حصل أطفال اللاجئين السوريين الذين يقيمون في مخيّم الأزرق للاجئين في الأردن على شحنة هدايا مبهجة. وهي تشمل “صندوق الأفكار”، منظومة من عدة صناديق ملوّنة صمّمها فيليب ستارك، تمت تعبئته بنظام سينما منزلي، عشرة حواسيب، 25 آيباد، كتب إلكترونية وألعاب تركيبية. وقد بادرت إلى تقديم الهدية المخصصة لتخفيف الملل لنحو 18 ألف من سكان المخيم، جمعية “مكتبات بلا حدود” بالمشاركة مع السفارة الفرنسية في الأردن، ليس كبديل عن المساعدة في الغذاء والدواء وإنما انطلاقا من الاعتراف بأنّ الملل قد يكون خطيرا ويتسبب في اشتباكات بين سكان المخيم الذين يعيشون في الصحراء الشرقية للأردن دون وصول قريب إلى مراكز التعليم أو الترفيه.
يعيش نحو 85% من اللاجئين السوريين في الأردن في المدن وليس في مخيّمات اللاجئين. رسميا، لا يجوز لهم العمل، ولكنهم يسيرون ويسيطرون على العديد من قطاعات العمل ويستبعدون المواطنين الأردنيين من أماكن العمل. وفقًا لمعطيات منظمة العمل العالمية، ففي المدن الثلاث الكبرى التي يعيش فيها اللاجئون، عمان، إربد ومحافظة المفرق، ارتفعت نسبة البطالة في السنوات الأربع الأخيرة في أوساط السكان الأردنيين من 14.5% إلى 22.1%. أكثر من 30% من الأردنيين الذين عملوا في الماضي في الزراعة والبناء، لم يعودوا يعملون في هذه القطاعات حيث حلّ مكانهم لاجئون سوريون. فهؤلاء مستعدّون للعمل لساعات أكثر مقابل مال أقلّ، دون مزايا اجتماعية ودون تهديد بالإضراب.إنها لفتة لطيفة، ولكن الملل لا يوجد عادة في أذهان منظمات الإغاثة أو الحكومات التي تستضيف اللاجئين، فهي قلقة أكثر من كل تأثير اقتصادي واجتماعي يوجد في التجمّعات الكبيرة من اللاجئين في أراضيها. والأردن أيضًا ليس استثنائيًّا. عندما يشكّل نحو 680 ألف لاجئ سوري ونحو 30 ألف لاجئ عراقي قد فرّوا من تهديد تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) (بالإضافة إلى عشرات آلاف اللاجئين الذين لم يعودوا بعد إلى أوطانهم بعد حرب الخليج الثانية) أكثر من 10% من سكان البلاد – دون أخذ اللاجئين الفلسطينيين بالحسبان – فإنّ تفكّك النسيج الاجتماعي والاقتصادي الهشّ هو التهديد الرئيسي الذي يحوم فوق البلاد.
الأردن، مثل مصر، يعتمد على السعودية التي تعهّدت بمنحه مساعدة بمبلغ نحو مليار وربع المليار دولار
رغم أنّه يُسمح لأطفال اللاجئين بالتعلم في المدارس الأردنية، ولكنهم ينشئون بذلك ازدحاما كبيرا في الصفوف ممّا يُشعل استياء الأهالي الذين يطالبون بإيجاد حلول أخرى لأجلهم بحيث لا تأتي على حساب أطفالهم. تفرض الخدمات الاجتماعية مثل العيادات، جمع القمامة، الكهرباء والماء عبئا كبيرا على المملكة وتحدّ من قدرتها على تحويل الأموال لتطوير وتحسين رواتب موظفي الدولة. الأردن، مثل مصر، يعتمد على السعودية التي تعهّدت بمنحه مساعدة بمبلغ نحو مليار وربع المليار دولار وتساعد أيضًا الدول المانحة في تمويل استضافة اللاجئين. ولكن ذلك لا يكفي لتغطية عجز الموازنة الذي يُتوقّع، دون المساعدات، أن يبلغ هذا العام نحو 1.8 مليار دينار (نحو 2.5 مليار دولار).
