يمر عصر تلقي الأخبار بتغييرات بعيدة المدى. على الأقل، في إسرائيل، لا يتوقف التلفاز عن بث الأخبار والتحديثات الجارية من حرب غزة. الأستديوهات مملوءة بالمحللين والكاتبين الذي يراسلون من الميدان: عن كل عملية ضدّ حماس، عن كل نفق يُكشف، عن كل محاولة تخريبية، عن كل قذيفة يتم اعتراضها، وعن كل عملية معالجة للوضع أو غيرها قد نفّذها سلاح الجو في غزة.
لكن، يُظهر فحص دقيق للطريقة التي يتلقى بها الإسرائيليون الأخبار أن هذا البث التلفزيوني المفتوح يتحوّل إلى أقل فأقل ذي صلة بالواقع. تُبث دون توقف، تقارير مترددة، أخبار غير مؤكدة، وأنصاف أكاذيب في نشرات الأخبار، ولكن يحصل المشاهدون على إجابات في تغريدات التويتر، الواتس آب، المدونّات والفيس بوك. تكشف الأزمة الحالية عن حال الإعلام المؤسسي، الذي يتبع اعتبارات نسب المشاهدة، والآخذ بفقدان ثقة المشاهدين.
إحباط موجه للواتس آب
سبقت الحملةَ الحالية على غزة حملةُ إحباط في الواتس آب. لقد نشر مستخدمو الشبكة الاجتماعية الخلوية المغلقة إشاعات مفادها أن المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغّر للشؤون الأمنية والسياسية، قد قرر تجنيد 4,000 جندي احتياط والانطلاق في حملة عسكرية على غزة. لقد أعلن الإعلام أن هذه إشاعة كاذبة ورسالة غير صادقة. في بعض الحالات، نُقل عن “الشرطة” أو “جهات عسكرية” إنكار لذلك. لم يخرج الجيش للحملة فقط، بل إن الاسم الذي ذُكر “في الإشاعة الكاذبة” كان دقيقًا. لقد تبيّن أن الشرطة والجيش ينشران معلومات خاطئة، واتضح أن الإعلام المؤسسي فارغ المضمون، وبالمقابل، يشكل الواتس آب “مصدرًا موثوقًا” للمعلومات التي لا تريد المؤسسة أن يعرفها المواطنون.
لا يصدّقون أحدًا
وها هي ظاهرة أخرى تلقي بظل ثقيل على مصداقية الإعلام المؤسسي: يجد اليمين واليسار، اللذان يتصادمان في الأشهر الأخيرة في الشبكة بصدامات قوية، مقامًا مشتركًا في الصورة المتشككة لعدم تصديق أية كلمة تصل من الجهات العليا.
في تعميم فظ، يشكك اليمين في الإعلام اليساري، وكما يشكك اليسار في الجهات الأمنية مثل الجيش والشرطة ولا يصدّق الجانبان السياسيين. تتوارد وتصل كل هذه المعلومات إلى التلفاز. إذًا، من سيستضيف مقدمو الأخبار في البرامج المختلفة التي تغطي الحرب؟ غالبًا، سيكون أولئك سياسيين مع أجندات سياسية معلنة، محللين يساريين، محللين يمينيين، مختصين في شؤون عسكرية ومتحدثين باسم الجيش.
يميل كل محلل أو مختص مثل هذا، إلى ما يلائم توجهه، وفي النهاية يُبنى انطباع خاطئ أن الحديث عن جهات ليس لديها هدف إلا التأثير على التقارير الخام التي تصل من الميدان، بينما يبدو الواقع مختلفًا، وتزوّد صفحات الفيس بوك، تويتر، والواتس آب معلومات أخرى “قريبة أكثر للحقيقة”.
في بيئة اتصال مترابطة سريعة ومباشرة بين المواطنين، تقع الجهات الحكومية ووسائل الإعلام مرة بعد أخرى في الأخطاء، العثرات، التخمينات الخاطئة والأكاذيب. والأمثلة لذلك كثيرة:
1. على سبيل المثال، لقد عرفت الحكومة والمؤسسة العسكرية عن وفاة المخطوفين الثلاثة، لكنهما أخفيا المعلومات لمدة طويلة.
2. أبلغ مدير الإسعاف الإسرائيلي في نفس الوقت وببث مباشر من القناة العاشرة عن مصاب بجروح خطيرة من قذيفة أصابت سيارة في مدينة أشدود، واقتبس المتحدث باسم الشرطة التقرير في بيان للصحف وانتشر الخبر في الإعلام، ولكن أظهر فحص إضافي أن السيارة كانت فارغة.
3. أعلن المتحدث العسكري عن إصابة قذيفتين للمفاعل النووي في ديمونة، وتبيّن أن التغريدة نفسها قد نشرها مخترقون قد سيطروا على التويتر التابع للمتحدث العسكري.
4. وجاء في رسالة من صحيفة “هآرتس” عن إصابة قذيفة للمصانع البتروكيماوية في حيفا ودعت إلى إخلاء المنطقة وتبيّن لاحقًا أن ذلك كان عمل من منتحلين.
5. أرسلت الجبهة الداخلية لهواتف المواطنين رسائل بأحرف كورية غير مفهومة.
https://www.youtube.com/watch?v=oGfXJLxLqnk
إن الإحساس العام للجمهور الإسرائيلي، أنه على الرغم من التحذيرات من قبل الجهات المؤتمنة عن نقل المعلومات المستجَدّة، أن لا يتم الاطلاع على الأخبار عبر الفيس بوك، التويتر والواتس آب، فيبدو أن الإنترنت أسرع وخالِ من الاعتبارات التحريرية الموجهة وينشر كل شيء فورًا، حيث تشعر وسائل الإعلام المؤسسية بأنها تعرُج خلفه وتحاول اللحاق به.
في الختام، من الواضح أنه ستكون هناك دائمًا تقارير متعارضة، انحرافات وتغطيات مضللة لا حصر لها، لكن ينبغي على الإعلام المؤسسي والتلفاز أن يقوما بحساب الذات والمصارحة النظامية: فليس العدو هو الواتس آب أو التويتر ولا التحرير الموجه بل تقارير أنصاف الحقائق.