يسبب التعبير “حمية غذائية”، بحد ذاته، الارتباك لدى الكثيرين. يكفي التفكير بأنه يجب التخلي عن الأطعمة والحلويات أو التقليل من تناولها، من أجل الشعور بالجوع ونشوء الدافع الفوري للأكل قبل أن يصبح ذلك ممنوعًا. تتعدى حرب الحفاظ على الوزن الفوارق الجندرية، الجنسية أو العمرية. تنشأ في كل عام موضات حديثة من الحميات الغذائية وتكون أكثر أو أقل نجاحًا، طرق التجويع، التغذية البديلة، التغذية المدمجة بنشاط رياضي، وغيرها. والسؤال الذي يتم طرحه، هل تساعد الحمية الغذائية على تخفيف الوزن أو الحفاظ عليه؟ يبدو أن الأمر ليس كذلك تمامًا.
تثبت الأبحاث الدولية مرة تلو الأخرى أن 95% من الأشخاص الذين يتَّبعون حمية يصبحون بدناءً مجددًا، غير أن لا أحد يتنازل عن حلم النحافة.
إن أحد الأسباب الرئيسية للارتفاع في الوزن بعد عملية خسارته، هي الحمية الغذائية نفسها، أي نقصان السعرات الحرارية، التقييد والامتناع. بالنسبة لمعظم الناس، الحمية الغذائية هي تجاهل الإشارات الداخلية للجوع والشبع وأكل كميات أقل من تلك التي يطلبها الجسم. نظرًا لأن الأمر كذلك، تنتهي كل حمية تقريبًا بنوبات شره، بفقدان السيطرة على تناول الأكل وبالانشغال الحصري المكثف بالطعام وسلوكيات تناوله. ولذلك، على الأمد البعيد، تساهم الحمية نفسها في كثير من المرات بالسمنة.
حتى سنوات الـ 2000، هيّمنت الحميات التي كانت ترتكز على تقييد السعرات الحرارية في اليوم، توجيهات التغذية، وقوائم التغذية. لكن في العقد الأخير تنكر التعبير “حمية غذائية” على هيئة الكلمات “تغيير نمط الحياة” – الرسالة التي تقود الحرب ضد السمنة في يومنا هذا. يشمل هذا التغيير معلومات متعلقة بالتغذية حول البدائل الغذائية – بما معناه، إمكانيات تغذية من مجموعات الغذاء المختلفة وفق كميات محددة وعدد سعرات حرارية (على سبيل المثال، في مجموعة الكربوهيدرات – الخبز، المعكرونة، أو الأرز)، التركيز على جداول القيمة الغذائية (على سبيل المثال، عدد السعرات الحرارية، نسب الدهون، الأحماض الدهنية، والبروتين)، الدعم الاجتماعي – العائلي، تشجيع النشاط الجسماني لتحسين الحالة الصحية وللحفاظ على وزن ثابت، والتقنيات لتغيير السلوك، التي تقترح أساليب سلوكية للتقليل من استهلاك الغذاء المرغوب والإرشادات لإلغاء أو تحديد الأغذية المصنفة على أنها ليست صحية وتسبب السمنة. أي أنه قد تم التركيز في الماضي على الحمية العادية التي تهتم بحساب السعرات الحرارية، وعندما تم الإدراك بأن ذلك غير مُجْدٍ، تمت موازنتها وجعلها “وديّة للمستخدم”.
هنالك توجه آخر يحاول التأقلم مع فشل الحمية، وهو الـ “Non Diet” – النحافة من دون الحمية. يفترض هذا التوجه أن النقص والامتناع يؤديان إلى نوبات شره، خوف وتأنيب ضمير، ويضران بالتغذية. إنه يستخدم أدوات علاجية، كالعلاج السلوكي – الإدراكي، والتدريب الذاتي، من أجل مساعدة الأشخاص على التأقلم مع التغذية الشعورية والتشوهات الإدراكية تجاه الطعام والتغذية، الناتجة عن الحمية، والتقدير المنخفض للذات. يُعلم إلى الإصغاء للجوع والشبع، والتقبل الذاتي من دافع الأمل أنه يمكن أن يقود إلى تخفيض الوزن. لكن حتى أن هذا التوجه، في معظم الحالات، لا يؤدي إلى فقدان الوزن المنشود، والحفاظ عليه دائمًا.
