مع بدء الاضطرابات الإقليمية حظي الإسلام السياسي بإنجازات كبيرة. ولكن منذ ذلك الحين، تقف الحركات الإسلامية السنّية في العالم العربي، والتي اتخذت لنفسها طابعًا سياسيًّا؛ تقف موقفًا دفاعيًا، سواء كانت حركة “الإخوان المسلمون” والتي هي أقدم الحركات أو حركات أحدث. من تونس وحتى الخليج، أظهرت الأنظمة العربية تصميمًا ووقوفًا ضدّ محاولة فرض التفسير الإسلامي المتطرّف على أسلوب الحياة. إذا كان هناك أرضية مشتركة ما بين ظواهر الاحتجاج المعادية لرجال الدين فتلك هي السعودية التي تهدف إلى منع الاضطرابات، تحييد العناصر المهدّدة، تثبيت الأنظمة ومحاولة التأثير قدر الإمكان على العناصر الإسلامية في الخليج وخارجه.
إنّ دور الإسلام السياسي ومكانته، وخصوصًا الموقف من حركة “الإخوان المسلمين” والتنظيمات المرتبطة بها، بقيت حجر عثرة في العلاقات بين دول الخليج. وكدليل على ذلك، ففي 5 آذار 2014 أعلنت المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة والبحرين، عن سحب سفرائهم من قطر. وذلك بسبب دعم الأخيرة لحركة “الإخوان المسلمين”، وهي الحركة التي يعتبرونها هدّامة وتهدّد استقرارهم. بعد عدّة أيام من ذلك وضعت السعودية، أشبه بمصر، التنظيم على قائمة المنظمات الإرهابية بل واعتقلت، مع الكويت في وقت واحد، بعض أنصار الحركة.
ويشير تصرّف بعض الملوك بشكل واضح إلى القلق المتزايد الذي تشكّل خلال فترة حكمهم من تهديدات الإسلام السياسي. وكمثال على ذلك في المحاكمات ضدّ نحو مائة عضو لتنظيم “الإصلاح”، وهو التنظيم التابع للإخوان المسلمين، في الإمارات العربية المتحدة. وذلك بخلاف قطر التي تتعاطف وتدعم أفكار الحركة. ليس فقط أن يوسف القرضاوي يسكن في قطر، وهو المرجع الديني الأعلى للإخوان المسلمين، وإنّما تمكّنه من توجيه برنامج أسبوعي في قناة الجزيرة، حيث ينفّي هناك عن تعاليمه السامّة، بما في ذلك حول موقف بعض دول الخليج من الإخوان المسلمين. كانت العلاقة بين قطر والسعودية متوتّرة خاصّة بعد الاستيلاء على السلطة في قطر من قبل حمد بن خليفة 1995، وهو الأمر الذي أثّر سلبيًّا على أداء دول مجلس التعاون الخليجي (ونتيجة لذلك لم يكن للسعودية سفير في الدوحة بين السنوات 2002-2007). في الوقت الراهن أيضًا، فإنّ هذه السياسة إزاء العناصر الإسلامية تؤدي إلى توتر بين دول الخليج وتنشئ تصدّعات في الوحدة التي شكّلها “الربيع العربيّ” (والتي تمثّلت على سبيل المثال بالمعارضة المشتركة للقذافي والأسد).
القلق الخاص في السعودية من داعمي الإسلام السياسي مرتبط بحقيقة أن الأخير يقترح منهجًا بديلا للهياكل الحكومية القائمة، والتي توفّر إطارًا سياسيًّا إلى جانب الشرعية الدينية. إنّ الإسلام السياسيّ ليس فقط خيارًا لمنهج بديل – والديمقراطية الغربية كذلك – وهو ليس مجرّد منافس للمناهج القائمة التي تدمج الإسلام مع الدولة – كالعلاقة بين عائلة آل سعود وبين المؤسسة الدينية الوهابية – وإنما هو يعكس تهديدًا للنظام القائم. بكلمات أخرى، بسبب المكوّن الديني الذي فيه، ولأنّ الكثير من الحركات تدعم الانتخابات الديمقراطية وتشارك بها، فهو يقترح بديلا حقيقيًا وجذّابًا للقيادة القديمة، والتي أثبتت نفسها كقادرة على إسقاط حكومات في دول مثل مصر وتونس. فضلًا عن ذلك، ففي المجتمع القبلي، كالذي في دول الخليج، يعتبر الإسلام السياسي تقويضًا للنظام الاجتماعي وقواعده، وللتسلسل الهرمي ومجموعة النخبة التي تقود القبيلة.
