من دون الحصول على دعم ألمانيا، وهي الدولة المركزية في الاتحاد الأوروبي حاليا، ليس هناك احتمال لقبول تركيا في النادي الأوروبي، الذي تطرق بابه منذ 50 عاما.
ليست ألمانيا وحدها ترفض ذلك. تُظهر الإحصائيات الدورية، أن الشعب الأوربي ليس متحمسا لقبول تركيا. وأظهر استطلاع إحصائي تم نشره اليوم أنه في ألمانيا، فرنسا وبريطانيا نسبة المستطلعين الذين يرون أن عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي هي أمر إيجابي يستقر عند نسبة 15 ـ 18 بالمئة فقط. وفي غالبية الدول الأوروبية الأخرى، وضع تركيا ليس بأفضل أبدا.
في تركيا يقرأون الخارطة بشكل جيد. حلم الانضمام إلى أوروبا يتلاشى، وذلك الأمر صار يعبّر عنه في خطابات زعماء الحكم في تركيا. ربما كانت تركيا مرشحة رسميا إلى الانضمام إلى لاتحاد الأوروبي منذ عام 1999، ولكنها وطوال أعوام ترى كيف أن دولة تلو الأخرى – بما فيها دول من الاتحاد السوفيتي سابقا – تُقبل عضويتها في النادي الأوروبي، بينما لا تزال هي في “قاعة الانتظار”.
على الرغم من الالتزام الرسمي التركي بمتابعة المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي، بين الحين والآخر، يوجه رئيس وزراء تركيا، أردوغان، نقدا لطريقة تعامل الأوروبيين مع بلاده. النفاق وعدم الصدق هما الانتقادان الشائعان في تركيا تجاه أوروبا. حتى أنه في شهر أيلول 2013 صرح الوزير التركي لشؤون الاتحاد الأوروبي، أجمن باغيش، أنه يعتقد أن تركيا لن تنضم إلى الاتحاد الأوروبي، وبالنهاية ستكون في وضع شبيه بدولة النرويج – دولة تتمتع بمعايير الاتحاد الأوروبي ولكنها خارجه.
على ضوء الأزمة الاقتصادية الأوروبية والازدهار التركي في السنوات الأخيرة، لم يعد الأتراك واثقون ما إذا كانوا بحاجة إلى أوروبا أم أن أوروبا هي التي بحاجة لهم. في استطلاعات رأي الجمهور التي نشرت هذا الشهر، وُجد أنه أكثر بقليل من 40 بالمئة من الأتراك يدعمون الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، بينما كانت النسبة 70 بالمئة قبل عقد من الزمن.
هذه المسألة بدأت قبل 50 عاما. في شهر أيلول 1963، حين كانت الجماعة الأوروبية لا يتعدى عددها الست دول، تم توقيع أول اتفاق بينها وبين تركيا. كان ذلك اتفاقا اقتصاديا، والذي تضمن أيضا ذكر إمكانية عضوية تركيا مستقبلا في النادي الأوروبي. الأتراك تعاملوا مع ذلك على أنه تعهد، بينما رأى الأوروبيون ذلك على أنه بمثابة تصريح تفاهمات عامة وغير ملزم.
على مر السنوات، تحوّلت الجماعة الأوروبية إلى الاتحاد الأوروبي، وتوسعت من ست دول إلى ثمان وعشرين دولة. طوال تلك السنين، تقدمت العلاقات التركية الأوربية تقدما بطيئا جدا، أدت بين الحين والآخر إلى توقيع اتفاقية هنا وأخرى هناك، ولكن من دون تقدم ملموس. على طول السنين كانت تركيا دولة ضعيفة وغير مستقرة، بوجود أزمات اقتصادية وانقلابات عسكرية، وكانت بهذا بعيدة عن المعايير الأوروبية. ولكن لا شك أن السبب الرئيسي للاعتراض الأوروبي هو الخشية من انضمام دولة مسلمة، وثاني أكبر دولة من حيث عدد السكان في أوروبا.
الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي يعتبر وعلى مر السنين مشروعا قوميا يحتل أهمية عليا، والثاني من حيث أهميته بعد إقامة الجمهورية التركية عام 1923. ما عدا الأسباب الموضوعية في الموضوع، الأمر متعلق أيضا بمسألة الهوية. فبالنسبة للأتراك، انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي هو استكمال لما بدأه أتاتورك، مؤسس الجمهورية، وهو ربط تركيا بالعالم الغربي، وبالحداثة والتقدم.
الحكومات التركية التي أخذت بنهج أتاتورك وكانت مخلصة لمبادئه، لم تستطع أبدا دفع العلاقة مع الأوروبيين دفعا جديا. تركيا الكمالية (التي تتبنى مبادئ أتاتورك) ربما كانت علمانية، ولكنها كانت بعيدة جدا عن معايير الديموقراطية الأوروبية. التدخل السافر للجيش في السياسة ومشاكل كبيرة تتعلق بحقوق الإنسان (خاصة فيما يتعلق بالأكراد) جعلت تركيا في الخلف.
