يثير إحياء المصريين لذكرى عيد “النصر” في 23 كانون الأول في مصر مشاعر شوق قوية لقيادة جمال عبد الناصر التي لا هوادة فيها. إنه شوق للأيام التي كانت فيها سلطة مصر في العالم العربي والإسلامي واضحة تماما، الأيام التي كان الشرق الأوسط يبدو مختلفا تماما. استغل الكثيرون في مواقع التواصل الاجتماعي هذه الفرصة كي يظهروا الرئيس المصري عبد الفتّاح السيسي باعتباره الخليفة الواضح لعبد الناصر إلا أن السيسي ليس عبد الناصر كما أن عام 2015 ليس عام 1956.
بالنسبة للإسرائيليين، فجمال عبد الناصر هو لحظة تاريخية بعيدة، صغيرة ولكنها مهمة. في تلك الأيام، أيام الحرب التي لا تتوقف بين مصر وإسرائيل، كانت الإشارة إلى الرئيس المصري هي مزيج من خوف حقيقي، وسخرية من الدكتاتور.
اعتبر الكثير من الإسرائيليين عبد الناصر خليفة هتلر في محاولة القضاء على الشعب اليهودي. واعتبره آخرون زعيما يُفشل أية احتمالات سلام بين إسرائيل والعالم العربي بأسره.
وقد خشي منه جميع الإسرائيليين، ولكنهم جميعا احتقروه أيضًا. لقد احتقروا الزعيم الذي حوّل هزيمته العسكرية عام 1956 إلى انتصار دعائي، واحتقروا الزعيم الذي تباهى عام 1967 وقاد العالم العربي كله إلى الهزيمة الكبرى في تاريخه.
وأكثر من كل شيء تشير إلى ذلك الأغنية الشعبية الإسرائيلية “ناصر ينتظر رابين”، حول الرئيس المصري ورئيس الأركان الإسرائيلي في عام 1967. تردّدت كلمات عبد الناصر: “وإذا أرادت إسرائيل أن تهدد بالحرب فنحن نقول لها: أهلًا وسهلًا”، في كل بيت إسرائيلي قبل الحرب. ولكن انطلاقا من خشيتهم الكبيرة، سعى الإسرائيليون إلى إقناع أنفسهم بأنّهم يستطيعون الانتصار على مصر أيضا، وهكذا كُتبت كلمات الأغنية الإسرائيلية:
عبد الناصر ينتظر رابين،
عبد الناصر ينتظر رابين،
فلينتظر ولا يتحرّك!
عبد الناصر ينتظر رابين،
عبد الناصر ينتظر رابين،
لقد انتظر مرّتين فعلا،
وكبّدناه ضربة!
عبد الناصر ينتظر رابين،
سترون، ستأتي الأيام…
وسيتضرع إلى السلام!
بعد أسابيع قليلة من كتابة هذه الأغنية، وصل رابين فعلا إلى مصر مع جيشه. ولكن الرئيس المصري لم يتضرع إلى السلام حتى يوم وفاته.
ومع ذلك، ففي السنوات التي سبقت موته أدرك عبد الناصر بأنّ طموحه منذ سنوات طويلة بالقضاء على دولة إسرائيل لم يتحقق. طبق بقية رؤيته خليفته أنور السادات، الذي اعترف بالفم الملآن أنّ مقابل إعادة الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967 ستوافق مصر على اتفاق سلام، والاعتراف بدولة اليهود. في الشرق الأوسط يعتبر عبد الناصر اليوم رمزا للأيام التي لن تعود، رمزا لواقع مختلف تماما. ولا يمكن لأحد أن يقلل من أهمية الرموز.