هذه معطيات افتتاحية سيئة أيضا دون التهديد الأمني الذي يحيط بالبلاد تدريجيا. يعيد احتلال مدينة الرمادي في محافظة الأنبار في العراق من قبل الدولة الإسلامية وفرار الجيش العراقي من مواقعه في المحافظة، قوات داعش إلى مفترق الطرق رقم 1 و 10 المؤدي من بغداد إلى الأردن. رغم أن المسافة الجغرافية كبيرة بين الرمادي والحدود الأردنية، ولكن السيطرة على تلك الطرق الرئيسية تمنح الدولة الإسلامية القدرة على أن توقف بشكل مطلق حركة التجارة بين الأردن والعراق، حيث يقوم السائقون الأردنيون منذ شهور طويلة بالمرور إلى الخليج عن طريق السعودية بعد أن سيطرت داعش على الأجزاء الغربية من محافظة الأنبار.
يشكّل نحو 680 ألف لاجئ سوري ونحو 30 ألف لاجئ عراقي قد فرّوا من تهديد داعش أكثر من 10% من سكان الأردن
رغم ذلك، يحاول عبد الله، ملك الأردن، إقناع قطاعات الأعمال في العالم بأنّ الأردن لا يزال دولة آمنة للاستثمار، ولكن وحيث إنّ الحدود مع سوريا أيضًا مغلقة وتكلفة التسويق إلى الخليج قد قفزت بشكل كبير، يتقلص بحسب ذلك استعداد المستثمرين الأجانب للوصول إلى الأردن. تراجع الاستثمار الأجنبي من نطاق استثمارات بقيمة 3.1 مليار دولار عام 2006، إلى نحو 1.5 مليار للعام في السنوات الأربع الأخيرة وأماكن عمل أقل وتوتّر اجتماعي أكثر يشكل دلالة على ذلك.
تراجع الاستثمار الأجنبي في الاردن من نطاق استثمارات بقيمة 3.1 مليار دولار عام 2006، إلى نحو 1.5 مليار للعام في السنوات الأربع الأخيرة
مثال على ذلك قدّمته مؤخرا مدينة معان الجنوبية، التي تطوّرت فيها مظاهرات ضدّ الشرطة والقوى الأمنية على خلفية قتل شاب من قبل الشرطة. عملت القوى الأمنية، التي أظهرت عضلاتها في السنة الأخيرة ضدّ كل علامة على اختراق الهدوء، بعنف غير مسبوق في المدينة القبلية التي كانت قد تظاهرت في الماضي ضدّ الأسرة المالكة والتي رفع فيها أنصار داعش رايات التنظيم.
وقد أظهرت صور انتشرت في الشبكة منازل مهدّمة ومواطنين منهكين، حتى فهم الملك عبد الله بسرعة أنّ هناك حاجة إلى استجابة عاجلة من أجل تهدئة النفوس. وبشكل غير مسبوق قدّم وزير الداخلية، حسين المجالي، استقالته والتي سارع الملك إلى قبولها، ولاحقا قام بإقالة قائد الدرك وقائد الأمن العام. وهذه بالتأكيد ليست الاستجابة الطبيعية، خصوصا عندما يُعتبر المقالون من مقرّبي الملك. ولكن عندما يكون العصيان المدني على المحكّ، لم يكن هناك مناص من خطوة كبيرة كهذه.
