أعلنت هيلاري كيلنتون رسميا ترشيحها للرئاسة الاميركية لسنة 2016 في ثاني محاولة للفوز بالرئاسة ولكي تصبح اول امرأة تتولى هذا المنصب في حال الفوز.
وقالت كلينتون في فيديو نشره موقعها “انا مرشحة للرئاسة” مؤكدة هذا الاعلان المرتقب منذ عدة اشهر. وهي الاوفر حظا في استطلاعات الرأي ويأتي ترشح زوجة الرئيس السابق بيل كلينتون بعد ان شغلت سابقا منصب وزيرة الخارجية.
وأظهر استطلاع أُجري في الصيف الأخير بين مؤيدي الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة أن 83% منهم سعداء بإمكانية أن تكون هيلاري رودهام كلينتون مرشحة حزبهم للانتخابات القادمة في عام 2016.
بعد ثمان سنوات في البيت الأبيض كزوجة للرئيس بيل كلينتون وبعد ثمان سنوات إضافية بصفتها سناتور عن ولاية نيويورك وأربع سنوات قضتها كوزيرة للخارجية الأمريكية، من الصعب على المرء أن يجد شخصية أُخرى في الولايات المتحدة – ديمقراطية أو جمهورية – تتمتع بخبرة كبيرة جدًا مثلها بالسياسة الأمريكية.
إنما بعد ثمان سنوات من حكم الرئيس أوباما، ربما لن يرغب الجمهور الأمريكي بشكل عام أن يسمع عن وجود ديمقراطي آخر في البيت الأبيض، وسيعطون الفرصة لأعضاء الحزب الجمهوري. يمكن أن نرى دليلاً على هذا في انتخابات الكونغرس التي جرت في عام 2014، والتي تلقى فيها الديمقراطيون هزيمة كبيرة تشير إلى عدم رضا الجمهور من رئاسة أوباما.
السيدة رودهام، السيدة كلينتون
الغريب بالأمر أن هيلاري رودهام كانت في طفولتها وشبابها مناصرة للجمهوريين. كان والداها محافظين متزمتين، وحتى أنها شغلت منصب رئيسة كتلة الجمهوريين في الجامعة التي درست فيها. لكنها انكشفت خلال دراستها على الأفكار الليبرالية، وكلما مر الوقت كانت تنسجم أكثر فأكثر مع فكر الديمقراطيين. أنهت دراستها الجامعية بتفوق.
ومن هناك تابعت لدراسة المحاماة في جامعة ييل، وهناك تعرفت على بيل كلينتون. تزوج الاثنان عام 1975، ولكن هيلاري احتفظت باسم عائلتها الأول – رودهام. عندما تم انتخاب كلينتون ليشغل منصب حاكم أركنسو عام 1978 (كان أصغر حاكم ولاية في تاريخ الولايات المتحدة)، لم يرق للكثيرين من السياسيين في الولاية الصغيرة والمحافظة في الولايات المتحدة تصرف زوجة الحاكم لأنها لم تكن مستعدة لأن تحمل اسم عائلته.
نسوية هيلاري كانت سابقة لعصرها. ما عدا كونها زوجة الحاكم، كانت ترى بأنها محامية ناجحة، وسياسية أيضا بحد ذاتها. هذا هو الطابع الذي ميز كلينتون في سنوات السبعينيات، وهذا هو الأسلوب الذي ميزها كزوجة رئيس الولايات المتحدة، وذلك ما أهلها لتكون سناتور، وزيرة وربما رئيسة. إلا أن كلينتون اضطرت، في الثمانينيات، ووافقت على أن تحمل اسم عائلة كلينتون.
“اثنان بسعر واحد“
أيضًا خلال سباق كلينتون الرئاسي عام 1992 بدت هيلاري كنموذج آخر كزوجة رئيس، نموذج لم تشهد السياسة الأمريكية مثيلاً له حينها. لم تكن إنسانه تكتفي بالحفلات الخيرية والخطابات الخاوية عن أهمية التعليم، بل كانت زوجة تتدخل بالشؤون السياسية الأمريكية.
