في مقالة خاصة وضعتها الباحثة غيداء ريناوي زعبي – المديرة العامّة لمركز “إنجاز”، المركز المهني لتطوير الحكم المحلي للسلطات المحلية العربية – تُنشر للمرة الأولى في المعهد الإسرائيلي للسياسة الخارجية الإقليمية، متفيم، تتطرق إلى الطريقة التي ينظر بها الفلسطينيون في إسرائيل إلى الربيع العربي.
والخلاصة الواضحة هي أنّ عرب إسرائيل لم يُبلوروا نظرة موحّدة إزاء ما يحدث في الدول العربية، وأنّ ثمة خوفًا كبيرًا من أن ينقلب الربيع العربي شتاءً عربيًّا. وينبع خوف أكبر من نتائج الثورة التي يمكن أن تطيح بالثوار الشباب الذين استهلّوا عملية التمرّد، ومن عملية إخضاعهم لمصالح الدول الغربية.
وتستعرض زعبي في بداية مقالها التحوّلات الاجتماعية، التاريخية، والسياسية التي يمرّ بها المجتمع الفلسطيني في إسرائيل كخلفية لفهم تعامل أفراده مع ما يحدث في السنوات الثلاث الأخيرة في العالم العربي.
وكما هو معروف، الفلسطينيون في دولة إسرائيل هم أقلية من السكّان الأصليين، تشكّل نحو 20% من سكّان الدولة. وهم يعيشون بشكل أساسيّ في مدن صغيرة وقرى في كل أنحاء البلاد، ولديهم جهاز تربوي خاصّ. ويُعدّ هذا المجتمع شابًّا، ويتواجد في مكانة اجتماعيّة – اقتصاديّة منخفضة. في حرب العام 1948، أضحى معظم أبناء الشعب الفلسطيني لاجئين، سكن بعضهم الضفة الغربية وقطاع غزة، فيما عاش الفلسطينيون الذين بقوا وحصلوا على الجنسية الإسرائيلية تحت حكم عسكري حتى أواخر الستينات.
وتلفت زعبي انتباه القرّاء إلى واقع أنّ “بين الفلسطينيين مواطني إسرائيل ثلاث مجموعات فرعية تتأثر بشكل خاصّ بعوامل خارجية: النساء، الشبان، والقادة. العناصر الرئيسية المؤثِّرة في هذه المجموعات الفرعية الثلاث هي الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، التلفزيون المتّصل بالأقمار الاصطناعية، الأردن كبوّابة للعالم العربي، العولمة، وبالطبع أحداث الربيع العربي”.
النقاش بين الفلسطينيين في إسرائيل حول الربيع العربي حادٌّ جدًّا، ويشمل عددًا من المآزق الأخلاقية، السياسيّة، والاجتماعيّة. وتدّعي زعبي أنه حتى ما قبل اندلاع الثورات، كان بإمكان عرب إسرائيل التفاخر بقدرتهم على قيادة “صراعات جماهيرية ضدّ العنصرية والآراء المسبَقة في دولة إسرائيل، في حين كان الشعب في العالم العربي مقموعًا وسلبيًّا. أمّا الآن، فقد فقدوا هذه الأفضليّة”. وتضيف أيضًا أنه “خلال الثورة في تونس ومصر، تحمّس الناس، وأُفعموا بالإلهام من مجرّد ما حدث… امتلأ الناسُ بالفخر لكوننا عربًا. لم يسأل أحدٌ عمّا سيجري في “اليوم التالي” …”
وفقًا لزعبي، بدأت الصدوع الأولى في الإحساس بالبهجة تتشكل مع اندلاع الثورة العنيفة في ليبيا، التي جرى في نهايتها تنفيذ القتل البشع دون محاكمة بالزعيم القذافي.
كان النقاش أصعب في الشأن السوري، لأنّ التدخل الدولي، الغربي، أو الأمريكي في سوريا يُنظَر إليه بطبيعة الحال بشكل سلبيّ. طُرحت أسئلة حرجة بخصوص العلاقات الطائفية بين السنة والشيعة، رغم عدم وجود شيعة بين مواطني إسرائيل العرب. أسئلة تتعلق بالمسيحية مقابل الإسلام، دور شباب الثورة، وكذلك أسئلة حول أقسام المجتمع المختلفة، مثل دور الأُمّ في الثورات.
وتذكر زعبي في مقالها أنّ الإعلام الفلسطيني في إسرائيل، وهو مرآة للنقاشات الاجتماعية، كان شريكًا في هذا الجدال الحامي، قائلةً: “كانت لصحيفة “كل العرب” أهمية كبرى في ما يتعلق بالربيع العربي. كتبت الصحيفة كثيرًا عن هذا الموضوع، لا سيّما ما يحدث في مصر وسوريا، مشدّدةً على قِيَم الثورة وضرورة الحفاظ على كرامة الإنسان. وكتب في هذا الشأن د. شكري هزال، الذي بيّن المفهوم العقائديّ لمقاومة الحُكم القمعيّ، وحقّ الشعوب في المقاومة، سواءٌ عبر ثورة سلمية أو ثورة مسلّحة”.
وتقتبس زعبي عدّة اقتباسات من هزال الذي كثيرًا ما انتقد وحشيّة الثورات العربية: “من المؤسف ذكرُ أنّ الثورات العربية تبنّت أفعالًا في غاية الوحشية تجاه الطرف الآخر، تمامًا كالأنظمة التي سبقت الثورات، والتي كان المسلّحون الأجيرون من مكوّناتها الأساسية. تسلّلت هذه الوحشية إلى صفوف الثوّار في العالم العربي، ولطختهم بصبغة سلبية. أدّى هذا إلى شكّ المجتمعات العربية حول العالم في مصداقيّة الثورة وموجة الربيع العربي”.
وتورد زعبي مثالًا حيًّا للارتباك وتعدّد الآراء القائم في الشأن السوري: “في 26 آب 2012، نُشر تقرير مفاده أنّ الكاهن السوري فرانسوا أعلن في احتفال تدشين مسجد في كفر كنا أنّ السوريين وسوريا في وضع ممتاز، وأنّ معظم الأنباء التي تبثّها “الجزيرة” وقناة “العربية” عارٍ عن الصحة. لم يردّ الحاضرون (وبينهم كمال خطيب، النائب مسعود غنايم، والشيخ عكرمة صبري) على هذه الأقوال إطلاقًا”.
وحلّلت زعبي آراء ومنشورات رجال الحركة الإسلامية، المقربين من جماعة الإخوان المسلمين في مصر، قائلةً: ” قامت صحيفة الشق الشمالي من الحركة الإسلامية، “صوت الحق والحرية”، التي كثيرًا ما تناولت الربيع العربي، بمهاجمة النظام السوري مرارًا وتكرارًا معتبرةً إيّاه المسؤول الحصريّ عمّا يحدث في سوريا. كذلك، هلّلت الصحيفة لانتخاب محمد مرسي رئيسًا لمصر”.
وتخلُص زعبي في النهاية إلى أنّ ثمّة عددًا من الآراء. فبين عرب إسرائيل، ثمة خشية كبيرة من تدخّل غربي في ما يجري في الدول العربية “يُجهز على كلّ الآمال التي فجّرها الربيع العربي، يزيل الروح الثورية بين الشبّان، ويستبدل الأنظمة الفاسدة بأخرى تابعة وولية للدول الغربية”.