تلتحق اليوم بصفوف الجيش الإسرائيلي شابات ليؤدين خدمة عسكرية مدتها سنتين كمقاتلات. وسيلتحق القسم الأكبر من الشابات بكتيبة مختلطة، أي يخدم في صفوفها شبان وشابات معا، وتلقب هذه الكتيبة ب “أسود الأردن”، وأخريات سيلتحقن للمرة الأولى بوحدات خاصة في سلاح المدفعية. يذكر أن الجيش الإسرائيلي فتح أبوابه لخدمة البنات في معظم الوظائف، ففي عام 2013، 92% من الوظائف في الجيش الإسرائيلي فُتحت أمام الجنس اللطيف. وكانت نسبة النساء في المنظومة القتالية 4.3%، وهي زيادة بنسبة 1.1% مقارنة مع 2012. إضافة إلى ذلك، 56% من الضباط في الخدمة الإجبارية في الجيش الإسرائيلي هي من النساء.
واستمرارا للمقالين السابقين اللذين كتبنهما حول وحدات النخبة في الجيش الإسرائيلي، وحدة “شايطيت 13 “ ووحدة استطلاع هيئة الأركان العامة، يُسعدنا أن نستعرض أمامكم هذه المرة جانبًا أكثر أنوثة وجرأة من حيث الأدوار القتالية، فيها، ويا للغرابة، يبرز فعليًا جيل جديد من المقاتلات.
إناث في خدمة جيش الشعب
تأسس الجيش الإسرائيلي، الذي أقيم في أيار 1948، على روح “جيش الشعب” النابعة من الإيديولوجية العالمية للدولة القومية الحديثة. في آب 1949، أصدر الكنيست “قانون خدمة الأمن”، والذي نظم كل ما يتعلق بتجنيد المجموعات المختلفة وخدماتها العسكرية. وفي المناقشات حول تجنيد المرأة، انقسم الكنيست إلى معسكرين مختلفين: ممثلو الأحزاب العلمانية وقد أوجبوا تجنيد النساء، بينما تصدى ممثلو الأحزاب الدينية لتجنيد النساء تمامًا، ولم يكتفوا بإعفاء النساء المتدينات فقط.
كان التزام القيادة العلمانية بالمساواة بين الجنسين يرجع إلى التصوّر الاشتراكي، والذي رأى في المجتمع الإسرائيلي نموذجًا لمجتمع العدالة والمساواة أيضًا على المستوى الجنساني. ومع ذلك، فإن معظم الدعم لتجنيد الإناث لم يكن مستمدًا من مقولة المساواة في الحقوق، وإنما تأسس على التصوّر الجمهوري للمواطنة. أثبتت “الإناث”، كما قد قيل، بأنهن يستحققن أن يكنّ جنديات. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ القرار بتجنيد الإناث نشأ لاعتبارات ذرائعية، مثل الاحتياج إلى قوى عاملة، وتم تعزيزه بواسطة الزعم بأن وجود المرأة سيحسّن الروح المعنوية للجنود ومستواهم الأخلاقي.
جيش نسائي؟
إن قرار تجنيد الإناث الإلزامي في إسرائيل لم يغيّر من الطبيعة الذكورية للجيش. فقد ظل الجيش تنظيمًا ذكوريًا، يجسّد الجنس مبدأ رسميًا ومعلنًا فيه. وقد خدمت جميع الإناث (حتى عام 2000)، وخصص لهن فترة مختلفة من الخدمة، ومسارات خدمة منفصلة، والأدوار، وفرص الترقية، والخبرات العسكرية عن الرجال، وذلك اعتمادًا على نموذج الجيش البريطاني.
وتُظهر الدراسة العميقة لتاريخ الخدمة العسكرية للمقاتلات الإسرائيليات، اكتشافات مدهشة حول التغيير الذي حلّ في تجنيد الإناث للجيش وحول الأدوار المتعددة التي شغلنها. القصص عن المقاتلات، الإناث الضباط، الإناث الضباط وهنّ حوامل إذ قاموا بحملة البيريه (وهي حملة شاقة قامت بها الجنديات المقاتلات في الجيش الإسرائيلي، والتي في نهايتها أعطي لهنّ بيريه بلون فريد للفوج أو اللواء)، والإناث برتبة لواء، كل هذه القصص استمرت بالظهور بشكل مدهش.