ضجيج المرارة ليس جديدا ولكنه يزداد قوة، وكما قال صحفي أردني لصحيفة “هآرتس”، “لو كنا نستطيع الكتابة عمّا يفكّر الناس حقّا والكشف عن الظروف القاسية التي يعاني المواطنون الأردنيون منها، لاندلعت فعلا انتفاضة شعبية عندنا. ولكن أحدا لا يجرؤ على الكتابة”. وفقا لتقرير مركز حماية حقوق الصحفيين في الأردن، فإنّ هناك على الأقل 90% من الصحفيين يخشون من انتقاد الملك وأسرته، والكتابة عن تصرفات البلاط الملكي أو الجيش. “الرقابة الذاتية أقوى من الرقابة الرسمية”، كما قال الصحفي الأردني لمعدّي التقرير، “الصحفيون يعملون كمراقبين بدلا من موظفي الحكومة”. وفقا لقانون النشر الأردني، فإنّ فتح مواقع الإنترنت أيضًا ليس أمرا سهلا ويجب الحصول على رخصة مقابل افتتاح المواقع بعد أن أغلقت الحكومة أكثر من 290 موقعًا.
بحسب مصادر في الأردن فإنّ التعاون العسكري بين الأردن وإسرائيل عميق جدّا ويتجاوز مسألة حماية الحدود، وهو يتعامل مع السيناريوهات المحتملة للردّ في حال تقدّم داعش
“على الرغم من أننا نعيش فترة توتر وترهيب”، كما يقول الصحفي الأردني، “ولكننا لا نستطيع الاعتماد على أنّ الحكومة قادرة على ضمان سلامة المواطنين في حال قرّرت داعش التوجّه نحو الشرق. لقد رأينا ماذا جرى في العراق وسوريا، ورغم أنّنا نثق بالجيش، فلا يوجد حوار عام بين الأسرة المالكة والمواطنين”، كما يشكو.
وبحسب تقديرات المخابرات الأردنية فليس في نيّة داعش التقدّم نحو الحدود الأردنية، ولكن رغم ذلك يُشغّل الأردن وسائل خاصة على طول الحدود الشرقية والشمالية مع سوريا من أجل تعقّب أي حركة للقوات. وقد طلب الأردن من الولايات المتحدة مؤخرا أن يزوّدها بطائرات دون طيار قتالية، كي يستطيع أن يتعقّب من الجوّ وأن يُحبط محاولات اقتراب داعش، ولكن بحسب ادعاء الأردنيين، فإنّ إسرائيل تعارض ذلك بشكل غير معقول والولايات المتّحدة التي رفضت سابقا طلبا مماثلا، تدرس الآن فقط إقراض طائرات دون طيار كتلك للجيش الأردني.
ولا يفهم الأردن، الذي تدرّب على أراضيه مقاتلون من قوات الثوار السوريين، بل وشارك بشكل فاعل في الهجوم الجوي ضدّ داعش والذي فقد في إحدى هجماته الطيار معاذ الكساسبة، والذي أُحرق حيّا من قبل داعش، لماذا توقف إسرائيل بيع الطائرات دون طيار. “لا يهمّ السبب، ففي كلّ مرة ترغب دولة عربية بشراء سلاح تعترض إسرائيل”، كما قال الجنرال والطيار المتقاعد محمود أرديسات.
وقد سارعت الصين إلى الدخول لهذا السوق وقد يشتري الأردن منها الطائرات دون طيّار التي يحتاجها. وذلك عندما نُشر قبل عامين بأنّ الأردن يسمح للطائرات الإسرائيلية دون طيار بالتحليق فوق أراضيه لمسح التطوّرات في سوريا. نفى الأردن هذا التقرير ولكن وبحسب مصادر في الأردن فإنّ التعاون العسكري بين الأردن وإسرائيل عميق جدّا ويتجاوز مسألة حماية الحدود، وهو يتعامل مع السيناريوهات المحتملة للردّ في حال تقدّم داعش. هذه هي طبيعة المفارقة المحيّرة التي أنشأتها العلاقة بين الأردن وإسرائيل.
نشر هذا المقال على صحيفة “هآرتس”