يتحدث العالم في السنة الأخيرة بشكل أقل وأقلّ عن “الربيع العربي” وعن الآمال السياسية التي عُلّقت عليه. وقد حان الوقت الآن للحديث عن الآثار الاقتصادية لهذا الربيع، وخصوصًا في الدول التي جرت أحداثه فيها. إنّ نظرة خاطفة على الحالة الاقتصادية المتدهورة في أعقاب الفساد، هدر الأموال وأداء النظام الديكتاتوري المختل في الدول العربية، تشير إلى تزايد عجز الموازنة في تلك الدول ونموّ معدّلات الفقر والبطالة في مجتمعاتها في السنوات الأخيرة.
أظهر تقرير نشره الموقع الإخباري الألماني DW أنّه في تونس، انخفضت عائدات السياحة والإنتاج الصناعي على ضوء انخفاض معدّل التنمية الاقتصادية في السنوات الثلاث الماضية. رغم حدوث تحسّن ما في السنة الحالية في اقتصاد البلاد، فإنّ القطاعات الرئيسية في البلاد، وعلى رأسها السياحة، تضررت بشكل كبير بالمقارنة مع الفترة التي سبقت أحداث الربيع العربي في البلاد. وتعتمد البلاد حاليًّا على المنح والقروض، بشكل أساسي من صندوق النقد الدولي.
تضرّرت السياحة في مصر أيضًا. فقد انخفضت بنسبة 70%. هرّب الوضع المتقلب في البلاد والثورات المختلفة التي مرّت بها في السنوات الأخيرة الكثير من الاستثمارات الأجنبية وأصبحت البلاد تعتمد بشكل متزايد على المنح والمساعدات المقدّمة من دول الخليج الغنية. وفقًا لموقع “مونيتور”، فقد حدث في الفترة الأخيرة تغيير للأفضل، وإنْ كان بطيئا، في الأوضاع الاقتصادية لمصر، وهي تحاول استخدام مواردها الطبيعية بشكل متزايد وتحسين أعمال السياحة والزراعة وعائدات المرور في قناة السويس.
في ليبيا، من المفترض ألا تكون الحالة أقلّ من شلل اقتصادي تامّ بسبب الفوضى التي تعيشها البلاد، ولكن استمرار استخراج النفط ووجود احتياطات مالية ينجحان في منع الانهيار الاقتصادي التامّ. يشكّل نقص الأموال في البلاد صعوبة على المستوردين الليبيين في استيراد السلع التي تصل إلى الموانئ من مناطق تقع خارج البلاد. نادرا ما تنشط البنوك في البلاد، والسوق السوداء تحتفل.
في اليمن، بشكل مشابه لليبيا، فإنّ الفوضى السياسية تحتفل. فبعد أنّ بدا أنّ البلد الفقير يسير في الطريق الصحيح بعد إسقاط الرئيس علي عبد الله صالح وإطلاق إصلاحات اقتصادية؛ تضخّمت عضلات المتمرّدين الشيعة وسيطروا على أجزاء كبيرة من البلاد. ويضرّ هذا الوضع في الإدارة الاقتصادية للبلاد. بشكل عامّ، تُقدّر الأضرار الاقتصادية التي أدت إليها الاضطرابات في البلاد منذ العام 2011 بنحو 10.5 مليار دولار، أي نحو ثلث الناتج المحلي. وقد ازدادت معدّلات الفقر بشكل كبير.
في سوريا، حيث جرت احتجاجات ضدّ الرئيس بشار الأسد في شهر آذار عام 2011، فقد الاقتصاد في السنوات الثلاثة الأخيرة نحو نصف الناتج المحلي الإجمالي، والذي بلغ نطاقه السنوي نحو 60 مليار دولار قبل اندلاع الأزمة. اضطّر نحو نصف عدد السكان إلى ترك منازلهم وتعاني البلاد من حالة صحّية صعبة. وفقًا لبيانات البنك الدولي، فقد وصل معدّل الفقر في البلاد إلى نحو 75%، حيث إنّ أكثر من نصف عدد السكان يعيش في “فقر مدقع”. ما زالت تعتمد الدولة على قطاعات النفط والزراعة الخاصة بها، ولا يساعد الصراع مع الثوار على تنميتها.
آثار اجتماعية قاسية
إنّ التدهور الاقتصادي في بلدان “الربيع العربي” هو نتيجة مباشرة للقتال والإرهاب والاضطرابات السياسية المستمرّة والتي جمّدت أو دمّرت تمامًا قطاعات الصناعة والخدمات واسعة النطاق وأبعدت أصحاب رؤوس الأموال إلى بلدان أكثر أمنًا. أدّت أحداث “الربيع العربي” إلى اعتماد متزايد على الواردات وإلى ارتفاع في الأسعار بنسبة 25% على الأقلّ، باستثناء المنتجات المدعومة. بالإضافة إلى ذلك، فقد ارتفعت معدّلات البطالة، وخصوصًا في الدول التي تعتمد على السياحة والاستثمارات الأجنبية.
النتيجة المباشرة لكلّ ذلك هي العوز والفقر. في مصر، على سبيل المثال، بلغت معدّلات الفقر نحو 40% من سكان البلاد، وهذا مقابل 25% عام 2011 و 18% عام 2010. أي إنّ المزيد من سكان البلاد يعيشون اليوم تحت خطّ الفقر. ولكن الربيع العربي لم يؤثّر فقط على الدول التي جرى فيها، وإنما على دول أخرى أيضًا، وعلى رأسها لبنان، الأردن والعراق. حتى في دول الخليج حدث تباطؤ في النموّ الاقتصادي وارتفاع في النفقات وضغوط على الميزانيات.
المشكلة الرئيسية هي أنّ دولا كثيرة في العالم العربي، وخصوصًا سوريا، اعتمدت خلال عقود طويلة على قطاعات حسّاسة أمام الأزمات السياسية والأمنية، مثل قطاعي السياحة والعقارات. ويبدو أنّ صانعي القرار قد نسوا أنّ حدثًا أمنيًّا واحدًا قد يؤدّي إلى إيقاف تدفّق السياح والاستثمارات لفترات طويلة.
نُشرت هذه المقالة للمرة الأولى في موقع ميدل نيوز