اعتاد المجتمع الإسلامي المحافظ على وسم النساء المسلمات العازبات في الغرب بصفتهن “منتجا انتهى تاريخه”؛ فهنّ يجدن صعوبة في العثور على “النصف الآخر”، يجلسن، بلا أطفال، في بيوت أهلهنّ، ويتحملنَ عبء رعايتهم ورعاية الأسرة القريبة. هناك من بينهنّ، كما يقال، من يتّخذن قرارا بالبقاء دون زواج أو تفضيل حياة العزوبية الطوعية. في الغالب فهنّ نساء محترفات ومتعلّمات يربحنَ المال لمعيشتهنّ.
عدّدت إحداهنّ، الكاتبة الأسترالية من أصول فلسطينية – مصرية، رندة عبد الفتاح، الأسباب التي جعلت ظاهرة العازبات في أوساط المسلمات في الغرب ظاهرة بارزة ومؤلمة جدا، ووجّهت انتقادات للوصمات التي تم إلصاقها بهنّ. في كتابها No Sex In The City الصادر عام 2012 قالت عبد الفتاح إنّه يتم “استبعاد” النساء المسلمات في الغرب من قبل الرجال المسلمين لأنّهن متعلّمات أكثر منهم، أو لأسباب تتعلّق بالانتماء العرقي والأسري ولون البشرة، وهي اعتبارات لا تزال شائعة في العلاقة بين الزوجين في أوساط المجتمعات المسلمة التي تعيش في الغرب. من جهة أخرى، فالنساء المسلمات في الغرب لا يسرعن للاستقرار في سنّ صغيرة ويعتبرن الحصول على التعليم رافعة لاستقلاليّتهنّ.
تروي عبد الفتاح في كتابها قصة حياة أربع صديقات عازبات في سيدني. أسمى (28)، ابنة لأسرة من المهاجرين الأتراك، تخرج لمواعيد عمياء ترتبها لها الأسرة وتجسّد في الواقع قصّة الكاتبة الشخصية، محامية عزباء، تجد صعوبة في العثور على زوج مناسب في أستراليا. تُضطرّ لمواجهة ضغوط من قبل الأسرة والمجتمع الإسلامي وتعاني من العديد من الإحباطات، انعدام راحة البال وقلة الحيلة أمام الادعاء الشائع أنّ العزوبية ممنوعة بحسب الإسلام وهي تجسّد الشيطان في الإنسان.
يدعو الفقهاء المحافظون في الإسلام المؤمنين إلى تجنّب العزوبية وحياة الوحدة والعزلة. ليس الزواج وإقامة أسرة مهمة في ذاتها فحسب، وإنما تشكّل نصف الإيمان بالله، وكل من تزوّج فقد حظي بمحبّة الإله. دعا النبي نفسه المؤمنين إلى الزواج، لإقامة أسرة ولإقامة علاقات جنسية. ينظّم الزواج حياة من الأخلاق والنظام الاجتماعي، ويلبّي في نفس الوقت حاجات نفسية وفسيولوجية لدى الإنسان. يعيش الإنسان المتزوج بسلام وهدوء، ويستمتع بالشراكة مع زوجته وبجمالها ويتقاسم معها لحظات الفرح والحزن. إن ميزة الحياة المشتركة، كما يوضح الفقهاء، تبرّر صعوباتها. التعدّد مسموح حتى أربع نساء، شريطة أن يتعامل الرجل بشكل مماثل مع جميع زوجاته، وإذا لم يكن بإمكانه القيام بذلك فمن المفضل أن يتزوج امرأة واحدة. تستند ادعاءات هؤلاء الفقهاء إلى عدة أحاديث نبوية، جاء في أحدها أن النبي قال للمؤمنين إنّ الأعزب الذي يكتشف بأنّه سيموت غدا يجب عليه التزوّج فورا، وإلا فلن يلقى الله. وعلاوة على ذلك، فإنّ إبقاء النسل هو أمر واجب بالنسبة للمسلم والمسلمة. إنّ دعاء الولد لوالديه يكسبهم الدخول إلى الجنة يوم القيامة.
