إحدى أقل القصص ذكرا في انتخابات الكنيست الإسرائيلية القريبة هي قصة الأحزاب الدينية المتطرفة، الأحزاب “الحاريدية”. إنها الأحزاب التي تُمثّل الوسط الحاريدي، وهو الوسط اليهودي الأكثر تديّنا وتطرّفا. يتميّز الوسط الحاريدي بأنّه لا يختلط ببقية المجتمع الإسرائيلي. هناك لدى الحاريديين نظام تعليمي ونظام اتصالات خاص بهم، وفي الكثير من الأحيان أيضًا نظام مواصلات منفصل داخل دولة إسرائيل.
ومن الطبيعي إذن ألا تتوجّه هذه الأحزاب الحاريدية، التي تحرص على التمثيل السياسي لهذه المجموعة، لعموم الجمهور الإسرائيلي وإنما فقط إلى “القبيلة” الحاريدية. ليس هناك لدى تلك الأحزاب أي سبب للتقرّب من أصوات الناخبين العلمانيين من تل أبيب.
تقليديًّا، يُمثّل الجمهور الحاريدي في إسرائيل حزبين: حزب “يهدوت هتوراه” الذي يمثّل الحاريديين من مهاجري أوروبا، وحزب شاس الذي يمثّل الحاريديين من مهاجري الدول الإسلامية. مقابل “يهدوت هتوراه” الانفصالي والانعزالي، يتوجّه شاس إلى جمهور أوسع من اليهود التقليديين الذين لا يدقّقون في كلّ الأوامر الدينية وإنما يحترمون الصلاحية الحاخامية.
في الانتخابات القريبة يظهر حزب نصف حاريدي جديد، وهو حزب “معا” تابع لإيلي يشاي، رئيس شاس سابقا، الذي انفصل عن الحزب على إثر خلاف بينه وبين رئيس الحزب الحالي أرييه درعي. حدث هذا الانقسام بدرجة كبيرة بسبب وفاة الحاخام عوفاديا يوسف، وهو الراعي الروحي للحزب، حيث لو كان الحاخام حيّا لم يكن يشاي ليجرؤ على الانفصال عن شاس.
وقد حاولت الأحزاب العلمانية دون جدوى أن تفرض على الحاريديين المواد التعليمية العالمية، وتبين من ذلك أنّ مئات آلاف التلاميذ في إسرائيل لا يدرسون اليوم الرياضيات، الإنجليزية والعلوم الطبيعية؛ وإنما فقط المواد اليهودية
في السنوات الماضية، كان الدور الرئيسي للأحزاب الحاريدية هو ضمان ميزانيات النظم التعليمية الخاصة بهم. وقد حاولت الأحزاب العلمانية دون جدوى أن تفرض على الحاريديين المواد التعليمية العالمية، وتبين من ذلك أنّ مئات آلاف التلاميذ في إسرائيل لا يدرسون اليوم الرياضيات، الإنجليزية والعلوم الطبيعية؛ وإنما فقط المواد اليهودية. كانت هناك جبهة أخرى تناطحت فيها الأحزاب الحاريدية مع الأحزاب العلمانية وهي قضية التجنيد في الجيش الإسرائيلي. فمنذ قيام دولة إسرائيل تم إعفاء الطلاب الحاريديين من التجنّد للجيش، لأنّهم يركّزون على دراسة التوراة. يُغضب هذا الأمر الكثير من الإسرائيليين، الذين يشعرون بأنّ الحاريديين لا يتشاركون معهم في عبء الخدمة العسكرية الثقيل.
خلال فترة ولاية الكنيست السابقة، خرج مئات الآلاف للتظاهر في شوارع القدس احتجاجا على القانون الذي بادرت إليه الحكومة لتجنيد الحاريديين
خلال فترة ولاية الكنيست السابقة، خرج مئات الآلاف للتظاهر في شوارع القدس احتجاجا على القانون الذي بادرت إليه حكومة نتنياهو لتجنيد الحاريديين. وقد قاد النضال لتجنيد الحاريديين، والذي انتهى بصيغة مخفّفة من القانون بدلا من فرضه بشكل موحد على الجميع، وزير المالية السابق يائير لبيد، الذي أصبح مكروها لدى السياسيين الحاريديين.
وكان هناك موضوع آخر شغل النظام السياسي مؤخرا وهو دمج المرأة في الأحزاب الحاريدية. فكما هو معروف، يترشّح في تلك الأحزاب الرجال فقط، وليست هناك بينهم امرأة واحدة مرشّحة. وقبيل هذه الانتخابات قامت في إسرائيل حركة “لا نُنتخب- لا ننتخِب” لنساء حاريديات أعلنّ بأنّهنّ لن يمنحنَ أصواتهنّ للأحزاب الحاريدية إذا لم يتمّ دمج المرأة بها.
حصل طلب دمج النساء في تلك الأحزاب على دعم قوي في الأوساط العلمانية، والتي تطالب بقيم المساواة للمرأة. ولكن لم يفكر أحد من تلك الأحزاب الحاريدية المحافظة حتى في الاستجابة لتلك المطالب. ليست هناك حتى ولو امرأة واحدة في قوائم المرشّحين للكنيست القادمة.
إذا كان الأمر كذلك، فبعد أن انتهت المطالب بتجنيد الحاريديين من خلال تسوية، تم رفض مطالب إدخال تعليم الإنجليزية والعلوم، وانتهى مطلب دمج المرأة في القوائم الانتخابية دون أي شيء، ويمكننا التخليص بأنّ الأحزاب الحاريدية لا تحتاج لمعروف من أحد.