قال المغرّد السعودي الذي يُسمي نفسه “المجتهد” في حسابه على تويتر إنّ السعودية اشترت طائرات من دون طيار من إسرائيل عن طريق جنوب إفريقيا. وفقا لكلامه، تسير العملية على النحو التالي: تمضي الطائرات من دون طيار وهي كاملة في طريقها إلى جنوب إفريقيا، وعند وصولها يتم تفكيكها إلى أجزاء، ومن ثم تُنقل إلى مصنع خاص في السعودية كان قد أقيم من أجل هذا الهدف، وفيه يُعاد تركيبها وتصبح كأنها من تصنيع محلي. هناك خبر هام ومثير لدى المجتهد: في إطار زيارة محمد بن سلمان إلى الأردن هذا الأسبوع، وهو نجل ملك السعودية والذي يتولى أيضًا منصب وزير الدفاع، التقى بمسؤولين إسرائيليين لتنسيق المواقف، ويشكل التخطيط لبناء جسر سيصل بين السعودية ومصر أرضية لإقامة علاقات بين المملكة والدولة الصهيونية.
إن تغريدات المجتهد موجهة بشكل عام ضدّ الأسرة المالكة السعودية وهو حريص على تحديث قرائه بكل فضيحة فساد في البلاط الملكي. حتى لو لم تكن تغريداته دقيقة، فهي تحظى بآلاف المتابعين والردود، وفي بعض الأحيان تُحدِث حوارا عابرا للحدود. ولكن تعزيز التقارب بين إسرائيل والسعودية لا يعتمد على تقارير المجتهد فقط. تصف مقالات نقدية في مصر ضدّ اتفاق نقل جزيرتي تيران وصنافير من مصر إلى السعودية، الاتفاق باعتباره موافقة سعودية على اتفاقية كامب ديفيد، بل و “أخطر من ذلك” – فهو جزء من المؤامرة الصهيونية-الأمريكية-السعودية لتوسيع نفوذ إسرائيل في الشرق الأوسط.
لماذا هذا التوسيع؟ لأنّه وفقا للتقارير في الإعلام المصري، فإنّ موافقة إسرائيل على نقل الجزيرتين قد جاءت فقط بعد أن وافقت مصر والسعودية على أن تكون إسرائيل مُطلعة على كل مراحل إقامة الجسر وأن تُشارك في إدارته. من غير الواضح ماذا تقصد هذه التقارير بمصطلح “إدارة الجسر”، ولكن يكفي ذكر الشراكة الإسرائيلية والموافقة التي نشرتها إسرائيل عن التنسيق المسبق بينها وبين مصر كي تُحدث عاصفة في مصر.
ومن أجل الدفاع ضدّ ادعاءات المنتقدين، نشرت الحكومة المصرية بشكل استثنائي وثائق تدل على أنّ الجزيرتين كانتا بملكية سعودية قبل تأجيرهما لمصر عام 1950، وأنّه بالمجمل فإنّ القضية هي إعادة ممتلكات إلى أصحابها. ولكن لا يوجد في هذه التقارير أي تلميح إلى أن السعودية قد التزمت بالتمسّك بشروط كامب ديفيد من أجل الحصول على موافقة إسرائيل.
فقد اكتفت السعودية ببيان علني ولكن يبدو أنّه قد سبقت هذا البيان محادثات مباشرة أو غير مباشرة بين ممثّلين سعوديين وإسرائيليين. ورغم أنه لا يزال مبكرا أن نوقف الأنفاس انتظارا لإقامة علاقات دبلوماسية بين السعودية وإسرائيل، فليس هناك شكّ أن نقل الجزيرتين إلى السعودية، واعتراف المملكة باتفاقية كامب ديفيد، إلى جانب سيطرتها عليهما على مدخل البحر الأحمر، بموافقة إسرائيل، هي خطوات استراتيجية في غاية الأهمية، وأكثر بكثير من مجرّد “إعادة الممتلكات إلى أصحابها”.
تطرح هذه الخطوة السؤال التالي: من في المملكة يقرر السياسة الخارجية ومن يشكل مواقفها في التقلّبات التي تشهدها المنطقة. للوهلة الأولى، يبدو أنّ الملك سلمان البالغ من العمر 80 عاما هو صاحب الكلمة الأخيرة. ولكنه مريض ويعاني كما يبدو من الزهايمر أو من الخَرَف. قال الأشخاص الذين التقوا به من دون الكشف عن أسمائهم إنّه يعاني من فقدان التركيز في منتصف المحادثة، ويقول صحفيون عرب إنّ خطاباته مصاغة بحيث يمكنه استخدام مفردات محدودة فقط، وهو يعاني من مشاكل في الذاكرة قريبة الأمد، ويكرر الكلمات والجمل ذاتها كثيرا، أثناء ظهوره الجماهيري.
ومع ذلك، فهو لا يتجنب اتخاذ قرارات مثل شنّ الحرب في اليمن أو استراتيجيته في إقامة ائتلاف سنيّ ضدّ النفوذ الإيراني. ولكن أيضًا في هذه القرارات يعتمد الملك بقوة على رأي نجله محمد، الذي عيّنه في منصب وليّ وليّ العهد، ورغم أن هذه هي درجة واحدة أقل من وليّ العهد، الأمير محمد بن نايف، فالتوقعات هي أن يتبدّل هذا الترتيب قريبا. يدور الصراع الحقيقي في الأسرة المالكة على الوراثة، حيث إنّ كلا الشابين، الابن محمد البالغ من العمر 31 عاما ووليّ العهد محمد بن نايف البالغ من العمر 58 عاما، سيضطرّان إلى التنافس على قلب مجلس الوصاية (مجلس البيعة) المؤلف من 34 من أفراد الأسرة المالكة والذي يتمتع بسلطة اتخاذ القرارات والموافقة على الملك القادم بعد وفاة الملك سلمان.
حتى ذلك الحين، يُلقي سلمان على نجله معظم المهامّ الدولية. لقد زار موسكو مرّتين، وأقام علاقات مهمة مع الإدارة الأمريكية التي تعتبره وليّ العهد، وقد التُقطت له صورا، هذا الأسبوع، وهو يعانق عبد الله ملك الأردن، كما لو كان أخاه الأكبر، وهو الذي نسج التحالف الإسلامي-السني ضدّ إيران.
إلا أنّه أيضًا لدى المملكة الغنية والتي تمسك برأس مصر فوق سطح الماء وشقّت الطريق أمام تركيا للانضمام إلى الشرق الأوسط العربي، لا يسير كل شيء كما هو مخطّط له. فعلى سبيل المثال لم تحقق الزيارة إلى مصر والزيارة فيما بعد إلى تركيا أثناء اللقاء مع أردوغان، واللتين كانتا تهدفان إلى التوصل، من بين أمور أخرى، إلى مصالحة تركية-مصرية لاستكمال التحالف السني، نتائجها. كان من المفترض أن يتم التطرق إلى هذه المصالحة يوم الجمعة الماضي (15.04)، أثناء اجتماع مؤتمر الدول الإسلامية في إسطنبول. أملَ الملك السعودي أنّ يكون الممثّل المصري في المؤتمر الرئيس السيسي، وأن يوافق الرئيس أردوغان على الاعتذار عن الانتقادات الشديدة التي وجّهها إلى السيسي خلال العامين الأخيرين. وقد تخيّل الملك سلمان أنه سيتعانق الاثنان، وينسيان الماضي.

ولكن السيسي يطالب بأكثر من الاعتذار. إنه يطالب أردوغان أن يطرد من تركيا قادة الإخوان المسلمين المصريين الذين وجدوا فيها ملجأ وأن يتوقف عن دعمه للحركة المعرّفة في مصر باعتبارها حركة إرهابية. ومن جهته يطالب أردوغان بإلغاء عقوبات الإعدام المفروضة على أعضاء الحركة في مصر وإطلاق سراح الرئيس المعزول محمد مرسي من السجن. ورغم الضغوط والإغراءات السعودية، فبالنسبة لكلا الطرفين تعتبر هذه شروطًا غير ممكنة. كانت النتيجة أنه تم اختيار وزير الخارجية سامح شكري ليكون الممثل المصري في مؤتمر الدول الإسلامية، وهو الذي قرأ خطاب السيسي مكتوبا وسافر فورا بعد ذلك عائدا إلى القاهرة من دون الحديث مع أردوغان.
سيعود 500 من مرافقي الملك سلمان إلى إسطنبول، والذين أجبروا الحكومة التركية على تجنيد أسطول من السيارات الفاخرة كي تقلّهم، مع الملك إلى الرياض من دون تحقيق النتيجة السياسية التي كانوا يأملون بها. سيضطر الملك سلمان إلى التعايش بسلام مع حقيقة أن المساعدة الاقتصادية، مهما كبر حجمها، لا تضمن خضوعًا سياسيا من قبل زبائن المملكة السعودية. وما ينطبق بخصوص الإدارة الأمريكية وعلاقتها مع إسرائيل ينطبق أيضًا على السعودية وعلاقتها مع مصر.
ولكن فشل الملك هذا لا يجعل مصر أو تركيا خصوما للسعودية. يوجد لدى كل واحدة منهما مصالح خاصة بها تلزمها بعلاقات وثيقة مع المملكة. ولكن لكل واحدة منهما، كما للسعودية، هناك مبادئ دبلوماسية وبالأخصّ سياسية، والتي تكبح في هذه اللحظة إمكانية بناء تحالفات استراتيجية واسعة.
فعلى سبيل المثال، لا يرضى العديد من الحركات في مصر بـ “الاستعباد” الاقتصادي المصري من قبل السعودية. إنها تخشى ألا يشجّع مثل هذا الاستعباد الحكومة المصرية على تخطيط برامج اقتصادية سليمة لإعادة بناء الاقتصاد. في تركيا تحديدا هناك رضًا عن التحالف الجديد مع السعودية، والذي سيتضمّن أيضًا استثمارات تجارية جيدة في البلاد. ولكن في الوقت نفسه، لا ترغب تركيا، التي تستضيف الآن طائرات حربية سعودية في مطار إنجرليك، في خسارة علاقاتها الاقتصادية المهمة مع إيران، وتأمل بمضاعفة حجم الإتجار معها بثلاثة أضعاف وأن يصل إلى أكثر من 30 مليار دولار. لن تستطيع السعودية أن تملي على تركيا من هم حلفاؤها، كما أنها لا تستطيع أن تملي على مصر أن تتصالح مع تركيا أو تشارك بشكل أكثر فعالا في الحرب باليمن.
وهناك أيضًا درس إسرائيلي مهم من تشابك العلاقات هذا. فلم تعدْ إسرائيل اللاعب الاستراتيجي الذي تتحرك حوله اللعبة الإقليمية. لقد حلّت إيران مكانها كتهديد استراتيجي للدول العربية، ولكن هذه ليست منظومة ذات علاقات واضحة يكون فيها أعداء إيران هم أصدقاء إسرائيل. فالسعودية ليست قريبة من استئناف العلاقات مع إسرائيل بفضل نقل الجزيرتين إلى أيديها، وكما أن مصر ليست قريبة من التطبيع مع إسرائيل بسبب التوتر بينها وبين تركيا. فلا تزال إسرائيل بمثابة العدوّ العالم العربي.
نشر هذا المقال لأول مرة في صحيفة هآرتس