من الواضح تماما ما هي الاستجابة القانونية المناسبة لتقرير الأمم المتحدة بشأن عملية “الجرف الصامد”: “تحقيق إسرائيلي عميق لكل حادثة وأخرى كان قد يُثار فيها الشكّ أن يكون الجيش الإسرائيلي قد استخدم القوة ضدّ السكان المدنيين بشكل غير معقول وغير عادل. هذا التحقيق مطلوب أيضًا بحيث يمكننا أن نكون في سلام مع أنفسنا وقيمنا، وأيضا من أجل أن نقف أمام المجتمع الدولي بكل إخلاص وبأيد نظيفة. إذا أثبتت إسرائيل أنها تقوم بجهود عُليا لتبقى أخلاقية قدر الإمكان حتى عندما تُقاتل متعصّبين؛ فستكون الرابحة، من ناحية القيم، القانون والصورة الذاتية.
من الواضح تماما ما هي الاستجابة السياسية – الأمنية المناسبة لتقرير الأمم المتحدة بشأن عملية “الجرف الصامد”: تغيير الاتجاه. يجب على القيادة السياسية في إسرائيل أن تفهم بأنّ الجمود السياسي خطير، وأنّه دون مبادرة سياسية فقد ينتهي بنا الأمر إلى المزيد والمزيد من جولات القتال غير المتكافئة في الجنوب والشمال، والتي ستؤدي في نهاية المطاف إلى إدانة دولية شاملة للمشروع الصهيوني. يجب على القيادة العسكرية في إسرائيل أن تفهم أنّ استراتيجية الضاحية (القصف المكثّف على المناطق السكانية) هي استراتيجية غير مقبولة، وبأنّها ملزمة بتطوير طرق قتال جديدة وراقية من أجل مواجهة التنظيمات الإرهابية كحماس وحزب الله.
ولكن يجب قول الحقيقة: تقرير الأمم المتحدة بشأن عملية “الجرف الصامد” هو تقرير مشوَّه وملتوٍ من شأنه أن يثير غضب كل إنسان عادل. حيث تعاني الوثيقة المفصّلة في 183 صفحة من عيب خطير: إنها تفتقر إلى السياق.
إنها لا تعطي وزنا مناسبا إلى حقيقة أنه في عام 1993 قد فتحت إسرائيل قلبها للسلام، ووثقت بياسر عرفات وسمحت له بإقامة كيان شبه مستقلّ في قطاع غزة. وهي لا تعطي وزنا مناسبا لحقيقة أنه في عام 2000 وافقت إسرائيل على الخروج من قطاع غزة وإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة فيها وفي الضفة الغربية. وهي لا تعطي وزنا مناسبا لحقيقة أنّه في عام 2005 دمّرت إسرائيل 24 مجتمعا وتسبّبت بنزوح 8,000 شخص من أجل أن تكون للفلسطينيين (للمرة الأولى في التاريخ) منطقة حكم ذاتيً خاصة بهم.
وهي لا تعطي وزنا مناسبا لحقيقة أنه نتيجة كل هذه مبادرات حسن النية الإسرائيلية هذه- التي كانت تهدف إلى إنهاء الاحتلال وتقريب السلام – لم تظهر فلسطين سلمية وإنسانية، وإنما نشأت حماسستان استبدادية وعنيفة تقمع الفلسطينيين وتهاجم الإسرائيليين.
ماذا حدث للإسرائيليين، يسأل مؤخرًا الكثيرون في نيويورك. ما حدث للإسرائيليين هو أنّهم حاولوا مرّة تلوَ الأخرى القيام بالفعل الصحيح، ولكنّ عندما احترق الفعل الصحيح بألسنة اللهب لم يتذكّر أحدٌ أنّهم فعلوا ولم ينسب لهم أحد الفضل على ذلك. إنْ كان الأمر كذلك، فهم يقولون لأنفسهم، إذا كان العالم واليسار ضدّنا على أيّة حال، فمن الأفضل أن نعيش بقوة السيف ونحافظ على أراضينا ولا نعطي عدوّنا ولو شبرًا آخر من الأرض.
تمنى دودو ديان والقاضي ماري مكجوان ديفيس خيرا. ولكن النوايا الطيبة قادتهما إلى مكان سيّء جدّا. لماذا؟ لأنّ كل إسرائيلي عادي الآن سيقول لنفسه إنّه من الأفضل السيطرة على شعب آخر، من الانسحاب، من أن تكون مهاجمًا وتُرسل إلى لاهاي في الوقت الذي تتصدّى فيه للهجمات. لأنّ كل فلسطيني يفكّر سيقول لنفسه إنّه من الأفضل عدم إجراء مفاوضات مع إسرائيل، وإنما وضعها في قبضة كماشة الإرهاب من جهة وفقدان الشرعية من جهة أخرى. لأنّ كل فرد حكيم من حزب الله سيقول الآن لنفسه إنّ المجتمع الدولي يقلّم أظافر إسرائيل ويجعل منها كيانًا ضعيفا، يمكن إمطاره بآلاف الصواريخ من مناطق مكتظّة بالسكّان.
ستكون ثلاثة تداعيات لهذه الاستنتاجات الثلاثة: تخليد الاحتلال، إبعاد السلام وتقريب الحرب. إذا سال الدم – لا سمح الله – مرة أخرى هنا في المستقبل القريب، فإنّ فرسان الصحة السياسية العمياء هم من سيتحمّل المسؤولية.
نُشر هذا المقال في ”صحيفة “هآرتس”