أردوغان حقق التغيير. بعد صعود حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم عام 2002، وضع الحزب مسألة تقدم العلاقات الأوروبية التركية على رأس سلم اهتماماته. أدخلت حكومة أردوغان العديد من الإصلاحات الشاملة التي حسنت وبشكل كبير الديموقراطية في تركيا. تلك الإصلاحات ساعدت أردوغان على تأسيس حكمه وأيضا أوصلت العلاقات التركية مع الاتحاد الأوروبي إلى ذروتها – القرار الأوروبي عام 2004 بخصوص بدء مفاوضات مع تركيا بشأن انضمامها إلى الاتحاد.
ذلك القرار أثار البهجة في تركيا وكان يُعتبر في ذلك الوقت أن تركيا اجتازت نقطة اللا عودة بطريقها إلى الاتحاد الأوروبي. في التاريخ الأوروبي، كل دولة مؤهلة وتم بدء مفاوضات كهذه معها، انضمت أخيرا إلى الاتحاد الأوروبي، حتى وإن استمر الأمر بضع سنين. في أوروبا رأوا الأمور بشكل مختلف، وأكدوا للأتراك أن المفاوضات مفتوحة وأن قرار انضمام تركيا هو إمكانية واحدة من بين عدة إمكانيات.
المفاوضات مكونة من ثلاثة وثلاثين فصلا، وفي كل فصل منها يجب على تركيا أن تلائم نفسها للمعايير الأوروبية. بعد ثماني سنوات من المداولات ـ اكتمل التفاوض على فصل واحد فقط، المتعلق بالعلم والأبحاث. وبخصوص العديد من الفصول فإن التباحث فيها لم يبدأ بعد، وهذا نظرا للخلاف المستمر بين تركيا وقبرص، التي هي عضو في الاتحاد. لا زالت الطريق طويلة جدا.
إضافة إلى المماطلة الأوروبية. الأتراك أيضا فقدوا الحافز للتقدم. عملية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي تحدد أنه في حال استكمال كل فصول المفاوضات، سيكون على كل دولة في الاتحاد الأوروبي الموافقة على انضمام تركيا. الموافقة بالإجماع من الدول الثماني والعشرين الأعضاء، تجيز انضمامها فقط. فرنسا والنمسا أعلنتا عن نيتهما إجراء استفتاء حول المسألة، وعلى ضوء آراء المواطنين هناك – يدرك الأتراك أن الاحتمالات ضئيلة جدا.
إيقاع الإصلاحات التي بدأها أردوغان تراجع بشكل كبير. السياسة الخارجية التركية اتجهت للتركيز على مناطق نشاط أخرى وبدائل عن أوروبا. النقد التركي تجاه أوروبا آخذ بالازدياد. الديناميكية بين تركيا والاتحاد الأوروبي أصبحت أكثر سلبية. تشعر تركيا بالإهانة من التعامل الأوروبي تجاهها. وصلت العلاقات إلى مرحلة سيئة جدا خلال الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في تركيا هذا العام. النقد الأوروبي بخصوص الاستخدام المفرط للقوة من قبل السلطات التركية أدى إلى ردود فعل صارمة من قبل الحكومة التركية ضد أوروبا.
“تركيا ليست جمهورية موز” كتب الوزير باغيش لزملائه في أوروبا في حزيران 2013، بينما كان يوجه انتقاداته لهم على تصريحاتهم المتعلقة بالاحتجاجات في إسطنبول. تركيا لديها أقوى حكومة في كل أوروبا وهي القائد الأكثر تأثيرا في العالم ولا تزال ملتزمة بمسار الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، حسب ادعائه. أوروبا أيضا صرحت أنه رغم الانتقادات ضد تركيا، فإنها ملتزمة بمتابعة المفاوضات المتعلقة بانضمام تركيا أيضا.
بعيدا عن هذه التصريحات، يدرك الطرفان أن العملية لن تؤدي إلى أي نتيجة. لا يريد أي طرف أن يكون هو من يكسر الأدوات. وربما، يبدو أن تلك العملية المتثاقلة أصبحت تحدث ضررا أكثر من النفع بما يخص العلاقات التركية الأوروبية. ربما يكون المطلوب لإخراج الدولاب من الوحل هو إعادة وضع تعريف جديد للهدف من كل العملية.
انتخاب ميركل لولاية جديدة ربما يشكل فرصة أمام تركيا للتفكير بجدية بنماذج بديلة للعضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي تدعمه ألمانيا. ليس على تركيا أن تهمل حلم الانضمام، إنما يمكنها أن تعمل على المدى القصير لكي تحقق أهدافا أكثر واقعية . في الماضي، رفضت تركيا النماذج البديلة تماما. واليوم، مع مرور 50 عاما على العلاقات التركية الأوروبية، يبدو أن هناك مكان للتفكير بهذا من جديد.