ومع ذلك، فالإسلام الوسطي المعتدل لا يفرض الحياة الزوجية على النساء والرجال، وينضم للدفاع عن العازبات المسلمات في الغرب. يسمح الفقهاء الوسطيون للرجل أو المرأة بتأجيل الزواج إلى زمن غير محدّد. يمكن للمرأة التي طُلّقت أو أصبحت أرملة أن تختار إذا ما كانت تريد الزواج ثانية لأنّها قد أكملت فعلا نصفها الثاني من الإيمان بالله. ورغم أنهم يعارضون مبدئيا حياة العازبات أو الانعزال، يشير الفقهاء الوسطيون بشكل إيجابي إلى مسلمات متعلمات، صوفيات وباحثات بارزات في الدين في التاريخ الإسلامي واللاتي لم يتزوّجن وكرّسن حياتهنّ للدين وتعليمه للأجيال القادمة.
https://www.youtube.com/watch?v=t1kXE4EzpvI
العازبون الذين ينتظرون يوم زواجهم يجب عليهم الإيمان بالله، قبول قضائه، واعتماد التفكير الإيجابي: سيأتي الخير من الله عاجلا أم آجلا. وتشرح إحدى الفتاوى أنّ “تبعث ضائقة الكثيرين الراحة”، وفي فتوى أخرى يقول الفقيه للمسلمات العازبات: “فكرنَ بجميع أولئك المسلمات اللاتي تزوّجنَ ويعانين من العلاقة التي يتواجدن فيها، بالنساء اللواتي يُضربنَ أو بالمطلّقات. يمكن للعازبة أن تكون أكثر سعادة منهنّ بكثير! املئي قلبك بالسعادة، كوني في سلام مع نفسك، أنت أفضل من الآخرين. عندما تكونين في سلام مع نفسك سيحدث كل شيء، وحتى لو لم يحدث، سيحميك الله من كل سوء. يسخّر الله المؤمنين به بطرق أخرى. يمكنك أن تسخّري نفسك للدين أو لأشياء أخرى، أو أن تتّخذي فتيات أخريات يكنّ بناتك”.
وفضلا عن المعالجة الفقهية للعازبين والعازبات يوجّه الفقهاء الوسطيون قراءهم إلى مواقع إنترنت مختلفة مخصصة للمسلمين وتتخصص بالتمكين الشخصي وتعليم التفكير الإيجابي. في موقع متخصص بعلم النفس الإيجابي تم نشر مقال تحت عنوان: “خمس وعشرون نصيحة افعل ولا تفعل: مرشد العازب/ة المسلم/ة الحائر/ة”. اقترح على المتصفحين والمتصفحات، من بين أمور أخرى، الإجابة على السؤال: لماذا يرغبون بالزواج قبل توجّههم إلى الله بالدعاء، إعداد قائمة توقعات واقعية من شركائهم، تسويق أنفسهم باللطف والنزاهة، الاعتماد على غرائزهم، وأخيرا عدم الإنصات إلى نصائح الآخرين وأن يقرّروا ما هو الأفضل بالنسبة لهم.
هناك فقهاء وسطيون يقترحون على المسلمات تحقيق الاستفادة القصوى من حياة العزوبية: تعلّم مهنة، السفر، تعلم إدارة الميزانية والتوفير. اقترح بعضهم الذهاب إلى لقاء تعارف حلال، والذي يعني البدء بتعارف مع قلب “مفتوح” ومع أفكار نقية، وإجراء لقاء في المجال العام، والحديث للأهل لأخذ موافقتهم على اللقاءات التالية. في الولايات المتحدة على سبيل المثال، يجري عدة مرات في السنة “Speed Halal Date” للمسلمين والمسلمات.
يبدو أن الفقهاء الوسطيين يوفقون دعما دينيا وشعوريا مناسبات لمعضلات المجتمعات المسلمة في الغرب. فهو يسعون إلى احترام قرارات المؤمنين والمؤمنات بخصوص الحياة الزوجية وموعد البدء بها، فضلا عن المعالجة الدينية فهم يدعمون المؤمنة العزباء، التي تعاني من صعوبات كبيرة في مجتمعها وأسرتها، من خلال كلمة طيبة أو نصيحة عملية.
نُشرت هذه المقالة للمرة الأولى في موقع منتدى التفكير الإقليمي