فعلى سبيل المثال، في “جيش الشعب” الذي أقيم خلال حرب 1948 خدمت نساء ممن أخذن جزءًا من نشاط العمليات بشكل كامل، في ذلك الجيش كانت هناك أدوار قتالية جُعلت للإناث فقط، كالاستخبارات بل والمدفعية.
وقد وُجدت في مجموعات الصور في أرشيف جيش الدفاع الإسرائيلي مواد تشير إلى أن سلاح المدفعية الإسرائيلي في بداية عهده كان مقتصرًا على الإناث في معظمه. وتظهر في الصور النادرة فرق المدفعية الكاملة مكوًنة فقط من الإناث، اللواتي يدرن الموقف دون وجود الذكور وفي حركات بسيطة في الأرجل أطلقن نيران المدفعية صوب قوات العدو. وكانت المدفعية، التي اعتبرت في تلك الأيام جهدًا كبيرًا لإطلاق النار من قبل الجيش الشاب، الصغير وقليل الحيلة، مملكة الإناث. ولا عجب أن سلاح المدفعية هو إحدى المجموعات التي استقبلت الإناث في صفوفها بأذرع مفتوحة مع بداية دمج المرأة في الوحدات الميدانية في السنوات الأخيرة.
وفي العقدين الأخيرين، وجنبًا إلى جنب مع التغييرات الاجتماعية التي حلت بإسرائيل والتغيير في هيئة الجيش، حدث تغيير في الموقف تجاه النساء في الجيش؛ إذ فتحت أمامهنّ الأدوار القتالية، وتم توسيع خيارات التقدم والعمل على إدخال تعديلات من أجل تمكين بيئة خدمة تتيح النجاح. في عام 2000، تم حلّ سلاح المرأة التقليدي وأقيم مكانه في دائرة الأركان العامة جناح تقف على رأسه مستشارة رئيس الأركان لشؤون المرأة.
الجندية التي أحدثت تغييرًا في الجيش
عادة ما يعرف أن الجيوش هي مملكة الرجال وأن هناك أبعاد من التمييز. وقد أدى نضال شجاع قادته إحدى الجنديات إلى تغيير انقلابي في أحد أسلحة الجيش الأكثر أهمية في دولة إسرائيل وهو “سلاح الجو”.
في عام 1994 رغبت جندية احتياط غير معروفة في هندسة الطيران واسمها أليس ميلر أن تكون طيارًا في سلاح الجو، ولكن كانت الدورة في ذلك الوقت مفتوحة أمام الذكور فقط. ناضلت ميلر، وتم قبول توجهها للمحكمة العليا، وحكمت مجموعة موسعة من القضاة أن على الجيش أن يساوي بين حقوق النساء والرجال. على الرغم من ذلك، لم تنجح ميلر في اجتياز تصنيفات دورة الطيران، ولكن منذ ذلك الوقت، حدث تغيير كبير وفي كل عام يتم الإعلان عن المزيد والمزيد من سائقات الطيارات اللواتي يصلن إلى رتب قائد سرب وإلى تجربة طيران من الأرقى في العالم.
وبفضل معركة ميلر فإن عدد النساء سائقات الطيارات اليوم أكثر، المقاتلات، جنديات بحرية، ضباط كبار وتقريبا لا يوجد أي مجموعة عسكرية لا تظهر فيها النساء.
قطط الصحراء
حين نراهنّ في الشارع مع الزي الرسمي، الحذاء العالي، السلاح ودبوس المحارب، ننظر إليهن بإعجاب. مقاتلات كتيبة الكاراكال، اللواتي يمثّلن نحو ثلثي مقاتلي الكتيبة، هن جنديات استثنائيات. يخدمن في كتيبة المشاة الوحيدة في الجيش الإسرائيلي التي تقيم خدمة مشتركة ومساوية بين المقاتلين والمقاتلات. في التدريبات، في الكمائن والمعارك ليس ثمة فرق بين الجنسين. فهنا لا يتحدثون عن “الجنس اللطيف” أو عن “الجنس القوي”.
