أقرّ وأعترف أن قضية الصلع قريبة إلى قلبي، أو ربما أقرب إلى رأسي. الصلع هو أحد أكبر الكوابيس لدى الرجال. في السنوات الأخيرة، تشهد الدراسات على تفشي الظاهرة وإصابة عدد أكبر من الناس بالصلع كل سنة. بما أنني أصلع، قررتُ بحث مسألة الصلع لدى الرجال، حتى أفهم لماذا يحدث؟، ما هي الآثار النفسية للظاهرة، المظهر الاجتماعي، الصعوبات الأنثروبولوجيا، ولأفهم هل يمكن حقا إيقاف هذه العملية. أثناء البحث، اكتشفتُ معلومات مثيرة للاهتمام عن الظاهرة الأكثر إخافة للرجال في عصرنا.
يبدو أنّ فكرة أن الجمال يبدأ في الشعر ليست مجرد كليشية. فجميعنا نعرف، طبعا، قصة الكتاب المقدس عن “شمشون الجبار” الذي لم يتمكن أعداؤه، الفلستيون، من التغلب عليه. تروي القصة أن الفلستيين أغروا دليلة، زوجة شمشون الثالثة، بالكثير من المال لتكشف لهم سر قوة الرجل الذي قمعهم سنوات عديدة. راوغها شمشون عدة مرات، حتى كشف لها أخيرا أن قوته تكمن في شعر رأسه الذي لم يُحلق أبدا. سارعت دليلة إلى إخبار الفلستيين الذين طلبوا منها قص شعره، وهكذا استطاعوا إلقاء القبض عليه. لا يزال شمشون وشعره المقصوص يمثلان حتى اليوم القوة والرجولة. لكن الأبحاث التي أُجريت في السنوات الأخيرة تظهر أنّ عددا متزايدا من الرجال يفقدون شعرهم ويصابون بالصلع في سن مبكرة، ومع ذلك يستمرون في تصدر قائمة الأبطال والوسماء.
الظاهرة
ينمو شعرنا من جريبات الشعر في فروة الرأس، ويمكن للشعرة بشكل عام أن تستمر في النمو لسنوات عديدة. لكل جريب شعرة دورية في العمل – فترة النمو (أنجان)، وبعد ذلك فترة قصيرة من الراحة (طلوجان). في معظم الوقت، 80% – 90% من جريبات الشعر هي في حالة نمو، وما تبقى في حالة راحة.
يُعتبر سقوط 100 شعرة في اليوم أمرا عاديا، لكن عندما تبدأ الأعداد بالارتفاع بشكل كبير وفي مناطق كثيفة ومحددة، تبدأ ظاهرة الصلع، وهي تتميز عادة بخفة الشعر في مقدمة الرأس أو أعلاه. يمكن أن يبدأ الصلع مباشرة بعد سن المراهقة، ويبدأ الكثير من الرجال بفقدان الشعر في سن مبكرة (17 أو 18).
يروي د. ألكس غينزبورغ، خبير في زرع الشعر في مستشفى شيبا في إسرائيل، أنه في السنوات الأخيرة يعاني ثلثا (2/3، نحو 70%) من الرجال الإسرائيليين من تساقط الشعر والصلع قبل بلوغ سن الأربعين، ويضيف أنه، على سبيل المقارنة، عانى أقل من ثلث الرجال الإسرائيليين من المشكلة قبل 30 عامًا.
لم تُجرَ حتى الآن دراسة مقارنة شاملة حول ظاهرة الصلع في العالم. لكن من المعطيات التي جُمعت، يتبين أن اليهود الشكناز (ذوي الأصول الأوروبية) هم الأكثر صلعًا، حيث يعانون من هذه المشكلة أكثر من اليهود الشرقيين. يتبين أيضا أنّ نسبة الصلع في إسرائيل هي من بين أعلى النسب في العالَم. في الدول الإسكندنافية، ليس هناك أشخاص لديهم الصلع تقريبا، والنسب منخفضة جدا في الدول العربية.
أسباب الصلع متعددة، وهي تتراوح بين أسباب وراثية، ونقص في التغذية، والاضطراب في المجتمع العصري المتأثر أكثر بالإشعاع والضغوط الجسدية والنفسية في مجابهة تحديات الحياة اليومية.