أيضًا خارج الخليج هناك مجموعات تابعة للإخوان المسلمين في موقفها الدفاعي. اضطرّ حزب “النهضة” التونسيّ، الذي يمثّل الحركة الإسلامية المعتدلة والذي فاز بالانتخابات مباشرة بعد إزالة الديكتاتور زين العابدين بن علي، إلى نقل السلطة في شباط 2014 لحكومة تكنوقراط حتى الانتخابات التي سيتم إجراؤها في وقت لاحق هذا العام. فشلت الحكومة في قيادتها للمجالات الاقتصادية – الاجتماعية ولم تنجح في تحسين الحالة الأمنية. بالإضافة إلى ذلك، فقد اتّهمت بالتساهل مع الحركة الإسلامية الأكثر تطرّفًا والتي حاولت ميليشياتها فرض نمط حياة إسلامي في تونس. تحت ضغوط أمريكية وأوروبية، وأيضًا من داخل المشهد السياسي التونسي، تخلّت “النهضة” عن هدفها في إقامة دولة إسلامية، والتي تُدار وفق قوانين الشريعة الإسلامية. في كانون الثاني 2014 تم اعتماد دستور ليبرالي بطابع يحفظ مكانًا للنمط الإسلامي والعربي للدولة.
كانت قبضة “الإخوان المسلمين” على مقاليد السلطة في مصر قصيرة الأجل (بين نهاية حزيران 2012 حتى بداية تموز 2013). أعاد الجيش المصري السلطة إلى يديه، في ما بدا وكأنه انتهاز للاحتجاجات الشعبية المدنية ضدّ “خطف” ثورة 25 كانون الثاني 2011 من قبل الحركات الإسلامية المصرية. وستقرّر الانتخابات القريبة في تموز فيما إذا كان الرئيس القادم سيأتي مجدّدًا من داخل الجيش، كما كان الحال بين 1952 حتى 2014 باستثناء السنة الوحيدة لرئاسة محمد مرسي. في مصر أيضًا، يعكس استعداد السعودية لدعم الجيش المصري، في تحدّ لواشنطن ومع تدفّق الأموال للحكومة المصرية، يعكس ذلك عامل مهمّ في الصراع على السلطة في دولة تضرّر اقتصادها بشكل كبير خلال السنوات الثلاث الأخيرة.
في الأردن، فإنّ مزيجًا من الأخطاء التكتيكية والاستراتيجية للفرع الأردني من “الإخوان المسلمين”، ابتداء من مقاطعة الانتخابات البرلمانية في كانون الثاني 2013، وإدارة معقّدة من جهة السلطة لجهود تقويض الاحتجاجات والهزيمة، المؤقتة على الأقل، للأخت الكبيرة في مصر، أدّى كل ذلك إلى تراجع حضور الحركة. مكّن المال القادم من دول الخليج وبشكل أساسي المال السعودي الأسرة المالكة في الأردن من منح إحساس بالاستقرار النسبي. لا يستطيع آل سعود، رغم مواقفهم التاريخية المتناقضة مع الأسرة الهاشمية، أن يتجاهلوا الأعباء الهائلة التي سقطت على الأردن كنتيجة للحرب الأهلية في سوريا، وهي الحرب التي يتغذّى فيها قسم من قوى المعارضة على التمويل السعودي الضخم.
