أقيمت في الأول من شباط في أنحاء إيران الاحتفالات التقليدية في الذكرى السنوية لعودة قائد الثورة الإسلامية، آية الله روح الله الخميني، إلى الأراضي الإيرانية عام 1979. وخلال الاحتفالات التي أعيدت فيها عودة الخميني، تم استخدام صورة كبيرة لقائد الثورة ألصقت على الكرتون. في بعض الاحتفالات، تمّ استخدام نموذج طائرة مصنوع من الكرتون أيضًا. أثار نشر الصور من الاحتفالات ردود فعل انتقادية وساخرة من قبل متصفّحين إيرانيين في الشبكات الاجتماعية. زعم الكثير منهم، بأن استخدام نموذج الكرتون يعكس جيّدًا الحالة المؤسفة للثورة الإسلامية وأنّ ما تبقّى من الثورة هو نموذج مصنوع من الكرتون.
كان تسهيل المصاعب الاجتماعية والاقتصادية وتحقيق الحرية السياسية من بين الأهداف الأساسية للثورة الإسلامية. كانت الطموحات الرئيسية لقادة إيران بعد الثورة هي تحويل المُثل الثورية إلى حلول لمشكلات المجتمع وإقامة مجتمع إسلامي نموذجي، الذي سيكون بمثابة قدوة لبقية المجتمعات الإسلامية. عشية الذكرى السنوية الـ 35 للثورة، لم يتمكّن النظام الإيراني من تحقيق تطلّعات المواطنين، وتوقعات تحسين الوضع الاقتصادي بقيت إلى حدّ كبير ليست متحقّقة. البطالة تزداد، التضخّم يرتفع والفجوات الاجتماعية ثقيلة أكثر من ذي قبل. علامات الأزمة الاقتصادية واضحة بالنسبة للسكان، ولكن تأثيرها يبرز بشكل خاصّ في أوساط الشباب الذين يمثّلون أكثر من ثلثي سكّان إيران. اعترف وزير العلوم والتكنولوجيا، رضا فرجي دانا، مؤخرًا أنّ نحو 150 ألفًا من الشباب الإيرانيين المتعلّمين يهاجرون كلّ عام إلى الخارج في ظلّ غياب الظروف التي توفّر التنمية الأكاديمية والاقتصادية في بلادهم.
كما أنّه لم يتحقق الأمل بأن تحقّق الثورة الإسلامية المزيد من الحرية للأفراد. بعد الثورة، وعد النظام بأن يدمج القيم الدينية الإسلامية بالخصائص الديمقراطية الجمهورية. وخلال السنوات تقلّص أساس الشرعية للنظام وقوّته تعتمد أكثر فأكثر على قوة القمع والحرش الثوري. أصبحت “الديموقراطية الإسلامية” إلى حدّ كبير ثيوقراطية استبدادية يسيطر عليها رجال الدين وتقمع بقسوة كلّ تعبير عن المعارضة السياسية وكلّ نهج ينافس موقف رجال الدين.
على ضوء فشل النظام في تحقيق وعود الثورة، ازدادت الفجوة بين مؤسسات النظام والمؤسسات الدينية وبين الجمهور، وخصوصًا جيل الشباب. يبتعد الكثير من الشباب عن قيم الثورة ويتبنّى نمط الحياة الغربية، على الرغم من جهود السلطات في إيقاف ما يعتبرونه هجمة ثقافية من قبل الغرب. وقد صرّح مؤخرًا، وزير الإرشاد الإسلامي، علي جنتي، أنّ جهود السلطات فشلت في منع استخدام صحون الأقمار الصناعية المستخدمة من قبل الإيرانيين لمشاهدة البثّ التلفزيوني من الخارج، وأنّ أكثر من 70% من سكّان طهران يشاهدون البثّ التلفزيوني عبر الأقمار الصناعية. وأعرب إمام صلاة الجمعة في مدينة مشهد، آية الله سيد أحمد علم الهدى، عن قلقه إزاء ابتعاد المجتمع عن قيم الإسلام، وصرّح في الذكرى السنوية للثورة أنّ المجتمع الإيراني أسوأ ثقافيا الآن مما كان عليه قبل الثورة. وقد أشار مع أسفه، أنّ الشباب الإيرانيين يفضّلون مشاهدة أفلام السينما والاستماع إلى الموسيقى بدلا من الاشتغال بالقضايا الدينية.