من المهم معرفة أن الجسم الذي يستهلك غذاءً أقل مما هو معتاد عليه، ليس مهمًا بأية طريقة يتم القيام بذلك، يقاوم بشكل عام النقص الغذائي عن طريق عدد من التكتيكيات المعقّدة، مثل التغييرات الهورمونية، انخفاض مستوى الشبع، ارتفاع الجوع، وانخفاض استغلال الطاقة.
يتم تحديد وزن الجسم لدى كل إنسان جزئيًّا عن طريق صفة وراثية في الوطاء – وهي منطقة في الدماغ الأمامي مسؤولة من بين أمور أخرى عن ضبط العمليات الأيضية. تحدد هذه الميزة نقطة التوازن (set point) لدى الإنسان – جهاز ترقب يتحكم باستهلاك الغذاء واستغلال الطاقة. حيث أن وزن وبنية الجسم – الدهنيات، البروتينات والسوائل – تبقى غالبًا متزنة وثابتة خلال حياة الإنسان البالغ. إن تخطي نقطة التوازن هذه، التي لا تعكس بالضرورة الوزن المثالي كما هو مُعرَّفٌ في مؤشرات BMI (مؤشر كتلة الجسم)، ينشط أجهزة الموازنة في الجهاز العصبي المركزي، التي تنشّط الشبع أو تبادل المواد بهدف الحفاظ على الوزن ثابت. من السهل اجتياز نقطة التوازن، غير أن الهبوط في الوزن هو صعب.
في مقال تم نشره في شهر كانون الأول من عام 2013 في مجلة American Journal of Public Health، يشير الباحثون إلى أنه على الرغم من الاهتمام المكرس للسمنة الزائدة، والأمراض المزمنة الناتجة عنها، والتي تشكل مشكلة صحية مركزية، فقد تم إحراز تقدم ضئيل في علاجها أو منعها. ذلك لأنه لم يتم إثبات نجاعة علاج السمنة، المكوّن في غالبيته من الحمية، وتدعو الحاجة إلى استراتيجيات جديدة لعلاج السمنة، التي لا تركّز على الوزن، وإنما على التغذية السليمة والنشاط الحركي.
لقد تم الإعلان عن فشل الحمية الغذائية منذ عام 1951، في بحث رائد في مجال “The Biology of Human Starvation”، التابع لجامعة مينيسوتا. لقد فحص البحث 36 رجلا معافى، الذين استهلكوا خلال الأشهر الثلاثة الأولى من التجربة 3,492 سعرة حرارية يوميًا، وتم خفضها بعد ذلك بـ 50%. صحيح أن المشاركين في البحث فقدوا ربع وزن جسمهم، إلا أن تبادل المواد في أجسامهم انخفض بنسبة 40%، وتغيّرت سلوكيات التغذية لديهم تمامًا. كان من بينهم من تطور لديه النهام العصبي، وآخرون ممن أصيبوا بنوبات شره، واختار البعض فيما بعد مهنًا ذات صلة بالطهي. لقد استنتج الباحثون أن الحمية لا تثير نوبات نهم وانشغال إدراكي زائد بالطعام فحسب، وإنما لا يستطيع الجسم بعدها الحفاظ على الوزن الجديد ويسعى للعودة إلى الوزن الأوَّليِّ.
تخلو معظم إرشادات فقدان الوزن في هذه الأيام من المحتوى والكيفية، ولا تلتفت إلى حقيقة أن الجسم الذي يتبع حمية يواجه صعوبة بفقدان الوزن بعد ذلك. الحمية بمنظور التفكير التقليدي عبارة عن الدمج ما بين عدد سعرات حرارية مخفَّض، قوة الإرادة، الإصرار، والنشاط الجسماني. لكنَّ النتائج تبيّن أنه من الصعب جدًا فقدان الوزن والحفاظ عليه، والمحاولات المتكررة للقيام بذلك تساهم فقط في السمنة.
تشير الأبحاث إلى أن الأشخاص الذين ينجحون في تخفيف الوزن والحفاظ عليه لفترة طويلة نسبيًّا، استخدموا تحديدًا تقنيات السيطرة الذاتية من أجل الامتناع بشكل قاطع عن أغذية معينة، إضافة إلى نشاط رياضي متوازن ومراقَب.