مقابل ما اعتبر في الرياض بأنّه تهديد إيرانيّ، ووقاحة قطرية أخرى وفقدان مسار واشنطن، قرّرت الأسرة المالكة العودة للقتال مرة أخرى. والسؤال هل تستطيع مواجهة الصعوبات الداخلية التي تشمل تغيّر الأجيال، تمرّد شيعي على “نار هادئة” في المنطقة الشرقية، تغيّرات في سوق الطاقة العالمي ودخول لاعبين كروسيا والصين إلى الفراغ الذي تركته الولايات المتحدة وأن تأخذ على نفسها دورًا قياديًّا في المنطقة العربية.. لا يزال هذا السؤال مفتوحًا.
هناك بالطبع آثار فورية لإسقاط “الإخوان المسلمين” من السلطة في مصر أيضًا في غزة التي تسيطر عليها حركة قديمة؛ حماس. أغلقت الحكومة المصرية منذ صيف 2013 معظم الأنفاق وأضرّت بواردات حكومة حماس، التي كانت تجبي الضرائب من التجارة التي تمرّ في الأنفاق. إنّ نقص الميزانية (الناتج من إيقاف جزء من المساعدات التي تأتي من دول الخليج) جعل حكومة حماس تتأخر في دفع الأجور للموظّفين الحكوميّين والقوى الأمنية، وكلاهما من الآليات الضرورية للحفاظ على الدعم الشعبي. في الواقع، وفقًا لاستطلاعات الرأي فقد تراجع دعم حكومة حماس بشكل كبير، على الرغم من أن تقويض دعم حماس لا ينبئ بالضرورة بسقوط الحركة من إدارة القطاع.
الصراع الحالي بين دول الخليج، والذي يعكس أحد التحديات الأكثر صعوبة لمجلس التعاون الخليجي منذ تأسيسه 1981، يؤكّد مستوى الغضب والإحباط من السياسة القطرية في منطقة الخليج وخارجها. تعتقد السعودية أنّ السياسات والإجراءات القطرية تضعف مجلس التعاون الخليجي وأيضًّا دولا عربية مهمّة أخرى مثل مصر، والتي تحاول إجراء انتخابات للرئاسة والبرلمان وإنهاء العملية السياسية التي بدأت مع إسقاط الرئيس محمد مرسي في تموز الماضي. إنّ الانقسام بين دول الخليج، والذي يدور بطبيعة الحال حول مهمّة ومكانة الإسلام السياسي، قد تكون له عواقب أيضًا إزاء دور إيران ومكانتها.
تسمح الأزمة لإيران، والتي تحاول فعلا الوقيعة بين الدول الستّ من أجل منع تشكيل جبهة موحّدة ضدّها، بتعميق الشرخ بين دول الخليج وعزل السعوديين عن جيرانهم الأصغر. ولذلك فإنّ هناك تأثير أيضًا على محاولة السعودية بالوصول إلى وحدة بين دول الخليج العربية (“إعلان الرياض”) الذي أعلنه الملك عبد الله في الرياض في كانون الأول 2011. وبالإضافة إلى ذلك، فإنّ الأزمة بالطبع لن تسهّل على الأمريكيين تحقيق الأهداف، والتي تلزم بتعاون أمني بين دول الخليج العربية الستّة، على سبيل المثال كنشر أنظمة الدفاع الصاروخي، والتي هي مخصّصة للمواجهة الجيّدة ضد أي تهديد من جهة إيران.
إسرائيل أيضًا مهتمّة بالطبع بتقوية الأنظمة المعتدلة وبشكل خاص في المحيط القريب، مصر، الأردن ودول مجلس التعاون الخليجي. على الرغم من أنّ حلّ الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، وإن كان جزئيًّا، لا يكفل استقرار هذه الأنظمة. ومع ذلك، فإنّ الاسترخاء في الجبهة الإسرائيلية – الفلسطينية سيسهّل عليهم التعامل بشكل أفضل مع مشكلاتهم الداخلية.
تمّ نشر المقال لأول مرة في موقع معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي