نتنياهو لا يأبه للمعارضة السياسية في إسرائيل بالدرجة التي يخشى منها من البرنامج الساخر المعروف في إسرائيل، “إيرتس نهديريت” أي “بلاد رائعة”. طبعا همّ البرنامج هو العكس تماما، ليس إظهار ما هو رائع في إسرائيل، وإنما تسليط الضوء على كل ما هو ليس رائعًا. وليس هناك مادة أفضل للسخرية مثل السياسيين والحكومة والشخصيات النافذة في المجتمع الإسرائيلي.
وقد ختم البرنامج الساخر، يوم الأربعاء، موسمه ال13، وتناولت الحلقة التي عرضها البرنامج فقرة خاصة عن واقع القتال الذي يدور منذ انطلاق نشاطات “مسيرة العودة الكبرى” بين إسرائيل بأسلحتها الحديثة الباهظة، وبين حركة حماس في قطاع غزة بأسلحتها البدائية، لا سيما الطائرات الورقية الحارقة. والمفارقة التي تظهر من المقطع الهزلي، والتي لا تخلو من الحقيقة، هي أن إسرائيل تنفق أموالا طائلة لتصد هجمات تكلّف الغزيين القليل. أي أن التفوق له ثمنه.
وكما هو معروف، لكي تتعرف على أي مجتمع على نحو عميق يجب معرفة حضارته وثقافته وليس فقط سياسته، وبرنامج “بلاد رائعة” خير مدخل لمعرفة الثقافة والحضارة الإسرائيلية، خاصة أنه البرنامج الترفيهي الأهم على التلفزيون الإسرائيلي..
نتنياهو تحت القصف دائما
تعاني الديموقراطية الإسرائيلية من مشاكل عديدة ولسنا بصدد الحديث عن ذلك، لكن ثمة شيئا واحدا يؤكد أن الديموقراطية في إسرائيل حقيقة وقوية وذلك بالنظر إلى حرية التعبير عن الرأي، وانتقاد الحكومة ومن يرأسها بأقسى العبارات. فكل حلقة في برنامج “بلاد رائعة” تعدّ بالنسبة لنتنياهو ولزوجته عناء شديدا، لأن الانتقادات ضدهم خالية من الرحمة. التحقيقات ضد نتنياهو وشخصيته المراوغة والمحتالة، كلها مادة دسمة للسخرية في البرنامج. حتى أن نتنياهو تحوّل إلى شخصية ثابتة في البرنامج.
“ماذا سنفعل بعد بيبي (بنيامين نتنياهو) وسارة (عقيلة نتنياهو) وريغيف (ميري ريغيف، وزيرة الرياضة والثقافة في إسرائيل)؟ الواقع معهم صعب لكنهم يشكلون مادة دسمة للسخرية في برنامجنا” يقول المحرر الرئيس للبرنامج، الكاتب مولي سيغيف، والشخص المسؤول عن نجاح البرنامج.
“مرة تحدثت مع بيبي وقلت له: حقق السلام للشعب الإسرائيلي وأعدك أن أترك كل شيء وأصبح كاتب خطاباتك. لكن بيبي بدل السعي وراء السلام فعل العكس” يقول سيغيف، الذي يصف رئيس الحكومة الإسرائيلي بأنه ذكي وبارع بلا شك، إلا أنه يستغل ذلك من أجل زرع التفرقة في المجتمع الإسرائيلي والتحريض ضد الإعلام وجهاز القضاء وذلك ليحافظ على شعبيته في ظل التحقيقات ضده.
“بلاد رائعة” أم “برنامج رائع”
البرنامج الساخر بدأ طريقه عام 2003 وكان تجريبيا في بداية الأمر حتى اتضح أنه يشمل المكونات التي يحبها الإسرائيليون ليصبح من البرامج الأكثر تأثيرا في إسرائيل. الفكرة مشابهة لبرامج ساخرة معروفة في العالم، “ساتيردي نايت لايف”، و “الديلي شو”. والنموذج هو تقديم نشرة إخبارية تعالج المواضيع الملحّة في الأسبوع الفائت عبر الشخصيات التي صنعت الأحداث وكانت الأهم. ويشارك فيه ممثلون معروفون في إسرائيل، كلهم ينتمون إلى المسرح الساخر.
ويوضح المحرر الرئيس للبرنامج في مقابلات قدمها في السابق للصحف الإسرائيلية أن الخط السياسي الذي يوجهه هو: “الانفصال عن الفلسطينيين والسعي لتحقيق السلام، ومعارضة فرض الدين في الحيز العام”. ويضيف: “همنا الحقيقي هو ما يجري في المجتمع الإسرائيلي في الداخل، من غلاء معيشة وخدمات صحية وأزمات مرورية”.
