تستغلّ الصحف الإسرائيلية الأعداد الخاصة بمناسبة عيد الفصح اليهودي من أجل التأمّل بنتائج الحدث الأهم الذي مرّ على إسرائيل في السنة الماضية، وهو حرب غزة في الصيف الماضي. بعد تسعة أشهر من العملية ما زال الإسرائيليون يتجادلون بينهم وبين أنفسهم إذا ما كانوا قد هزموا حماس، أم أن الحرب كانت خسارة استراتيجية.
في صحيفة “يديعوت أحرونوت” تمّ إجراء مقابلة مع قائد المنطقة الجنوبيّة، اللواء سامي تورجمان، الذي كان مسؤولا عن إدارة المعركة ضدّ حماس. بحسب تعبيره، فالعملية التي سُمّيتْ في إسرائيل “الجرف الصامد” كانت انتصارا كبيرا. قال تورجمان في المقابلة: “تسبّبت العملية بضربة قاسية جدّا لحماس، وهي الأسوأ منذ تأسيسها. كان ذلك انتصارا”.
اللواء سامي تورجمان: “تسبّبت العملية بضربة قاسية جدّا لحماس، وهي الأسوأ منذ تأسيسها. كان ذلك انتصارا”
ادعى تورجمان أنّه قد تمّ إحباط جميع خطط حماس الاستراتيجية وقت القتال، وبأنّ التقارير الاستخباراتية تشهد على أنّ حماس لم تنجح في تنفيذ أفكارها الهجومية بشكل أساسيّ بسبب نظام “القبة الحديدية”. قال تورجمان: “بنىت منظومتهم القوة على مدى خمس سنوات ولم تنجح في تحقيق الإنجاز الذي طمحت به”.
ومع ذلك، لم يتجاهل تورجمان بأنّه حدثت أخطاء خلال العملية، وخصوصا الرؤيا التي بحسبها يُحظر إخلاء المستوطنات الإسرائيلية في منطقة غلاف غزة من مستوطنيها حتى لا يتمّ منح حماس شعور الإنجاز. وأضاف بأنّه لو جرت جولة قتال جديدة، فسيوصي القيادة بإخلاء المستوطنات حتى نهاية المعارك.
في المقابل، أجريتْ مقابلة مع عضو الكنيست عوفر شيلح، وهو عضو لجنة الخارجية والأمن الذي حقّق في الماضي في دور الجيش الإسرائيلي في حرب لبنان الثانية (حرب تموز) عام 2006 وفي الانتفاضة الثانية بين عاميّ 2000-2003، في صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية وصرّح بأنّه خلال الحرب تم الكشف عن أخطاء أمنية خطيرة.
بحسب شيلح، الفشل الأخطر في القتال الإسرائيلي كان حقيقة أنّه في نهاية القتال عادت إسرائيل إلى نقطة الصفر، تماما إلى المكان الذي كانت فيه قبل اندلاع المعارك، والآن كما كان سابقا ليست هناك لدى الجيش استراتيجية فعّالة لمواجهة التهديدات من قطاع غزة ولبنان.
عضو الكنيست عوفر شيلح: “رغم إنّ الحرب كانت حربا متوقّعة من قبل، فلم تدخل إسرائيل والجيش فيها وهي مستعدّة، لا سياسيّا ولا عسكريا”
وقد وجّه شيلح في مقابلته مع “هآرتس” أصابع الاتهام باتجاه رئيس الحكومة نتنياهو، وزير الدفاع يعلون وقادة الجيش قائلا: “رغم إنّ الحرب كانت حربا متوقّعة من قبل، فلم تدخل إسرائيل والجيش فيها وهي مستعدّة، لا سياسيّا ولا عسكريا. رئيس الحكومة الذي يتجنّب أي نقاش حقيقي ووزراء الدفاع الذين يتمسّكون بتصوّرات من الماضي هم مسؤولون بشكل مباشر عن كون الجيش الإسرائيلي لم يكن مستعدّا لعملية “الجرف الصامد” وأنّ إسرائيل لم تحقّق أيّة إنجازات في العملية. ولأنّ الجميع يدفنون رؤوسهم في الرمال، فسيحدث ذلك بالضرورة مجدّدا”.
أضاف شيلح في كلامه أنّ الفشل في الحرب بغزة أكبر من جميع حالات الفشل التي مرّت بها إسرائيل في حرب تشرين عام 1973 وحرب لبنان الثانية (حرب تموز) في صيف عام 2006.
وقال: “في يوم الغفران (1973) كانت هناك مفاجأة استخباراتية رافقها فشل في القيادة، ولكن الفكرة الرئيسية لتصوّر الأمن صمدت أمام الاختبار واستطاع المقاتلون في الجبهة قلب الطاولة. في حرب لبنان الثانية، شاهدنا عدم الكفاءة لدى الجيش الإسرائيلي بعد سنوات من الانتفاضة الثانية في الأراضي المحتلة، إلى جانب الفشل القيادي في إدارة الحرب. ولكن في غزة جرت حرب تم تشكيل اتجاهها واستعدادات العدوّ لها خلال خمس سنوات. لم تكن فيها أية مفاجأة. كان هناك يقين مطلق بأنّها ستأتي. ومع ذلك، ففي اختبار النتيجة مرّ 51 يومًا دون أيّ إنجاز”.
يعتقد الباحثون العسكريّون في إسرائيل بأنّ القتال في غزة قد انتهى، مرة أخرى، مع “تعادل استراتيجي”
يعتقد الباحثون العسكريّون في إسرائيل بأنّ القتال في غزة قد انتهى، مرة أخرى، مع “تعادل استراتيجي”. تفتخر إسرائيل بكونها ضربت حماس ضربة قاضية، أزالت أنفاقها الهجومية، وبكونها فرضت وقف إطلاق النار وفقا لشروطها، وبكونها تغلّبت على مقاتلي حماس على المستوى التكتيكي. في المقابل، تفتخر حماس أيضًا بإنجازاتها الخاصة: فقد أثبتت بأنّ حكمها مستقرّ، وأنّه ليس هناك حلّ عسكري لمشكلة غزة. وفقا لحماس، فإنّ وقف إطلاق النار في نهاية العملية تمّ تحت شروطها، وليس شروط إسرائيل.
ويعلم الجيش الإسرائيلي أيضًا أنّ الحرب الأخيرة قد قوّضت المسلّمات الأساسية التي تقوم عليها الاستراتيجية الأمنية الإسرائيلية. لم تحدّد منظومة الاستخبارات اندلاع المواجهة مسبقًا، ولم يتخيّل أحد بأنّه بعد 51 يوما من القتال، ستستمرّ حماس في الوقوف بحزم ولن تتوسّل لوقف إطلاق النار.
في المقابل، من يرى صورة الدمار الهائل في غزة، ويفهم الوضع الدولي المعقّد الذي وجدت حماس نفسها فيه، لا يمكنه الادعاء بأنّ حماس انتصرت في المعركة. ولذلك فسيبقى السؤال من انتصر في حرب غزة في صيف 2014 معلّقا.