مصر هي إحدى الدول التي ألهبت الأثريين، التاريخيين، العلماء، صانعي الأفلام وكل هواة المغامرات من قديم الزمان. تُشغل المباني القديمة الضخمة، الأسرار المخبأة تحت الأرض، الأغراض الغامضة ووفرة من النظريات عن تقنيات مفقودة وحكمة قديمة، بال أناس كثيرين حتى اليوم، خاصة أن أغلب الأمور ما زالت غير مفسّرة تفسيرًا كافيًا، مؤكدًا، وواضحًا.
في هذه الأيام يحتفل يهود العالم بالفصح، المعروف أيضا بعيد الحرية. حرية بني إسرائيل من عبودية مصر والصعوبات التي أنزلها بهم فرعون كما ذُكر في التوراة، العهد الجديد والقرآن الكريم. يبدو أنه لا وقت أفضل من هذا لنكشف لكم عن بعض الألغاز المصرية القديمة التي لم ينجح العلم في فك رموزها بعد:
الأهرام- من بناها، كيف ولماذا؟
إحدى الأحجيات الكبرى المتعلقة بمصر هي طريقة بناء الأهرامات؛ إذ، لا يفصّل أي رسم هندسي أصلي كيف بُنيت، وكل تفسير هو تخمين حذر. ويقول بعض الباحثين إنه لا غموضّ يحيط بالأهرام، التي هي مجرد قبور للذكرى، عالية ومصقولة جيدًا، مبنية من حجارة ثقيلة ذات وزن ضخم، بناها ملوك مصر لأنفسهم. لكن هذا الوصف لا يشرح كيف تم الأمر، ويتجاهل الكثير من النظريات، المشكوك بها، التي تبناها الإنسان لتفسير هذه الألغاز.
اعتبرت أهرام الجيزة، الأكبر من بين الأهرامات، التي يصل ارتفاعها إلى 138 مترًا، حتى القرن 19 المبنى الأعلى عالميًّا، وأيضًا الأقدم من بين العجائب السبع، والوحيدة التي بقيت من بينها. وهي كاملة نوعًا ما. حاولنا في المقال الذي نشرناه قبل مدة قصيرة في موقعنا أن نجيب عن السؤال من بنى الأهرام، لكن يبدو أننا لن نتوصل إلى الإجابة المؤكدة أبدًا.
كانت الكلمة “هرم” مصدر التباس كبير. فالكلمة محط جدل، إذ أن النظرية الرائجة هي أنها كلمة مصرية قديمة تسربت لليونانية ومنها إلى سائر لغات العالم. وحقيقة أن ليس لها جذور في لغة أخرى أدى ذلك في الماضي إلى الادعاء أن مصدر الأهرام من عوالم خارجية، أي من كوكب آخر.
حيرة أبو الهول
أبو الهول الكبير في الجيزة، هو تمثال جسمه جسم أسد ورأسه رأس إنسان، وهو المبنى الأكبر في العالم الذي نُحت من صخرة واحدة، وهو مصدر لغز كبير. مثلا، ليس واضحًا من بناه، ومتى، على شكل من بُنيَ وجههه، ولماذا استعمل، ولمَ هو ناقص الأنف؟ رغم أعمال البحث المضنية التي أجريت حول أحد المباني الأقدم والأشهر في العالم، لا يزال يكتنف الغموض الكثير من التفاصيل.
رغم أن الأمر لم يُثبت بعد، فإن التمثال مجهول الهوية ولا توجد عليه أية علامات واضحة حول من بناه ولماذا، والنظرية الأكثر رواجًا هي أن وجه أبي الهول هو ملامح وجه الفرعون خفرع، وأنه هو مَن بناه. تعتمد النظرية فقط على أن أبا الهول موضوع قُبالة هرم هذا الفرعون، الذي عاش بين السنين 2558 حتى 2532 قبل الميلاد. تفترض فرضيات أخرى أن من بنى أبا الهول هو الأخ غير الشقيق لخفرع، الذي بنى أبا الهول ليخلد ذكرى أبيه خوفو، الذي تشبه ملامحه ملامح وجه أبي الهول.