إنّ الصعوبات التي تقف أمام القيادة الإيرانية لتحقيق أهداف الثورة واضحة ليس فقط في البلاد وإنّما في العالم العربي أيضًا. ترى إيران نفسها كدولة مهيّمنة في المنطقة وتتعامل على هذا الأساس. وفتحت التغييرات السياسية التي وقعت في السنوات الأخيرة في العالم العربي فرصًا جديدة أمام إيران لتوسيع نفوذها في المنطقة. أظهر قادتها التغييرات في العالم العربي على أنها تعبير عن الصحوة الإسلامية مستوحاة من الثورة الإسلامية وإنّ بداية التحوّل من شأنه أن يغيّر وجه المنطقة. ومع ذلك، فإنّه سرعان ما أصبح واضحًا، أنّ الوضع السياسي في العالم العربي معقّد أكثر ممّا قدّر الإيرانيّون، وأنّ قدرة الجمهورية الإسلامية بأن تكون قدوةً بالنسبة للعالم العربي هي موضع شكّ كبير.
كثّفت الانتفاضة في البحرين المخاوف لدى الدول العربية، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية ودول الخليج، بسبب النفوذ المتزايد لإيران وعمّقت عدم الثقة أكثر بينها وبين الدول العربية السُنّية. إنّ انتصار محمد مرسي في الانتخابات الرئاسية المصرية في حزيران 2012، والذي تم تلقّيه في البداية برضا كبير في طهران، سرعان ما تحوّل خلال وقت قصير إلى خيبة أمل للإيرانيين. تبيّن بعد بضعة أشهر من فوزه أن تعزيز قوة الإسلاميين لا يبشّر بتغيير في العلاقات الاستراتيجية بين إيران ومصر، وأن السياسة الخارجية التي اعتمدها مخالفة للمصالح الإيرانية.
وقد وضعت الحرب الأهلية في سوريا، الحليف الاستراتيجي الأهم لإيران في العالم العربي، أمام إيران التحدّي الأكبر. هدّد إضعاف النظام السوري بتقويض تماسك “معسكر المقاومة” الذي تقوده إيران. وفي الوقت الذي كثّفت فيه إيران عن تدخّلها في سوريا من خلال دعم نظام الرئيس الأسد، حوّلت حماس وجهتَها عن إيران وأعلنت عن دعمها للمعارضة السورية. على الرغم من أنّ الدعم الإيراني قد تمكّن في هذه المرحلة من الحفاظ على نظام الأسد، فليس هناك شكّ في أنّ تدخّل إيران العسكري جعلها تدفع ثمنًا كبيرًا. وقد تمثّلت خيبة الأمل الإيرانية من تغيير التوازن الاستراتيجي في الشرق الأوسط لصالحها مؤخّرًا من خلال كلمات رئيس “مجلس تشخيص مصلحة النظام”، علي أكبر هاشمي رفسنجاني، الذي صرّح بأنّ الصحوة الإسلامية تواجه “أيامًا سوداء” نظرًا إلى الأعمال المتطرفة في العالم العربي.
وفي الواقع، يبدو أنّ العداء لإسرائيل وللولايات المتحدة بقي العلم الثوري الأخير بيد النظام الإيراني. وقد أشارت بداية المحادثات المباشرة بين طهران وواشنطن إلى أنّه حتى في هذا الصدد هناك تراجع. وفي الواقع، لا يزال المرشد الأعلى، علي خامنئي، في موقفه الرئيسي الذي يمنع أيّ احتمال في تطبيق العلاقات مع الولايات المتحدة، ولكن حتى هو أًجبِر على السماح للرئيس بإجراء المفاوضات معها.
إنّ فشل الثورة لا يغيب عن أعين قادة النظام الذين يدركون الحاجة إلى تكييف الأيديولوجية الثورية مع مطالب الواقع والوقت. وقد يمنح اختيار الرئيس روحاني متنفّسًا للنظام وفرصة للرد الجزئي على المطالب الشعبية في التغيير. قد يساعد رفع العقوبات، تحسين الوضع الاقتصادي وإعفاءات معيّنة في مجال الحريات الفردية على المدى القصير في تعزيز النظام وتقليص الفجوة بين المؤسسات الحاكمة والشعب الذي يفضّل بمعظمه التغيير المتدرّج على تغيير ثوريّ جديد تكون عواقبه غير معروفة. وتفرض المشاكل الاقتصادية والاجتماعية إلى جانب التغيّرات الاجتماعية والديموغرافية التي تمرّ بها إيران شكّا كبيرًا حول قدرة النظام في أن يوقف مع مرور الوقت مطالب التغيير السياسية الكبرى. إنّ خيبة الأمل من الثورة قد تشكّل – عاجلا أم آجلا – تحدّيا كبيرًا أمام النظام، والذي تم تمثيل صورته بشكل جيد بواسطة الصورة المصنوعة من الكرتون لقائد الثورة؛ متصدّع وضعيف.