تطرّق وزير العُلوم يعقوب بيري هذا الصباح إلى وقف إطلاق النار مع حماس. “لم ينتهِ الأمر”، قال بيري، مضيفًا: “لم تَنْتَهِ العمليّة. لا أظنّ أنه يجب التحدّث عن انتصارنا، بل يجب القول إننا حقّقنا الأهداف التي وضعناها نُصب أعيننا. فتدمير 32 نفقًا هو إنجاز غير اعتياديّ”.
حسب قوله، “نتجت هنا ثغرة لا لاستئناف المفاوضات فحسب، بل لاتفاق أو مؤتمَر إقليميّ يستهلّ على الأقلّ النقاش حول نهاية الصراع”.
وهنّأت رئيسة ميرتس، النائب زهافا غلؤون، بوقف إطلاق النار، الذي سرى مفعوله صباح اليوم (الثلاثاء) وبقرار إسرائيل الانضمام إلى المفاوضات في القاهرة بهدف التوصُّل إلى هدنة ثابتة بين الجانبَين. “ليست لديّ أوهام، فحماس لن تُصبح من مُحبّي إسرائيل، لكن إذا كان هناك شعور بوقف الاختناق في غزة ودعم العناصر المعتدلة في السلطة، ومُنح أبو مازن حدًّا أقصى من الإنجازات، أظنّ أنه يمكن إنتاج واقع جديد يُنتج رافعات ضغط على حماس”، أضافت في تصريح للإعلام الإسرائيلي حول وقف إطلاق النار.
يرى محلّلون وعسكريّون إسرائيليون بارزون يحلّلون الوضع في غزة من ناحية استراتيجية ومستقبل توازُن القوى والردع في الوضع السياسي الناشئ عن القتال الضاري بين إسرائيل وحماس، مساحة واسعة للمصالح المشترَكة بين الدول العربية وإسرائيل.
فقد كتب المحلّل الرئيسي لصحيفة “هآرتس” هذا الصباح أنّه “يتّضح أنّ الميل لتقسيم الدول الإقليمية بين داعمين لحماس ومعارضين لها، ووضع تركيا في هذا التقسيم ضمن محور “الأشرار” والسعودية ضمن “الأخيار”، يحتاج إلى إعادة تقييم. من المعلوم أنّ تركيا والسعودية هما خصمان مريران في كلّ ما له صلة بحماس. ترى السعودية، شأنُها شأن مصر، في الإخوان المسلمين وفروعهم مثل حماس، أعداء يزعزعون “النظام العربي” التقليدي. لكن في الوقت نفسه، يتعاون البَلَدان ضدّ نظام بشّار الأسد في سوريا؛ فتركيا تسمح للمعارضة السوريّة، العسكرية والسياسية، العمل بحريّة في أراضيها ومنها، فيما تموّل المملكة العربية السعودية جزءًا لا بأس به من عمليّات تلك المعارضة. سبق أن تلقّت السعودية ضربة قاسية من حماس، حين انهارت خطّة المصالحة التي عرضتها عام 2007 ووقّعتها فتح وحماس، فور التوقيع عليها”.
تعرّضت قطر في الأسبوعين الماضيَين لكمٍّ كبير من الاتّهامات من إسرائيل، لدرجة وصفها بأنها دولة داعمة للإرهاب. لكنّ قطر، التي أوعزت عام 2009 إلى المندوب الإسرائيلي بمغادرة أراضيها، واصلت نسج علاقات مباشرة، وحتّى علنيّة، بمندوبين إسرائيليين بارزين. حتّى إنها أعلنت أنها على استعداد لاستئناف العلاقات الدبلوماسية إذا جمّدت إسرائيل البناء في المستوطنات.
يقدِّر محلِّلون إسرائيليون أنّ حماس ليست منظمة استراتيجية في وسعها التأثير على سياسات دُول عربيّة تجاه إسرائيل أو تجاه دول أخرى. وهي مُضطَرّة إلى إيجاد البيئة الملائمة لها حتّى إذا كانت هذه دولة شيعيّة مثل إيران، دولة حليفة للأمريكيين مثل قطر، أو دُولًا غير عربية مثل تركيا وماليزيا، والاستناد إلى تبرّعات دُوَل أوروبيّة. حتّى المصالَحة مع فتح وإقامة حكومة الوحدة الفلسطينية هما جزء من الاضطرارات التي قد لا تنسجم مع أيديولوجيتها النقيّة، لكنهما تُتيحان وجودها العسكريّ والسياسيّ. في الوقت نفسه، بشكل خاصّ لأنّ حماس أصبحت مركز جذب لرافعات تأثير دولية بسبب مواجهاتها العسكريّة مع إسرائيل تحديدًا، يمنح هذا إسرائيل فرصة لبناء قاسم مشترك مع دول عربيّة وغير عربيّة على خارطة دعم حماس أو معارضتها.
هكذا على سبيل المثال، وجدت إسرائيل نفسها مقيّدة مع مصر، وكذلك السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، في خندق معارَضة حماس. وأصبحت تركيا، التي تدهورت علاقاتها مع إسرائيل منذ عملية “الرصاص المسكوب”، بسبب معارضة رئيس الحكومة آنذاك إيهود أولمرت، طلبها الوساطة بينها وبين حماس، عَدُوًّا. لكنّ هذه منظومة هشّة وغير ثابتة يمكن أن تنهار فور انتهاء القتال في غزة.