أحسن بيل كلينتون وصف ذلك الأمر أكثر من أي شخص آخر عندما قال إن من سينتخبه سيحصل على “اثنان بسعر واحد” – والتزم بكلمته عندما قام بتعيين زوجته رئيسة للبرنامج الوطني لإصلاح النظام الصحي الأمريكي.
كانت تلك خطوة غير مسبوقة أظهرت أن دور زوجة الرئيس هو دورٌ سياسي بكل معنى الكلمة. ولكن هيلاري كانت تفتقد للخبرة في هذا المجال وفشل برنامج الإصلاح الذي وضعته، وتم دفنه تمامًا عام 1994. بالمقابل، تلك كانت أول محاولة لها في السياسة الوطنية، ومنذ ذلك الحين وحتى اليوم هي موجودة في الصفوف الأولى في السياسة الأمريكية.
المشاكل الأُسرية
لم يجعل انتخاب بيل كلينتون، عام 1992 رئيسًا للولايات المتحدة، هيلاري “السيدة الأولى” في الولايات المتحدة فقط، بل ذلك أيضًا أظهر إلى الواجهة بعض التفاصيل المحرجة المتعلقة بالحياة الزوجية للزوجين كلينتون. تحولت الأمور، التي كانت حتى ذلك الحين هي مشاكل تخص فقط بيل وهيلاري، إلى أمور يهتم بها كل العالم.
ادعت عام 1992، قبل الانتخابات الرئاسية، عارضة التعري جنيفر فلاورز أنها كانت عشيقة الرئيس الأمريكي. كلينتون، الذي اعترف بعد سنوات بأنه أقام علاقة جنسية مع فلاورز، اعترف بأنه هو وهيلاري عانيا “صعوبات كثيرة في زواجهما”. قرار هيلاري بأن تقف إلى جانب زوجها والظهور معه، بينما كانت تُمسك يده، كان يُعتبر من الأمور التي أنقذت شخصية وهيبة الزوجين وأوصلهما إلى البيت الأبيض.
ولكن قضية فلاورز كانت بسيطة مقارنة بالعلاقة الغرامية التي كانت تجمع كلينتون بمونيكا لوينسكي، المتدربة الشابة التي عملت في البيت الأبيض أثناء كونه رئيسَا. قال كلينتون، بعد كشف وسائل الإعلام لهذه القضية عام 1998، أشهر جملة له نطق بها خلال فترة ولايته كرئيس للولايات المتحدة وهي: “لم أمارس الجنس مع هذه المرأة”.
صرحت هيلاري لاحقًا بأنها أدركت أن كلينتون كذب عليها بخصوص علاقته بلوينسكي. كانت مقتنعة ببراءة زوجها وبأن ذلك الأمر لا يتعدى كونه مؤامرة سياسية حيكت ضده.
“غضبت كثيرًا، وكان غضبي يزيد أكثر فأكثر. كنت مكسورة القلب وغضبت من نفسي لأنني صدقته أصلا”
ولاحقًا، حسب كلامها، في صباح 15 آب عام 1998 كشف لها حقيقة علاقته بتلك المتدربة. “بالكاد استطعت التنفس. وأثناء محاولتي أخذ أنفاسي، بدأت بالبكاء والصراخ بوجهه، ماذا تقصد؟ لماذا كذبت علي؟ غضبت كثيرًا، وكان غضبي يزيد أكثر فأكثر. كنت مكسورة القلب وغضبت من نفسي لأنني صدقته أصلا”.
وبين هذا وذاك، توصل كلينتون إلى اتفاق دفع بموجبه 850 ألف دولار لباولا جونس، التي ادعت أن كلينتون تحرش بها جنسيًا، وذلك رغم ادعائه بأنه لم تكن هناك علاقة جنسية بينهما أبدًا. تلك الحادثة لم تبعث الراحة في قلب هيلاري كلينتون.