كتيبة الكاراكال هي كتيبة مشاة مختلطة يخدم فيها مقاتلون ومقاتلات، وقد أخذت اسمها من القط الصحراوي الكاراكال؛ المشهور في منطقة وادي عربة، وقد كانت حقل النشاط الأول الذي عملت فيه الكتيبة. وقد تمت معظم عمليات الكاراكال في منطقة جنوبي إسرائيل مع التركيز على الحدود المصرية، خط التماس، منطقة وادي عربة ومنطقة غور الأردن، وتشمل العمليات الكمائن، الدوريات، الملاحقات، المراقبة، تأمين المناطق السكنية وأنشطة أمنية قائمة لمنع تسلل النشاطات الإرهابية والإرهابيين، ومنع التهريب (المخدرات، السلاح). وقد أمسكت كتيبة الكاراكال بعدد غير قليل من الإرهابيين والتهريبات على الحدود المصرية، وساعدت في نشاطاتها جهاز الشاباك.
في عامي 2007 و2008 حققت الكتيبة نجاحات كثيرة في العمليات، يشمل ذلك منع التسلل في الوقت المناسب، القبض على المتسللين الذين دخلوا إلى الجانب الإسرائيلي، اعتقال التجار واكتشاف مخابئ البضاعة المهربة، القبض على الفلسطينيين والإرهابيين الذين حاولوا التسلل عبر الحدود المصرية وكذلك القبض على اللاجئين والمقيمين غير القانونيين. في عامي 2009 و2010 أمسك مقاتلو ومقاتلات الكتيبة بكميات كبيرة من المخدرات، وكذلك بعملاء مطلوبين للشاباك.
السلاح الأساسي لمقاتلات كتيبة الكاراكال هو البندقية الهجومية، وهي من تطوير إسرائيلي، ومن بين أمور أخرى أيضًا، تستخدم قاذفات القنابل والصواريخ المضادة للدبابات ومدافع “ماج”. وتستخدم سيارات فورد، وسيارات جيب من نوع صوفا وأجهزة الاتصالات والمراقبة المتقدمة، بما في ذلك نظارات الرؤية الليلية.
http://www.youtube.com/watch?v=7VgEy7E-QoQ
إنّ رغبة المرأة الإسرائيلية في أن تكون مقبولة في المسارات القتالية، تكلف ثمنًا طبيًا كبيرًا. ففي كتيبة الكاراكال على سبيل المثال يقدر الخبراء أن معظم الإناث المقاتلات يعانين من مشاكل طبية وبشكل عام الإجهاد وفتوق الديسك. معظم الفتيات لديهن طموحات عالية على وجه الخصوص، ويواجهن الفروق الفسيولوجية الكبيرة بين الرجال والنساء، ولا يتلقين دائما أذنا صاغية وفهما من قبل قادتهن. وغالبًا ما ينظر إليهن على أنهن يبالغن في أحسن الأحوال أو يتظاهرن في أسوأ الأحوال. وتزداد حدة المشاكل عندما تحاول الفتيات كبت المشاكل الجسدية ومواصلة القيام بمهمتهن كمقاتلات، أو حين تتأخر الاستجابة الطبية. حتى بعد إطلاق سراحهن من الخدمة العسكرية، ويواصل الكثير من الفتيات المعاناة من الإصابات التي يتعرضن إليها خلال فترة الخدمة.
وفي الحالتين، فإن النساء المقاتلات يواصلن تحدي النظم التقليدية والمعروفة في الجيش الإسرائيلي، ويرسمن الحقائق على الأرض حيث إنه من الصعب على قادة الجيش أن يتجاهلونهن في المستقبل القريب. وقد ازداد النقاش العام في السنوات الأخيرة حول تحويل جيش الشعب إلى جيش أكثر احترافية وذي أبعاد أصغر، وهنا تصر النساء المقاتلات على أن يكنّ جزءًا لا يتجزّأ من ذلك الجيش الاحترافي وذي الجودة الذي سيحدد المستقبل الأمني لإسرائيل.