فيما يلي بعض البيانات عن المسلمين، الإسلام، والعنف من بعض الاستطلاعات الكبرى والأكثر موثوقية مما تم إجراؤها في السنوات الأخيرة.
بداية، فإنّ الغالبية العظمى من المسلمين يبغضون داعش ويعارضون إيذاء المدنيين. في الواقع، لا يميل المسلمون إلى تأييد العنف ضدّ الأبرياء أكثر من الأمريكي العادي.
ثانيا، كان معظم القتلى أثناء العمليات الإرهابية في الغرب على أيدي أفراد– متطرفين يمينيين، قوميين، مؤيّدين لتفوّق البيض وغيرهم، وليس على أيدي مسلمين.
الغالبية العظمى من المسلمبنيبغضون داعش ويعارضون إيذاء المدنيين
ثالثا، ليست هناك علاقة بين مستوى التديّن وبين مستوى تأييد العنف في أوساط المسلمين. يكمن الفرق الرئيسي بين المسلمين الذين يبرّرون العمليات الإرهابية وبين غيرهم في “السياسة، وليس في التديّن”، والقصد من كلمة “السياسة” هو بشكل خاصّ المفاهيم حول ما يفعله الغرب.
معظم منفّذي العمليات المسلمين هم، إذا كان الأمر كذلك، متطرفون سياسيون، “أكثر شدّة في اعتقادهم أنّ السيطرة السياسية، العسكرية، والثقافية الغربية تشكل تهديدا رئيسيا”. وهذا هو السبب الرئيسي الذي يفسّر لماذا يسود في الأراضي المحتلة الفلسطينية وفي أفغانستان الدعم الأكبر (30%-40%) للإضرار بالأبرياء “في حالات معينة”. في الواقع، فإنّ استطلاع العمليّات الانتحاريّة بين عامي 1980 و 2004 يُظهر أنّ جميعها تقريبا كانت ردّا على الاحتلال الأجنبي.
وما يتوقعه معظم المسلمين من مواطني الدول الغربية هو “ألا يسعوا إلى تغييرهم، وإنما أن يسعوا إلى تغيير ما يفعلونه”. وتوصلت مجموعة بحثية تابعة للإدارة الأمريكية منذ العام 2004 إلى استنتاج مشابه: “المسلمون لا “يكرهون حريّتنا”، وإنما سياستنا. تُعرب الغالبية الساحقة عن معارضتها لتأييدنا من جهة واحدة لصالح إسرائيل وضدّ الحقوق الفلسطينية، ودعمنا الطويل والمتزايد لِما يعتبره المسلمون كمجموع ديكتاتوريات، مثل مصر، السعودية، الأردن، باكستان ودول الخليج، من جهة أخرى”.
وفقا للباحثين، فإنّ تأييد المسلمين للجهاديين قد قفز بعد الغزو الأمريكي لأفغانستان والعراق. وهذا ما جعل “شبكة هامشية” [القاعدة] تصبح حركة منتشرة في جميع أنحاء العالم من المجموعات المقاتلة”. منذ ذلك الحين، بطبيعة الحال، تعزّز هذا الاستنتاج تعزيزا كبيرا.
إذا درسنا أعمال القتل الجماعي للأبرياء التي ارتُكبت بعد الحرب العالمية الثانية (وإذا لم نأخذ بالحسبان الصين في فترة الزعيم ماو، وهي حالة فريدة قُتل فيها 30-70 مليون إنسان)، فإنّ الدول ذات الغالبية المسيحية مسؤولة عن الغالبية العظمى من قتل الأبرياء.
ليست هناك علاقة بين مستوى التديّن وبين مستوى تأييد العنف في أوساط المسلمين
كانت الولايات المتحدة مسؤولة عن موت نحو 4 ملايين إنسان في الستينيات والسبعينيات خلال الحرب في فيتنام، وكان معظمهم من الأبرياء، وربما نصف مليون طفل، وبالمجمل نحو 800 ألف شخص، وخلال فرض عقوباتها على العراق في بدايات التسعينيات، وعن موت عشرات وربما مئات الآلاف أثناء غزوها لأفغانستان والعراق، ومئات وربما آلاف في هجمات الطائرات من دون طيار في عهد أوباما.
