إيران، فإن يعلون عامل مهدّئ. فحسب رأيه، يجب أن يكون الخيار العسكري خيارا أخيرا، وإيران ليست مشكلة خاصة بإسرائيل، بل هي مشكلة العالم بأسره، بما فيه أجزاء من العالم العربي. مع ذلك، قال مؤخرا: “إذا كان الخيار بين القنبلة (الذرية الإيرانية) والقصف، فإننا سنختار القصف”.
الرجل الذي ينتعل الصندل
مع تعيينه وزيرا للأمن في حكومة نتنياهو الحالية، يحاول يعلون، وفقا لعدد من المحللين، تنصيب نفسه منافسا مستقبليا على قيادة الليكود ورئاسة الحكومة في الانتخابات القادمة.
تساهم شخصية يعلون المتشددة، المختلفة كثيرا عن شخصية نتنياهو، بشكل كبير في مكانته الجماهيرية. وقد تبين من استطلاع أجرته مؤخرا صحيفة هآرتس أن عدد الإسرائيليين الراضين عن أداء يعلون أكبر من الراضين عن أداء نتنياهو. “في الصالون المتواضع للفيلا المتواضعة التي يقطن بها يعلون مع زوجته عاده، يجلس يعلون أمامي مرتديا سروالا قصيرا، قميصا أزرق، وصندلا. يقوم لتحضير القهوة، يقدم صحنا من التمر” – هكذا يصف الصحفي آري شبيط لقاءه بيعلون. على خلفية الشعور المتزايد بعدم الارتياح من إبداء الغنى الفاحش والتباهي، يبرز يعلون كشخص يخلو من مميزات “الثري الجديد”.
شهادة أخرى على تفكير يعلون السياسي طويل المدى هي العهد الذي يحاول قطعه مؤخرا مع الجمهور المتدين (الحاريدي)، الذي يُحتمل أن يكون بيضة القبان في تأليف الحكومة. لا يخدم الشبان المتدينون في إسرائيل في الجيش، وعوضا عن ذلك يدرسون التوراة. تؤدي هذه الظاهرة إلى شعور كثيرين في المجتمع الإسرائيلي بالمرارة، مطالبين بتجنيدهم، حتى لو تطلب الأمر استخدام القوة. عبّر يعلون مؤخرا عن معارضته لهذه الظاهرة، قائلا إنه “غير مستعد للعيش في دولة يدخل فيها اليهودُ السجن بسبب دراستهم للتوراة”. وقد رأى البعض هذه الأقوال إشارة للجمهور الحاريدي بالرغبة في التعاون المستقبلي.
وقد فتح يعلون كذلك حسابا على تويتر للتواصل مع جمهور الشباب، حيث يقوم برفع تصاريح سياسية، إلى جانب أغانٍ يحبها بشكل خاص.
للإجمال نقول: يشغل الرجل الذي عُرف ببرودته خلال سنواته الطويلة في الجيش، أحد أهم المناصب في إسرائيل – وزير الأمن. وردا على الذين يقولون إنه لا يطرح أي أمل، خصوصا في ما يتعلق بالنزاع مع الفلسطينيين، يقول يعلون: “كُفُّوا عن التحدث عن حل. لنتحدث عن طريق. والطريق هي البناء. لنستثمر في التربية، البنى التحتية، الاستيطان، العلم، والتكنولوجيا. هذا هو الأمل”.