بين الصلع ونظرة الآخرين
يحيط بقضية الصلع جهل واسع، ومعتقدات خاطئة عديدة انتشرت عبر السنين في شأن عوامل الصلع وعلاقتها بالذكاء، القدرة الجنسية، الخلفية الإثنية، المهنة، الوضع الاقتصادي، الانتماء الاجتماعي ونظرة الآخرين تجاه الشخص. لا ريب أنه يصعب تخيل الأيقونات الاجتماعية التي نعرفها جميعنا سواء من مجال السينما، عرض الأزياء، أو حتى السياسة دون شعر. تخيلوا مثلا كيف سيبدو الرئيس المصري المخلوع، محمد مرسي، دون شعر. وماذا عن روبرت دي نيرو؟ والرئيس أوباما؟ هل كنتم ستعرفون نجم برنامج الواقع “Arab Idol”، محمد عساف، دون غرة أنيقة؟ لا أظن …
ومع ذلك، يبدو أن موضوع الشعر والصلع متصل بالموضة غالبًا. فحص بحث من جامعة بنسلفانيا الذي أجراه ألبرت مان، ووجد أن الرجال الصلعان يبدون رجوليين وأقوياء أكثر من الرجال ذوي الشعر المتساقط، الشعر الخفيف، وحتى الرجال ذوي الشعر الكثيف.
عرض البحث، الذي شمل 3 تجارب منفردة، أمام نساء عددا من الصور لرجال صلعان وآخرين غزيري الشعر. اختارت النساءُ الرجال الصلعان، في الأكثرية الساحقة من الحالات، بصفتهم أكثر رجولة، أقوى وأكثر سيطرة، وذوي صفات قيادية واضحة. في الجزء الثاني من الدراسة، عُرض على النساء 4 رجال، لكل منهم صورة مع شعر، وأخرى من دون شعر. بشكل مفاجئ، اختارت النساء صور الرجال الصلعان على أنهم أكثر رجولة وجاذبية. يبدو أن زعيمَي موضة الصلع الهوليوودية، بروس ويليس وجايسون ستيتهام، فهما الإمكانية الهائلة الكامنة في الصلعة، فبدأ بحلق رأسيهما كتعبير عن الموضة.
وإذا لم تقنعكم اتجاهات الموضة بعد، بأنّ الصلعان هم ظاهرة، تأتي دراسة جديدة تفحص تأثير الشعر و/أو غياب الشعر على صورة المدير في المنظمات. كما هو معلوم، يؤثر المظهر الخارجي على القبول للعمل وعلى ارتفاع الأجر على حد سواء. أظهرت دراسات عديدة العلاقة بين الطول ومبنى الجسم وبين القدرة على الكسب – حيث إن الأشخاص الأطول يكسبون أكثر من الأشخاص الأقصر قامة، والأكثر جمالا يتم قبولهم أسرع للعمل. فحصت الدراسة الأخيرة العلاقة بين شعر الرأس (أو الصلع) وبين الصورة الذهنية، أو كيفية النظر إلى المدير في جمعية، وكانت النتائج مفاجئة: يُنظر إلى الصلعان على أنهم أكثر سيطرة، أقوى، أكثر طموحا ومنافسة، وذوي مهارات قيادية واضحة. بالمقابل، حصل الرجال ذوو الشعر الخفيف على تقييم أقل، وجرى النظر إليهم كذوي قدرة قيادية محدودة.
وإذا كنا نتعامل مع القادة والثقة بالنفس، فإليكم سرًّا: رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، رجل أصلع. في مقالة لا سابق لها في صحيفة “هآرتس”، تجرأ الكاتب، داني بار أون، على الخروج عن التقاليد الإعلامية والكشف عن علاقة مباشرة بين التسريحة الجديدة لنتنياهو الذي يعاني من الصلع وبين صورة وإنجازات الرجل الذي وصفه كمتردد غير قادر على اتخاذ قرار دون حسبان الضرر أو الفائدة التي يجلبها ذلك على صورته، وقد كتب: “قد يبدو أن الطريقة التي يختار بها رئيس الحكومة إخفاء صلعته شأن بينه وبين الحلاق، وهو حر في الإقراض والادخار كما يشاء (القصد هو الطريقة التي يغطي بها نتنياهو صلعته بتحويل قسم من الشعر من اليسار إلى اليمين لتغطية الجبين)… الصورة التي تظهر من تصرفات نتنياهو هي صورة لرجل يخاف خوفا متطرفا من إظهار عيوبه أمام الجمهور”.
