لقد زادت تداعيات الحرب السورية على استقرار لبنان من قلق المجتمع الدرزي. مع استعار نار الفتنة الطائفية، حاول الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط تخفيف واحتواء التوتر الذي نشب مؤخراً بين الدروز والسنة. ويدرك جنبلاط أن خطوته هذه من شأنها أن تساعد أبناء طائفته السوريين، لاسيما في جنوب سوريا، حيث تحرز الجماعات السنية المتطرفة، كـ”جبهة النصرة” التابعة لتنظيم “القاعدة،” تقدمًا وباتت تشكل تهديدًا على المجتمعات الدرزية في تلك المنطقة.
في الواقع، مخاوف وليد جنبلاط نابعة من حدثين غير مسبوقين في المجتمعين الدرزيين السوري واللبناني في شهر أغسطس الماضي. فللمرة الأولى منذ 2011، حصلت مواجهة قصيرة في أغسطس 16 بين الدروز السوريين وبدو سنة مسلحين، يُقال إنهم كانوا مدعومين من “جبهة النصرة” في الجنوب حيث تسيطر هذه الأخيرة إلى جانب فصائل إسلامية قتالية أخرى على مدينة القنيطرة وعلى المعبر الحدودي بين سوريا وإسرائيل.
وبعد أسبوعين على تلك الحادثة، هاجم سكان قرية عين عطا الدرزية-اللبنانية والقريبة من الحدود السورية حافلة ركاب اشتُبهت بنقلها مقاتلين سوريين متطرفين. فتدخل القادة الدروز اللبنانيون سريعاً قبل أن يزداد الوضع سوءًا علمًا أن العواقب كان من شأنها أن تكون وخيمة ليس فقط على دروز لبنان بل أيضاً على الدروز في جنوب سوريا، حيث تقع محافظة السويداء الدرزية التي لا تزال تُعتبر من معاقل نظام الرئيس السوري بشار الأسد ولا يرجَّح أن تسقط في أيدي الجهاديين السنّة.
في أواخر شهر سبتمبر وبعد حادثة عين عطا، زار الزعيم الدرزي جنبلاط عددًا من القرى السنية والمسيحية والدرزية في لبنان، لاسيما تلك المجاورة للحدود السورية كعين عطا وشبعا. وركز على أهميّة الوحدة بين كافة عناصر النسيج اللبناني بغض النظر عن الانتماء الطائفي أو السياسي. كما أنه سلّط الضوء على ضرورة تجنب المواجهات مع المليون لاجئ سوري الموزعين في كافة أنحاء لبنان.
تجدر الإشارة إلى أن عين عطا تقع على تلة قريبة من جبل الشيخ الاستراتيجي الممتد بين لبنان وسوريا وإسرائيل. ويقع على السفح الشرقي للجبل عددا من القرى السورية الدرزية، كقلعة جندل وخضر ومغر المير وعرنة، وقد شهدت هذه القرى مواجهات بين قوات النظام ومجموعات الثوار، من بينها “جبهة النصرة،” بالإضافة إلى عمليات خطف. ومع أن “الجيش السوري الحر” نشر شريطًا مصورًا يطمئن الدروز في مغر المير إلى أنه يحميهم، يقال إن “جبهة النصرة” اختطفت بعض الشباب الدروز من القرية.
وقد أتت زيارة وليد جنبلاط إلى بلدة شبعا اللبنانية ذات الأكثرية السنية في وقت ملائم. فالوضع هناك حساس جدًّا لاسيما وأن البلدة استقبلت عددًا هائلاً من اللاجئين السوريين، كما إنها مجاورة لقرى درزية كحاصبيا. ويقال إن حافلة الركاب التي هاجمها السكان الدروز في عين عطا كانت قادمة من شبعا ومتوجهة إلى سهل البقاع في لبنان حيث دارت معارك بين مقاتلين متطرفين من سوريا والجيش اللبناني، وبشكل خاص في جرود بلدة عرسال الحدودية وذات الغالبية السنية. وأثار ذلك الحدث أسئلة حول إمكانية قيام المتطرفون السوريون بزعزعة الوضع في شبعا كما حصل في عرسال. ويدرك جنبلاط إمكانية عودة الفتنة الطائفية من جراء عدّة أزمات في لبنان من بينها أزمة المخطوفين في عرسال حيث اختطف مقاتلون من تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” و”جبهة النصرة” عددًا من الجنود اللبنانيين (سبعة منهم دروز). وتُعتبر الزيارة إلى شبعا خطوة لتجنب أن تصبح هذه القرية السنية “عرسال ثانية.”
وعلى الأغلب، يتفق وليد جنبلاط مع القادة الدروز الآخرين بمن فيهم خصمه السياسي طلال إرسلان. فهم يدركون أنهم كأقلية في لبنان كما في سوريا لا يمكنهم أن ينجروا أكثر إلى الحرب الأهلية السورية أو الفتنة الطائفية في لبنان. فكل ما يمكن للدروز فعله الآن هو تجاوز أزمتهم بشكل براغماتي. وقال جنبلاط في هذا السياق مؤخرًا إن “مسؤوليتنا تقضي بحماية الجيش والمؤسسات الحكومية كما يجب أن نضع خلافاتنا السياسية جانبًا لحماية لبنان.” موقفه هذا يذكّرنا بالشعار الذي كان يردّده المعارضون الدروز في المظاهرات قبل ان تخفت الثورة: “سوريا واحدة”.
وبما أنه لا يمكن للدروز السوريين الاعتماد على أي قوة خارجية لحمايتهم، فهم لا يزالون يتمسكون بنظام الأسد. فبالنسبة لهم، هناك أمر واضح جدّاً: لا يمكنهم أن يكونوا مع الطرف الخاسر في الحرب الأهلية الدموية في سوريا.
نشر هذا المقال لأول مرة على موقع “منتدى فكرة”