لقد أصبحت ألمانيا القصة الأكثر سخونة في الشرق الأوسط إثر أزمة اللاجئين بسبب الحرب الأهلية السورية. من بين نحو 1.1 مليون لاجئ قدِموا إلى ألمانيا، فإنّ أكثر من 80 ألف تم استيعابهم في برلين في أكثر من 120 مركز استيعاب. بما أن اللاجئين أصبحوا جزءًا لا يتجزأ من المشهد اليومي للمدينة، أدى ذلك إلى صراع في المجتمع الإسرائيلي في برلين. من جهة، يؤيد الإسرائيليين الذين تعبّر غالبيتهم عن مواقف يسارية ليبرالية، سياسات الهجرة التي تتخذها ميركل ويدعمون استقبال اللاجئين في المدينة. ومن جهة أخرى، فهم مدركون للتلقين المعادي للإسرائيليين وللسامية الذي تلقّاه اللاجئون في بلادهم. إنّ التوتر بسبب الحفاظ على القيم الليبرالية والخشية من معاداة السامية والإسرائيليين قدّ أدى إلى مبادرات تطوُّع من أجل اللاجئين ونقاشات عديدة داخل الجالية الإسرائيلية.
وقد وصل التوتر إلى ذروته عندما نشر أحد الصحفيين المشهورين في ألمانيا والداعمين المتحمسين لإسرائيل، وهو “دي فولت”، مقطع فيديو رافق فيه المصوّر يوناتان شاي، وهو إسرائيلي يعتمر قلنسوة، في مركز للاجئين وهو يحاول انتزاع ردود فعل معادية للإسرائيليين وللسامية من المهاجرين، وهو أمر لم ينجح كثيرا. أدى المقطع إلى عاصفة في أوساط الجالية. نشر كُتّاب إسرائيليون مقالات في الصحف الألمانية والإسرائيلية المحلية، وهم يتنكّرون لشاي، الذي اتهم من جهته الصحيفة بالتحرير المُغرض. كان أحد أشد الناقدين لمقطع الفيديو هو ديكل بيرتس، عضو جمعية “أصدقاء كنيس فرانكلوفر” الواقع في حيّ كروزبرج، والذي خصّص مع عدة منظمات يهودية أخرى، الـ “Mitzvah Day” السنوي للتطوّع في مركز للاجئين. انتقد بيرتس شاي أنه في محاولته للكشف عن معاداة السامية في أوساط اللاجئين المسلمين، كشف عن مواقفه المعادية للمسلمين.
كانت هذه هي المرة الأولى التي التقيتُ فيها بلاجئين كجزء من التطوّع. سافرتُ إلى دار اللاجئين الواقعة في حيّ فيلمرسدورف غربيّ المدينة، للّقاء من كانوا جيراني وراء الحدود. أصبح مُجمع البلدية القديم مركزًا للاستيعاب. تحيط أربعة مبانٍ بساحة داخلية واسعة أصبحت ساحة للألعاب. يحرس حرّاس مهددون المدخل ويتأكدون أنْ يدخل من تم تسجيله مسبقا فقط. تحوّل اللوبي إلى مركز معلومات لدروس الألمانية، لقضاء أوقات الطعام والبيروقراطية، وتحوّلت المكاتب إلى غرف نوم.
https://www.facebook.com/WELTVideo/videos/954651331249146/
في البداية تحدّثنا باللغة العالمية الحقيقية – كرة القدم. بعد مباراة عاصفة، مع عدد من الإسرائيليين الفضوليين (من بينهم أيضًا يوناتان شاي من مقطع الفيديو)، بقينا للتحدث مع اللاعبين. وبدا أنّهم كانوا فضوليين أيضًا للقاء إسرائيليين للمرة الأولى. تحدّث إسماعيل، وهو في الثانية والعشرين من عمره من إدلب، عن رحلته إلى برلين عن طريق تركيا واليونان، وحرص صديقه أحمد، وهو كردي في الثالثة والعشرين من عمره من مدينة القامشلي، على التأكيد أنّهم يشتاقون في كردستان إلى اليهود الذين غادروا. في المقابل، قال أحد السكان بالعامية “يلا باي” في اللحظة التي عرف فيها أنّنا من إسرائيل.