مقارنة مع نتنياهو، قرر رئيس الحكومة السابق إيهود أولمرت التخلص من تسريحة “الاقتراض والادخار” التي يتفاخر بها نتنياهو، ومع توليه رئاسة حكومة إسرائيل عام 2006، قرر القيام بخطوة حاسمة، والتخلص من خصل الشعر الأخيرة. قال المطلعون في مكتبه آنذاك إن أزمة حادة مرت على أولمرت كرئيس حكومة أدت به إلى التخلص مما تبقى من الشعر الذي اعتنى به طوال سنوات، وقد تقبل الجمهور الصلعة السلطوية دون نكات، كما تقبل صلعة بن غوريون.
وفي نقاش لا سابق له حول مظهر الزعماء، من المعتاد إجراء نقاش عاصف وجدي في الديموقراطية الأكبر في العالم، الولايات المتحدة، حول السؤال: “هل سينتخب الشعب الأمريكي يومًا ما رئيسا أصلع؟” تظهر الأبحاث والتقديرات أنّ الأمريكيين لا يحبون الزعماء الصلعان، وأنه كان أسهل عليهم تقبل رئيس من أصل أفرو- أمريكي. كذلك، تبدو احتمالات ترؤس امرأة للولايات المتحدة أكبر من رئيس أصلع أو يعاني من الصلع. التعليل بسيط، ويكمن في ما يُدعى ظاهرة “الرئيس التلفزيوني”. وفقا للاختصاصيين، ثمة أهمية خاصة لمظهر الزعيم على شاشة التلفزيون، وأنّ رئيسا أصلع لن يستطيع، في جميع الأحوال، أن يبدو أفضل ويمثل أفضل المصالح الأمريكية أمام العالم.
القواعد الست للرجل الأصلع
إليكم صيغة شخصية لست قواعد للرجال الصلعان لإدارة الأمر بشكل أفضل، وللتقبل الذاتي.
- تقبلوا ذلك: يبدو أن ظاهرة الصلع ستظل دائما ظاهرة وراثية من جهة الأم. إذا كان لديكم أخوال وأجداد (من طرف الأم) صلعان، فالأرجح أنكم ستصابون بالصلع حتى سن 50. تقبلوا ذلك بمحبة. لدينا شركاء: شون كونري، زين الدين زيدان، وبروس ويليس.
- إذا قررتم مكافحة الصلع، فافعلوا ذلك بسرعة: إذا كنتم صلعانا تماما، يبدو أن الشعر لن يعود أبدًا. إذا كنتم في منتصف الطريق، يبدو أنه عبر العلاج الدوائي (استخدام أدوية مثل بروبتسيا، زرع الشعر، تناول حبوب كورتيزون، أو دهن مسحوق مينوكسيديل) يمكنكم إعادة قسم صغير. وإذا كنتم في بداية الطريق، استشيروا بسرعة أطباء اختصاصيين، وابدؤوا بعلاج مكثّف.
- استشيروا أطباء أخصائيي جلد: إذا بدأتم تعانون من الصلع وتفقدون شعركم في مقدمة الرأس، عيّنوا دورا لدى طبيب جلد واستشيروه، فقد يمنع العلاج الدوائي المركز استمرار الظاهرة ويحافظ على ما تبقى من الشعر.
- الشعر المستعار موجود، إن كنتم تصرون على ذلك: تطورت صناعة الشعر المستعار كثيرا في السنوات الأخيرة، وإذا كنتم تصرون على هذا الحل، تأنوا في ملاءمة الشعر المستعار (الباروكة)، ولا تبحثوا عن التوفير.
- جديد في السوق: علاج جديد (ميكرو – تصبّغ) تحت الجلد لمحاكاة الشعر. يجري الحديث عن طريقة مبتكرة جرى تطويرها في السنوات الأخيرة، تتيح للمعالِج أن ينتج نقاط متتالية من الوشم (مواد تتلف بعد مدة، تشبه جدا وشم الحناء) على رؤوس الصلعان لإتمام مظهر شعر كامل ومقصوص.
- أحبوا نفسكم: أضحى الصلعان في السنوات الأخيرة جزءا من الموضة. فرويدا رويدا يلاقون قبولا أكبر بين الناس، اتجاه في الموضة آخذ بالازدياد، لذلك لا تستاؤوا …