كثيرًا ما يقال إنّه مع مجيء الربيع يزهر الحبّ والعاطفة، أو على الأقلّ الشوق إليهما. نكون في الصيف والشتاء مغلّفين، نحمي أنفسنا ونشغّل المكيّفات داخل الغرف على وضع التدفئة أو التبريد. يمكننا في الربيع فتح النوافذ والخروج إلى البيئة المحيطة، قضاء الوقت، التنزّه، الاندماج مع الطبيعة.
وفقًا لمعظم الناس فإنّ ما يحدث في العالم الطبيعي، فإن عالم الحواسّ، له تأثير على عالمنا الداخلي أيضًا. الداخل والخارج، الجسد والروح تشكل انعكاسًا لبعضها البعض. نحن نسعى جاهدين في الربيع للاندماج ليس فقط مع الطبيعة الخارجية وإنما مع طبيعتنا الداخلية أيضًا. للتواصل مع الآخرين بحميمية، لنحبّ، لنكون محبوبين. يعتبر الربيع رمزًا لليقظة الحبّ ولتوجّهات المغازلة سواء عند الحيوانات أو البشر.
في جزء كبير من حياتنا، وربّما في معظمها، لا نعمل وفقًا لدورات الطبيعة. العمل، الوظيفة، الدراسة، الإدارة والصيانة المستمرة، الامتثال للالتزامات وغيرها، جميعها تُجرى في كلّ فصول العام بغضّ النظر عن أمطار الشتاء أو وهج الحرارة.
في الربيع، مع صعوبة أنماط الحياة، فلا يمكننا أن نبقى لا مبالين أمام الطبيعة، والبيئة الخارجية. الربيع ليس مجرّد نوافذ مفتوحة، دخول الريح، الرائحة والمناخ الخارجي إلى داخل المنزل. الربيع ليس مجرّد رحلات ومخيّمات في الهواء الطلق. كلّ ذلك بطبيعة الحال مبارك وممتع بحدّ ذاته. الربيع هو علاقة بين ما يحدث في الكون الطبيعي وبين العمليات التي تحدث في النفس.
بهذا المفهوم يوقظ الربيع بنا الرغبة للاندماج، للتجدّد، للنمو من جديد. إذا أخذنا ذلك على البُعد الإنساني، فيتجلّى الأمر بزيادة الشهوانية وزيادة الرغبة للحبّ المزدوج والحياة الجنسية.
تستند الطهارة الداخلية على مبدأ التقبّل والصفح: لأنفسنا وللآخرين. دون هذه العملية لا يمكن التجدّد والنموّ، وإنّما يصبح ذلك “لنفس الأمر أيضًا”، روتينًا أو مللا.
في الربيع وفي سائر أيام العام نرغب بالحبّ والتجدّد والتواصل. إنْ كنا نريد التجدّد فعلينا أن نمرّ بتطهير داخلي. الربيع رمز لبداية الدورة السنوية.
يحدث الربيع في الطبيعة بشكل تلقائي وبدورة كونية ثابتة. علينا نحن البشر أن نخرج أنفسنا من العبودية إلى الحرية، من أن نكون مقيّدين لنكون متحرّرين بواسطة العمل الداخلي ومن خلال النيّة والاختيار. لا يحدث الأمر تلقائيًّا لدى البشر. في كلّ جيل وفي كلّ عام علينا أن نخرج أنفسنا من أعماق العبودية.
سيحدث الربيع في النفس فقط إنْ كرّسنا له عملية من الرغبة والاختيار للتجديد وإزهار علاقات الحبّ لدينا، وبعد ذلك نبدأ التغيير من خلال عملية التنقية الداخلية لمشاعرنا تجاه تجارب الماضي ورواسبها “المتناثرة”.
فصل الربيع هو الفصل الأفضل لإزالة السموم والنفايات من الجسم والروح. خذوا ما يكفي من الوقت لإعادة تقويم ما لديكم في الحياة من جديد: حياة الأسرة، الزواج، العزوبية، الأبوة، الهدوء أو الضغط. وتذكّروا لا شيء مفهوم ضمنًا. هناك عادات “ليست جيّدة” قد تكون مفيدة جدًا في فتح طريق جديد: حاولوا أن تصنعوا السلام مع الأصدقاء القدامى الذين تخاصمتم معهم، اغفروا لأولئك الذين آذوكم، غيّروا قائمة الطعام الغنية بالسعرات الحرارية أو الدهون التي اعتدتم على تناولها، اعتمدوا أسلوب حياة رياضي وجرّبوا تجارب جديدة يمكنها أن تثري روتينكم اليومي.