هنالك نظريات أخرى طبعًا فيما يخص تأريخ أبي الهول. فوجد العلماء في أُسسه علامات لتآكل مستمر لحجر الجير الذي صنع منه بسبب الماء. لكن منذ آلافِ السنين التي مضت لم تجر في الصحراء المصرية كمية تكفي من المياه لهذا التآكل، لذا يدّعي البعض أن أبا الهول أقدم مما يُظن، وأن عمره يقارب 10.000 سنة، حين كانت الصحراء سهولا. حسب هذا الزعم، تآكل حجر الجير الضخم من الماء، ومُذّاك صمم المصريون صورة أبي الهول، وفي عصر مصر القديمة تمّ ترميمه.
اللغز الأكبر بخصوص وجه أبي الهول هو عدم وجود أنفه؛ بل وجود وَهْدَة بعرض متر في وجه، طولها 57 مترًا، عرضها 6 أمتار، وارتفاعها حوالي 20 مترًا، في المكان الذي يجب أن يكون فيه الأنف. أثبتت النظرية القائلة إن الأنف قد كُسر ووقع بسبب قذيفة مدفع من جيش نابليون، خطأُها. وذلك بعد أن اكتُشف في رسم لأبي الهول من 1737، قبل مجيء جيش نابليون إلى مصر، أنه كان يظهر بلا أنفه. إحدى النظريات الأخرى أن رئيس فرقة صوفية متشدد، الشيخ الظاهر، هو المسؤول عمّا حدث من تنكيل بأنف أبي الهول وسقوطه؛ بعد أن رأى فلاحين مسلمين محليين يسجدون لأبي الهول.
لعنة الفراعنة
أحد الألغاز الكبيرة لمصر هو التساؤل عن وجود “لعنة الفراعنة”- لعنة قديمة ألقى بها كهان الدين المصري حينَ وضعوا فرعون في قبره، حسبها من يفتح قبر أحد الفراعنة سيصاب بأذى.
سنة 1922، اكتشف الأثريون البريطانيون قبر توت عنخ آمون، وهو فرعون مَلَكَ مصر القديمة بين السنوات 1324 حتى 1333 قبل الميلاد، في وادي الملوك. هذا هو القبر الملكي الوحيد الذي اكتُشف كاملا، وسُرق مرتين فقط قبل إغلاقه، بحيث وُجدت فيه على الرغم من السرقة أغراض وكنوز ثمينة كثيرة. كان هذا قسم من الآثار الباقية الأكثر غرابة التي اكتشِفت من أيام مصر القديمة. لكن حسب إشاعة غير مؤكدة، وُجدت في القبر لوحة محفور عليها تحذير: “سيحلّ الموت بكل من يحاول أن يشوّش سكينة الفرعون”.
التصديق “بلعنة توت عنخ آمون” نشأ بعد سلسلة من الوفيّات غير الطبيعية التي حلّت بكثير ممن فتحوا القبر وكشفوه. هكذا مات جورج هربرت، مموّل البعثة، واللورد كيرنبورن، منشئ البعثة، بعد ذلك بأقل من نصف سنة. حدثت وفيّات غامضة أخرى لأناس لهم علاقة بالاكتشاف الأثري بعد ذلك بسنوات لاحقة، وذكر ما يبلغ 22 وفاة في سبع سنوات. لكنّ التصديق باللعنة ازداد قوة.
طبعًا، ذكرت بعض التفسيرات الممكنة لظاهرة الوفيّات الغامضة: مثلا، تطوّر بعض الجراثيم أو الفطريات القاتلة في القبور الخانقة. طُرحت الفرضية أن فطريات العث وُضعت عمدًا في القبور كي يعاقبوا اللصوص. وأشارت بعض العينات الهوائية التي أخِذت من قبو مغلق من خلال ثقب إلى مستويات عالية من غازات سامة.
بطريقة أو بأخرى، ما زالت النصب التذكارية لمصر القديمة تزوّد وفرة من الأسئلة والألغاز التاريخية الكثيرة، وتتيح أيضًا صناعة الأفلام الخيالية لهوليوود وصناعة السياحة المصرية، لكن إجابات كثيرة لمّا تُجدْ بعد، مما يثبت أن العلم ليس دائمًا قادرًا على تزويد الإجابات القاطعة لتُفسير ظواهر غير بشرية.