قرارات صعبة
كانت نهاية ولاية بيل كلينتون كرئيس هي بداية حياة هيلاري المهنية المستقلة. بدأ ذلك في انتخابات العام 2000 عندما تم انتخابها لمجلس الشيوخ الأمريكي كممثلة عن ولاية نيويورك. وقعت أحداث 11 أيلول عام 2001 بعد أشهر قليلة من بدء شغلها للمنصب، واستثمرت كل جهودها واهتمامها بالاهتمام بأضرار التفجيرات. لاحقًا عبّرت عن دعمها الكبير لاجتياح القوات الأمريكية لأفغانستان، ودعم معيّن أيضًا فيما يخص الاجتياح الأمريكي للعراق، الأمر الذي عرَّضها للانتقادات.
أعلنت عام 2006 عن نيتها الترشح للرئاسة الأمريكية، وبهذا تكون أول امرأة تشغل هذا المنصب. بدا أن هذا المنصب مؤكد لها، وتنبأت كل الاستطلاعات أن تكون هيلاري بالفعل هي أول رئيسة. لكنها لم تأخذ بالحسبان النجاح الهائل لباراك أوباما صاحب الشخصية الجذابة، الذي فاز بالنهاية بترشيح الحزب الديمقراطي له وهزم في انتخابات عام 2008 جون ماكين. اضطرت هيلاري للاكتفاء بـ “جائزة ترضية” – تعيينها وزيرة خارجية للولايات المتحدة.
قال باراك أوباما: “سيذكر التاريخ أن هيلاري كانت من أفضل وزراء خارجيتنا”
قال باراك أوباما عام 2013، بمناسبة نهاية شغل هيلاري للمنصب: “سيذكر التاريخ أن هيلاري كانت من أفضل وزراء خارجيتنا”. ولكن العلاقات بين الاثنين كانت دائمًا متوترة وخاصة في الفترة التي تنافس فيها الاثنان على رئاسة الحزب. كانت سنوات كلينتون الأربع عاصفة جدًا وتلقت انتقادات لم تشهد مثيلاً لها من قبل أبدًا.
الشرق الأوسط الذي بدأت الأمور فيه تتفجر خلال ولاية كلينتون كوزيرة للخارجية، كان بمثابة تحدٍ صعب جدًا للسياسة الخارجية الأمريكية. اضطرت لقبول الكثير من التنازلات بخصوص طريقة التعامل مع مصر بعد إسقاط مبارك، مع سوريا النازفة، مع قتال القبائل في ليبيا وفيما يخص الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني الذي لا ينتهي.
تطرقت هيلاري في كتابها “قرارات صعبة” الذي نشرته مؤخرًا، لمطالبات الإدارة الأمريكية من الحكومة الإسرائيلية والمتعلقة بتجميد الاستيطان وذكرت أن ذلك الاصطفاف إلى جانب الفلسطينيين كان خطأ. تذكر كلينتون في كتابها أن الجمود السياسي سببه الإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء. إلا أنه ذكرت أن عباس استهان بمسألة تجميد البناء الجزئي، لمدة 10 أشهر، التي تحدث عنها نتنياهو عام 2009 ولكن عندما أوشكت المهلة على الانتهاء طالب بتجميد آخر.
يبدو، على ضوء ترشح كلينتون ثانية لنيل منصب رئيسة أقوى دولة في العالم، أن الإسرائيليين هم أولئك الذين سيستفيدون من موقفها بخصوص الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
يمكننا أن نرى ذلك في ردود فعلها بخصوص الحرب على غزة، حيث قالت: “غريب أن هناك أكثر من 170 ألف قتيل في سوريا، وهنالك روسيا، التي ضمت وتحتل جزءًا من دولة مستقلة وعضو في الأمم المتحدة والتي ساعدت انفصاليين أسقطوا طائرة مدنية، ولا زالت هناك ردة فعل دولية قوية ضد حق إسرائيل بحماية نفسها والطريقة التي تفعل فيها ذلك. فعلت إسرائيل ما كان عليها فعله ردًا على إطلاق الصواريخ ضدها. لإسرائيل الحق بالدفاع عن نفسها. حولت الإجراءات التي اتخذتها حركة حماس – إطلاق الصواريخ، بناء منشآت قيادة وسيطرة والتسلل من الأنفاق إلى مناطق مدنية – رد إسرائيل إلى رد عنيف”.