في هذا الأسبوع، اخترت أن أسافر إلى Job center، وهو مركز العمل الذي يموّل بقاء طالبي اللجوء ويساعدهم على اكتساب اللغة وعلى العمل في المستقبل أيضًا. كان هناك صفّ طويل امتدّ حتى شباك الخدمات وسُمعت همسات باللغة العربية في غرفة الانتظار. جلستُ بجانب شابَّيْن سوريين من دمشق وبدأت التحدث معهما بالعربية. علي، في الواحدة والعشرين من عمره، وصل منذ سبعة أشهر إلى المدينة، وصديقه أمين، في العشرين من عمره، جاء إلى ألمانيا بعد ثلاث سنوات من المنفى في مصر، لبنان وتركيا. سألتهما إذا صادفا إسرائيليين ويهود متطوّعين في مركز اللاجئين. أجاب علي أنّ اللاجئين صُدموا في المرة الأولى عندما وصل متطوّعون يهود إلى المركز. فتساءلوا متعجبين: “هؤلاء يهود”!، كما استذكر، ومنذ ذلك الحين وهو يقول قد تغيّرت نظرته إلى اليهود ولخّص قائلا: “يذبحنا الأسد في سوريا وأما اليهود هنا يساعدوننا. كل شيء على العكس تماما”.
وعندما جاء دور علي للدخول، أكملت حديثي مع أمين. أخبرني أنّ والد علي يقبع منذ ثلاث سنوات في السجون السورية من دون سبب، وأنّ ابن عمّه قبع في السجن أيضًا لمدة عام ولكنه نجح في التحرّر. وأضاف أنّ النظام السوري قد حرص على تقسيم المجموعات السكانية المختلفة في سوريا، ولكن الآن في دار اللاجئين فإنّ شيئا واحدا يوحّد الجميع – كراهية بشار الأسد. وقال إنّه بحسب رأيه فإنّ أقل من نصف اللاجئين هم سوريّون، حيث إنّ البقية جميعهم قد جاؤوا من المغرب وحتى باكستان (وهو صحيح فعلا وفقًا للسلطات الألمانية). شاءت الأقدار وعندما كنت في طريق العودة في رصيف قطار الأنفاق أن ألتقي بمهاجرَيْن لبنانيين، من صيدا وبيروت، واللذين قرّرا أن يبدأ حياة جديدة في ألمانيا و “عدم العودة إلى لبنان أبدا”.
تحوّلت برلين إلى نموذج مصغّر عن الشرق الأوسط من دون حدود سايكس-بيكو. هناك جاليات لم تلتقي في بلادها أبدا، وأصبحت تلتقي في الشارع وتجلس معا في القطار. وفي بعض الأحيان يؤدي ذلك إلى حالات سريالية مثل تناول عشاء يوم السبت مع جندي سوري سابق، وفي بعض الأحيان إلى اصطدام هزلي للروايات كاللقاء بين لاجئ سوري-فلسطيني حيث يخبر كلانا بعضنا البعض أنّنا من حيفا، هو من فلسطين وأنا من إسرائيل. ولكن مع تاريخ حافل بالحروب وعقود تفتقر إلى التفاعل، فلا نتوقع قصة حبّ. في محادثة مع لاجئ سوري قديم، قال إنّ الموضوع لا يزال حساسا ولكن الجيل الصغير في أوساط اللاجئين، بخلاف الآباء، يميل إلى أن يكون أكثر انفتاحا ويرغب في فتح صفحة جديدة مع الإسرائيليين. حتى قبل مجيء اللاجئين إلى برلين، كانت العلاقات بين الجالية اليهودية والمسلمة متوترة، ولكن يبدو أنّه على الأقل بدرجة ما، فإنّ الفضول واللقاءات بين الجاليتين تُضعف الصورَ النمطية قليلا.