هل انتهى عصر “الزعماء الروحانيين”، الذين ينشطون على المحور الديني – السياسي، ويستخدمون صلاحيتهم الروحانية للتأثير على الواقع السياسي، وبالمقابل قوتهم السياسية للحفاظ على المكانة الدينية؟
اعتمادا على الأسبوع الماضي في إسرائيل، يبدو أن الإجابة إيجابية..
يحتج الدروز في إسرائيل ضد “قانون القومية” الذي صادقت عليه حكومة نتنياهو، والذي ينص على أن إسرائيل دولة الشعب اليهودي، بعد أن شعروا، إلى جانب أقليات أخرى في إسرائيل، أن القانون يمس بهم. ويحظى احتجاج الدروز بدعم واسع بين اليهود، لأنهم يخدمون في الجيش، ويساهمون في الدولة بطرق شتى. الأحزاب اليسارية المعارضة لنتنياهو انتهزت الفرصة واستخدمت النضال الدرزي لتجنيد الرأي العام الإسرائيلي ضد القانون، فأدرك نتنياهو أنه يواجه مشكلة سياسية وجماهيرية، وفعل ما فعله زعماء الدولة منذ إقامتها – طلب التحدث مع “زعماء الطائفة” في محاولة حل المشكلة معهم.
وقالت جهة مسؤولة شاركت في الجلسة بين نتنياهو وقيادة الدروز إن نتنياهو أمر رئيس طاقمه، يوآف هوروفيتس، أن يستجيب لكل مطالب الدروز، فيما عدا مطلب واحد وهو تغيير قانون القومية. فخرج ممثلو الطائفة الدرزية من مكتب رئيس الحكومة وبيدهم انجازات كثيرة تضمنت قانونا خاصا لتسوية مكانتهم، وعددا من الامتيازات الأخرى، ولكن دون إجراء تغيير هام في قانون القومية الذي أدى إلى الاحتجاج. من جهته، قال طريف إن الحديث يجري عن إنجازات تاريخية للطائفة الدرزية في إسرائيل، ولكن أعلن جزء من زعماء الاحتجاجات، الذين يمثلون الشق اليساري أكثر، أن التظاهرة الكبيرة المزمع إجراؤها يوم السبت مساء ستجرى في تل أبيب.
في الواقع، إنها المرة الأولى تقريبا في تاريخ الدروز في إسرائيل التي يشد فيها زعيم الطائفة في اتجاه بينما تشد شخصيات درزية بارزة في اتجاه مغيار.
تقلد الشيخ طريف، ابن 55 عاما، منصبه الزعيم الروحي للطائفة الدرزية في إسرائيل، خلفا لجده من ناحية والدته، الشيخ أمين طريف الذي لم يكن لديه أولاد. شارك في جنازة طيب الذكر أمين طريف الذي توفي في عام 1993، رئيس الدولة حينذاك، عيزر فايتسمان، ورئيس الحكومة رابين، وبالمقابل، جرت مراسم حداد لذكراه في سوريا ولبنان أيضًا.
كانت حياة الجد الشيخ أمين طريف أسهل من حياة حفيده، رغم الصعوبات في قيادة أقلية درزية في الدولة اليهودية. في فترة الجد، كانت الأمور واضحة أكثر – الدروز يخلصون لدولة إسرائيل كما يخلص الدروز في سوريا للدولة. بالإضافة إلى ذلك، لم تواجه الطائفة تحديات من جهة الشبان في شبكات التواصل الاجتماعي وطبعا كان العالم العربي مستقرا نسبيًّا. أما للشيخ موفق طريف، فعليه أن يواجه هذا الأسبوع التظاهرة الأكبر للدروز في إسرائيل حتى اليوم، والتراجيديا الكبرى في سوريا، حيث قُتِل أكثر من 200 درزي في السويداء. لهذا، ليس من المثير للدهشة أن الشيخ موفق طريف يفضل، كسائر الزعماء الحذرين والمحافظين، العيش بسلام مع السلطات الحاكمة، حتى مقابل ثمن معين، وهو لا يسرع نحو تشجيع التظاهرات المدنية التي لا يُعرف كيف ستنتهي.
ولكن في الأيام الأخيرة، التي سطع فيها نجم التظاهرات الدرزية في شاشات التلفزيون وأعمدة الصحف الإسرائيلية، تألق نجوم جدد عبر الشاشات ويبدو أنهم في بداية سيرة سياسية جديدة. أوضح هؤلاء النجوم أمس أنه رغم الاتفاقات التي توصل إليها الشيخ موفق طريف وآخرون مع نتنياهو، فهم يخططون لمتابعة الاحتجاج: “اقترح رئيس الحكومة عبر موظفين في مكتبه اليوم على الزعماء الدروز وقف الاحتجاجات ضد الإهانة التي تعرضوا لها وحدثت في الأسبوع الماضي”.
كتب في الفيس بوك أمل أسعد، من المسؤولين عن التظاهرة “ابتكر نتنياهو اختراعا جديدا – إذا بقيتم مهانين وهادئين ربما ستحصلون على امتيازات ما. قد ينجح ذلك، فربما لم يعد يتحلى الدروز بالاحترام والفخر. قد تجد الإهانة الجديدة آذان صاغية”.
أسعد ليس المعارض الوحيد فحسب، بل هناك دروز كثيرون يرفضون الحل الذي توصل إليه الشيخ موفق طريف وهم ينوون المشاركة في التظاهرة في نهاية الأسبوع. في الوضع هذا، يبدو أن الفترة التي كانت فيها القيادة الدينية والقيادة السياسية متماهية ولّت من العالم.