“لا ننتمي إلى التيار “ما بعد الصهيونية” ولسنا بصدد تقديم عظات للمجتمع الإسرائيلي، إنما يهمنا طرح الواقع في إسرائيل كما نراه. نحرص على انتقاد اليمين واليسار كذلك” أضاف.
طبعا الهدف الأساسي للبرنامج الترفيه والإضحاك، ولا شك أن معظم الإسرائيليين سيوافقون على أن البرنامج يحقق هذا الهدف. لكن الجانب القوي للبرنامج أصبح النقد اللاذع ضد حكومة نتنياهو ونتنياهو نفسه، واللافت أن هذه الانتقادات لم تضرّ بنسب المشاهدة للبرنامج، بل العكس، ما زال البرنامج الأكثر مشاهدة في إسرائيل.
البرنامج يتعرض لانتقادات شديدة من اليمين
يتهم اليمين في إسرائيل البرنامج بأنه يساري بامتياز، وأن حصة الانتقاد الموجهة لليمين في حلقات البرنامج أكبر بكثير من حصة اليسار. ويرد سيغيف على ذلك: “تعرضت لانتقادات شديدة من سياسيين في الشق اليميني، اتهموا البرنامج بأنه يساري التوجه ويخصص معظم فقراته لانتقاد ساسة اليمين مثل نتنياهو، وريغيف، وبينيت.. ووصلت الانتقادات حد وصف البرنامج بأنه “معادي للسامية” أو كما وصفه وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان “زمرة زعران””.
“الانتقادات لم تلحق بنا الضرر من ناحية نسب المشاهدة.. المجتمع الإسرائيلي ما زال يشاهدنا، الإسرائيليون لم يقتنعوا بادعاء اليمين بأن انتقاد رئيس الحكومة الإسرائيلي يعني أنك خائن” يوضح المحرر الرئيس للبرنامج.
ويتابع “الدليل أن اليمين يتقبلنا هو أننا لم نشهد تراجعا حادا في نسب المشاهدة بعد عرض حلقات زاخرة بالانتقاد لرئيس الحكومة وسياسة اليمين.. المشاهد الإسرائيلي يدرك أننا ننتقد من منطلق المسؤولية والاهتمام وحب الدولة وليس الكراهية، وهذا هو سبب بقاء الجميع معنا”.
مرآة للمجتمع الإسرائيلي
“الضحك طريقة للتعامل مع مخاوفنا في الحياة” يقول سيغيف. وهدف البرنامج بالمقام الأول الإضحاك. وهو لا يخشى أن يخوض في مسائل موجعة وقاسية بصورة هزلية. ففي أحد فقراته يُظهر تعامل زوجين إسرائيليين مع مرض السرطان، لكن المشاهد بدل أن يبكي بمتابعة أحداث الحلقة يضحك، وذلك لكثرة المواقف الظريفة التي يقوم بها الزوجان في المستشفى وكذلك بينهما.
فقرة أخرى من البرنامج حققت نجاحا كبيرا كانت تقليدا ل “العائلة الإسرائيلية السطحية”. هذه عائلة مكونة من زوجين حالتهما الاقتصادية “فوق الريح” كما يقال بالعامية، ولديهما طفلان. وتمثل هذه العائلة عائلات إسرائيلية كثيرة تملك المال الذي يمكّنها من امتلاك أي شيء عدا الذكاء. فمثلا ترى الأب يعطي ابنه 100 دولار لينظف غرفته معتمدا على ذلك كوسيلة للتربية.
والمضحك أن الهم الأول لهذه العائلة التي تعكس حقيقة إسرائيلية خاصة في وسط البلاد، هو الحياة الهنيئة والمحافظة على الرشاقة والجمال وتبنيّ أي موضة جديدة من عالم الصحة والأزياء لكن هذا كله لا يغطي على غباء العائلة وسطحيتها اللغوية والفكرية.
والبرنامج لا ينسى أحدا في المجتمع الإسرائيلي الذي يضم أقليات تميّز هذا المجتمع مثل: المتدينين المتشددين، والعرب والأثيوبيين وغيرهم. فلهؤلاء جميعا نصيب في البرنامج. ففي الحلقة الأخيرة ظهر تقليد للوزير الدرزي أيوب قرا، وزير الإعلام، يصوّره على أنه دمية في يد نتنياهو، والآن أصبح المفضل لديه بعد المتاعب التي سببتها الوزيرة ميري ريغيف واتهامها من قبل اليمين أنها السبب وراء إلغاء وصول المنتخب الأرجنتيني للبلاد.