تُظهر بيانات رسمية لوزارة العمل الأردنية أنّ عدد حالات الإتجار بالبشر قد ارتفع بشكل ملحوظ عام 2014 بالمقارنة مع السنة الفائتة؛ ضعفين تقريبًا. وتلك هي البيانات الرسمية فقط، حيث إنّ السلطات لا تعرف عن حالات عديدة أخرى.
الأردن هو دولة وجهة ودولة عبور للضحايا من الصغار والكبار، الذين يُضطرّون إلى العمل في الأعمال القسرية أو في صناعة الجنس. معظم ضحايا الإتجار بالبشر هم من سوريا، مصر، المغرب وآسيا، والقليل من الأردنيين. في أحيان كثيرة، يأخذ مشغّلو هؤلاء الضحايا جوازات سفرهم، يدفعون أجورهم بتأخير، يشغّلونهم على مدى ساعات طويلة في ظروف عمل متدنّية وظروف غير صحّية ويعتدون عليهم لفظيا وجسديا.
تخشى الضحايا من تقديم شكوى للشرطة خوفا من طردهم من البلاد أو أن من اعتقالهم بسبب شكوى مضادّة من صاحب العمل.
اكتشف بعض النساء اللواتي وصلنَ إلى الأردن أنّ أصحاب العمل يرسلونهنّ إلى العمل بالدعارة
في بعض الحالات التي تم الإبلاغ عنها للسلطات، اكتشف بعض النساء اللواتي وصلنَ إلى الأردن من دول عربيّة أخرى من أجل العمل وإعالة أسرهنّ، أنّ أصحاب العمل يرسلونهنّ إلى أعمال قسرية أو إلى العمل بالدعارة. في العديد من الحالات يوافقنَ على ذلك، خوفا من أن يعتبر أصحاب العمل رفضهنّ انتهاكا لعقد السفر الذي وقّعنَ عليه والذي ينصّ على غرامات مالية مرتفعة في حالة انتهاكه. بالمناسبة، فإنّ الدعارة في الأردن محظورة بشكلٍ رسميّ، ولكن هناك بيوت دعارة يزورها كلّ من الأردنيين والسياح الأجانب، ويبدو أنّ الحكومة تغضّ الطرف عن ظاهرة الدعارة. معظم المومسات هنّ من الروسيات، الأوكرانيات، الفليبينيات، المغربيات، التونسيات، السوريات، العراقيات، الفلسطينيات والأردنيات.
انعدام الوعي
وأرجع عالم الاجتماع حسين خوزاي الارتفاع في حالات الإتجار بالبشر في الأردن إلى انعدام الوعي في أوساط الأردنيين، لأنّ الغالبية لا تعرف أن بعض نشاطاتها قد يكون مصنّفا على أنه جرائم.
“تُجبِر العديد من العائلات الأردنية المساعدات المنزليات لديهنّ بالقيام بالكثير من العمل الزائد بالإضافة إلى العمل لصالح الأقارب. هذا مثال شائع جدا عن حالة من حالات الإتجار بالبشر والمنتشرة في الأردن، ولكن الناس لا يعلمون أنّها جريمة”، كما قال خوزاي للصحيفة الأسبوعية العرب. “عندما يسمع الناس عبارة “الإتجار بالبشر”، يظنّون أنها مصطلح غربي ليس قائما في مجتمعاتنا، ولكن للأسف الشديد فهو موجود”.
لا يتم الإبلاغ عن الكثير من حالات الإتجار بالبشر إلى السلطات لأنّ الناس لا يعرفون ما هي حقوقهم وواجباتهم. بحسب خوزاي، فقد يصبح الناس ضحايا لجريمة الإتجار بالبشر ولكن لا يعرفون أنّها جريمة يعاقب عليها القانون.
وأشار عالم الاجتماع إلى أن ثمّة نموذج آخر للإتجار بالبشر في الأردن وهو المجموعات المنظّمة من المتسوّلين في جميع أنحاء البلاد، والتي تُجبر الأطفال على العمل معها. وهو يذكر أيضًا حالات يتم فيها بيع استغلالي وغير طوعي للكلى، وحالات يحصل فيها الناس على المال مقابل كونهم حقول تجارب لاختبار أدوية جديدة.
من الجدير ذكره أنّ الأردن يشكل اليوم مأوى للكثير من اللاجئين الذين يتدفّقون إليه من الحرب الدموية في سوريا. بشكل حتمي، توفّر مخيمات اللاجئين والنازحين بيئة مشجّعة لاستغلال النساء والأطفال. بحسب تقديرات وزارة العمل الأردنية، فنحو 30,000 من الأطفال السوريين يعملون بشكل غير قانوني في البلاد ويتعرّضون لخطر الإتجار بالبشر. بالإضافة إلى ذلك، اعتاد اللاجئون السوريون الذين يئسوا من مساعدة أنفسهم وأسرهم بعد أن فقدوا ممتلكاتهم في سوريا، على بيع فتياتهنّ الصغيرات لأشخاص أغنياء من الخليج.
وقد اعترف وزير العمل الأردني مؤخرا بهذه الظاهرة وقال إنّ وزارته قد عرضت ملجأ لأكثر من 100 ضحية للإتجار بالبشر، إضافة إلى السكن، الإعفاء من ضرائب العمل وتذاكر الطيران للعودة إلى بلادهم. إلى جانب ذلك، يعمل مركز يهدف إلى تقديم المساعدة القانونية والنفسية للنساء اللواتي يعملن في الدعارة وفي الأعمال القسرية. وقد سنّ الأردن نفسه قانونا ضدّ الإتجار بالبشر في آذار عام 2009 وصادق على اتفاقية الأمم المتحدة لمنع مثل هذه التجارة، ولكن كما ذُكر آنفًا فإنّ عدد حالات الإتجار من هذا النوع آخذ بالازدياد فقط.
نُشر هذا المقال لأول مرة في موقع “ميدل نيوز”