تحديدًا، حين تدوّي القذائف، يجب التفكير في المستقبل- والعمل بموجب أقوال وزير الخارجية ليبرمان، أنه يجب التخلص من حماس وإبعادها من المنطقة. إن كنا نفكر في المستقبل بجدية، يجدر بنا اتخاذ بعض الافتراضات الأساسية:
الافتراض الأول أن هذه الحملة ستستمر قدر ما يتطلب كي يلتزم الجانبان، وحماس خاصة، بمحاولة إيجاد واقع جديد مختلف عما عرفناه حتى الآن. الشروط الاستراتيجية تلائم ذلك. لا يكترث العالم والمنطقة تمامًا، والقبة الحديدية تعمل عملا ممتازًا، والمواطنون عاقدو العزم، وكل هذه العوامل تمنح إسرائيل حيّز للتصرف كما يتطلب كي تصنع ركيزة لواقع جديد.
الافتراض الثاني أن سلطة حماس في غزة أقل سوءًا من أي إمكانية أخرى. إن الأيديولوجية المتطرفة لحماس حقّا غبية، عدوانية وظالمة. لكن من بين كل الخيارات المطروحة على الطاولة- السيطرة الإسرائيلية المباشرة على مليون ونصف فلسطيني؛ سلطة فاسدة وغير فعالة لأعضاء فتح؛ الفوضى في المناطق التي يمتلك أي شخص كان قذيفة؛ وحكم حماس، على غبائه وعدوانيته- كل عاقل يجب أن يفضّل حماس.
الافتراض الثالث أن إسرائيل تسعى لتحصل في النهاية على اتفاق سياسي مع الفلسطينيين، ومن المُستحسن أن يشمل الاتفاق أيضًّا قطاع غزة، أفضل من وضع يكون فيه حل مع السلطة في الضفة، ويبقى القطاع منطقة تشكل إشكالية. ويُستحسن إيجاد حل طويل الأمد للأزمة في غزة، يمكنه من الدفع قُدُما بحل سياسي شامل .
وينتج عن الافتراضات الثلاثة، الهدف المطلوب لإسرائيل في دائرة القتال الحالية: إنشاء وضع استراتيجي جديد، يحفظ سلطة حماس لكنه يمنع هجماتها على إسرائيل ويبني أساسًا للتقدم السياسي مع السلطة الفلسطينية.
كي يُحقق هذا الهدف من المهم أن نفهم أنه لا يمكن إجبار حماس على الرضوخ دون شرط. سيضعف رضوخ مثل هذا مركزها كثيرًا، وسيعرّضها فجأة لمواجهة المجموعات الأكثر تطرفًا- تلك التي تدعم الجهاد الإسلامي، القاعدة، بل وداعش. ربما ننجح حقًا في تحقيق فترة ما من الهدوء، لكننا سنزيد من احتمال قيام الفوضى في القطاع، وستضطر المخابرات الإسرائيلية إلى ملاحقة عشرات فلول المنظمات، أو الدخول إلى القطاع والسيطرة عليه، وهو ما يفهمه أفيغدور ليبرمان ونفتالي بينيت أنه معضلة شديدة (حسنٌ، ربما ليس نفتالي بينيت. فلكل مطالبة حدٌّ).
يجب، حسب ذلك،إجراء اتفاق يمنح حماس إنجازات ما، ويعطي سكان غزة الراغبين في السلام نافذة أمل. كي يتم اتفاق كهذا يجب أولا فهم ما يريده كلا الجانبين.
طلبات إسرائيل واضحة: بادئَ ذي بدءٍ، إيقاف إطلاق القذائف لمدة طويلة الأمد، وكذلك إيقاف حفر أنفاق للهجمات ومحاولات الخطف والتخريب في مناطقنا. كي يتحقق ذلك، كما ذُكر أعلاه، يتطلب الأمر جهة قوية وسلطة صامدة.
ماذا تريد حماس؟ اليوم، بعد عقد مرير من المواجهات القتالية مع إسرائيل، يسعى قوّادها أولا وأخيرًا إلى استمرار السيطرة على قطاع غزة، إزالة الحصار الاقتصادي، وإطلاق الأسرى القابعين في السجون الإسرائيلية. من المفهوم ضمنًا أنهم معنيون أيضًّا بالتلويح ببطاقة التعريف- مقاومة الاحتلال الصهيوني- لكن بهذا الخصوص، سيسعدون بتبديل الصواريخ بالعبارات.
ينبغي أن يفي الاتفاق المقترح بمتطلبات الجانبين قدر الإمكان، وعلى ضوء ذلك أقترح المخطط التالي:
1. أن تبادر إسرائيل إلى بدء المفاوضات مع أبي مازن، الذي يمثل لإسرائيل كل المصالح الفلسطينية، حتى في غزة. هذا الطلب يتوازى مع حكومة الوحدة الوطنية التي اتفقت عليها فتح وحماس. من ناحية إسرائيل، لن يحدث أي اعتراف بأي تنظيم كممثل لهيئة سياسية، لا حماس، لا فتح، وطبعًا لا الجهاد ولجان المقاومة على أنواعها. ولكن، ستمثل السلطة الفلسطينية الجميع.
2. سيعلن رؤساء حماس على الملأ أنهم يدعمون اتفاق حكومة الوحدة ويعترفون بسلطة أبي مازن. ستلتزم السلطة بنزع الصواريخ من القطاع، إيقاف حفر الأنفاق تمامًا، وفتح المنطقة للمراقبة الدولية الجارية.
3. في حال الحفاظ على التهدئة التامة لمدة ستة أشهر، ستبدأ إسرائيل بإزالة الحصار الاقتصادي عن غزة تدريجيًّا: أولا مرور السفن لميناء غزة بعد مراقبة القوات البحرية، وبعدها حركة ملاحية حرة مع مراقبة فجائية (تبلّغ إسرائيل رسميًّا بكل سفينة في طريقها نحو غزة). سيُطلب من مصر فتح حدودها مع القطاع. الشرط الوحيد الذي ستضعه إسرائيل- حظر نقل الأسلحة وإنتاجها. سيُلغي كل إنتاج ونقل للأسلحة باستثناء الأسلحة الخفيفة الاتفاق.
4. قوة مصرية – أردنية مشتركة لمراقبة الأوضاع في غزة. إن أرادت قطر المساهمة في القوات، ستُوقّع إسرائيل وقطر اتفاق سلام بينهما.
5. ستتبنى تركيا وقطر المسؤولية عن الترميم الاقتصادي للقطاع. أما إسرائيل فستساعد على ذلك.
6. ستستمر إسرائيل في جمع المعلومات الاستخبارية بحرّية من المجال الجوي لقطاع غزة، لكنها ستلتزم تمامًا بإيقاف الاستهداف المقصود.
7. كل خرق للسيادة الإسرائيلية، التي ستعرّف تعريفًا قطعيًّا (مع ترك حيّز للأعمال الفردية التي لا يمكن السيطرة عليها، مثل تلك التي تحدث من جهة الأردن ومصر) سيجعل الاتفاق لاغيًا.
8. تعبيرًا عن حسن النية، ستُطلق إسرائيل مع توقيع الاتفاق ستين أسيرًا.
9. في حال استمرت التهدئة حتى سنة، ستبدأ إسرائيل بإطلاق أسرى حماس وباقي المنظمات تدريجيًّا. سيكون إطلاقهم مشروطا بحفظ الاتفاق. تنظر إسرائيل إلى نقض الاتفاق، مثله مثل نقض شروط تسريح الأسرى ويستدعي عودتهم للسجن.
نُشر المقال للمرة الأولى في موقع Can Think