كانت دول أمريكا اللاتينية بين عامي 1950-1980 مسؤولة عن قتل مئات آلاف البشر (ففي غواتيمالا وحدها، من أجل التوضيح، قُتل نحو 200 ألف من أبناء المايا في بدايات الثمانينيات، بدعم أمريكي وبواسطة أسلحة أمريكية وإسرائيلية). قُتل نحو مليون إنسان في التسعينيات في رواندا، وفي الكونغو قُتل مئات آلاف البشر في العقدين الأخيرين.
يتعلق الفرق بين وجهة نظر المسلمين وبين الآخرين حول قتل الأبرياء، إذا كان الأمر كذلك،، ليس بحجم أعمال القتل أو تأييدها، وإنما بكونه جزءا كبيرا من الإرهاب الذي ينفّذه مسلمون باسم الدين، في حين أنه لدى الآخرين فإنّ الأيديولوجية التي تبرّر القتل هي القومية، الشيوعية، الديمقراطية-الليبرالية وما شابه ذلك (وفي أحيان كثيرة كتغطية للصراع على الموارد الاقتصادية).
يعود سبب ذلك إلى أن الدين بقي مكون هوية رئيسيا بالنسبة لمعظم المسلمين، بخلاف الغرب على سبيل المثال، ويميل الناس إلى ربط مثل هذه الأفعال بهويّتهم. هناك أسباب كثيرة تتعلق بمركزية الدين بالنسبة للمسلمين (وهم ليسوا الوحيدين في هذا الشأن)، والتي ليست لدي الإمكانية ولا العلم الكافي لنقاشها. ومع ذلك، هناك ملاحظتان في هذا الشأن.
معظم المسلمين لا يرى توترا جوهريا بين تمسّكهم بالدين وبين الحياة في المجتمع الحديث. معظمهم كذلك، بالمناسبة، يفضل الديمقراطية ولا يجد تناقضا بينها وبين الإسلام
بداية، يجب توخي الحذر من مثل هذه الرؤى التي ترى وكأن مركزية الدين تعني أن غالبية المسلمين يعارضون العالم الحديث. يشكل الدين في نظر معظم المسلمين، وكذلك في نظر معظم اليهود أو المسيحيين المتدينين، طريقة داخل العالم الحديث، وليس تعبيرا عن معارضته. في الواقع فإنّ معظم المسلمين لا يرى توترا جوهريا بين تمسّكهم بالدين وبين الحياة في المجتمع الحديث. معظمهم كذلك، بالمناسبة، يفضل الديمقراطية ولا يجد تناقضا بينها وبين الإسلام. لا يختلف الكثير جدا منهم رغم أنهم يميلون إلى القيم المناهضة لليبرالية، وخصوصا في مجال العلاقات بين الجنسين، عن مجموعات دينية مسيحية ويهودية، وكذلك عن مجموعات في دول مثل روسيا والصين.
ثانيا، وحصريا بخصوص صعود الإسلام السياسي في الشرق الأوسط، ثمة علاقة مباشرة إسرائيلية بذلك. حطّمت حرب الأيام الستة القومية العربية، العلمانية في أساسها، والتي تشكّلت في شخصية الرئيس المصري عبد الناصر. توجّه الكثير من المسلمين في الشرق الأوسط إلى الإسلام السياسي كبديل. في المقابل مثّل الاحتلال في نظر المسلمين انعدام العدالة في علاقة الغرب معهم. ثمة أسباب أخرى كثيرة لصعود الإسلام السياسي بدءًا من السبعينيات – أموال النفط من المملكة العربية السعودية والتي ترعى نسخة متطرفة من الإسلام، والثورة الإيرانية عام 1979 وغيرها. ولكن لا يمكن لهذه الأسباب أن تلغي الآثار الإقليمية للسياسات الإسرائيلية في الأراضي.
نُشرت هذه المقالة للمرة الأولى في موقع منتدى التفكير الإقليمي