في الواقع، هذا هو نموذج صارخ على ضعف المجتمع المنفتح والمؤسس على حقوق الإنسان، الحريات ومنها حرية العبادة والتنقل للبشر. تم استغلال هذه الحرية من قبل منفّذي العملية بشكل فظيع وهذا يكشف عن نقاط الضعف في الدولة الليبرالية. ورغم أنّ أعداء المجتمع المنفتح قدِموا هذه المرة من بعيد، من خارجه، فقد كشفوا عن ضعفه بل وعن قلّة حيلته.
في 11 أيلول عام 2011 أيضًا، في الولايات المتحدة، كُشف عن فشل العقد الاجتماعي الذي بحسبه يتنازل الفرد عن استخدام القوة ويحظى بالمقابل بضمان الدولة الآمنة. اتضح أن الدولة ذاتها، والتي تتمتع باحتكار القوة وإنفاذ القانون ليست قادرة على حماية مواطنيها من عملية إرهابية استثنائية.
الإرهاب الذي ضرب بروكسل هو الإرهاب ذاته الذي ضرب باريس قبل شهرين. ظننتُ حينها أن هذا بداية موجة تهديد لتنفيذ العمليات القادمة. لست نبيّا أو متنبّئا بالمستقبل؛ فأنا أقرأ بعمق أسباب هذه الظاهرة. إنّ النهج الأصولي في الأوساط الإسلامية في الأراضي الأوروبية، وفي كل مكان في العالم، يعمل بقوة عوامل تاريخية، سياسية، اقتصادية وهوياته/ اجتماعية عميقة.
تسري توترات علنية وخفية بين النهج الديني المتطرف، المشبع بالحساب التاريخي المفتوح مع الغرب “الصليبي” و “الاستعماري”، المسيحيين، و “الكفار”، والذي يتغذّى من خطاب عنيف وعدواني، ومن الشعور بالهزيمة والتخلف أمام الثقافة المسيحية وثقافة ما بعد الحداثة، وبين الغرب العالمي والجبار. تجعل هذه التوترات العنف المتباهى به الطريقة الوحيدة التي يمكن أن ينعكس فيها النهج الأول.
وانعكاس ذلك هو الدمار: وشم النظام العالمي وتدميره بالعنف الموجّه ضدّ مشتقّات العولمة والدولة كسلطة سياسية، أيديولوجية، واجتماعية. الإرهاب في بروكسل وفي أماكن أخرى موجّه ضدّ كل نهج حديث للحياة الاجتماعية؛ في المدينة العالمية، في الدولة، في اتحاد الدول، وفي القيم العليا التي أنشأها التاريخ البشري.
إنّ ادعاء الابتعاث الإلهي يؤهل تدمير المجتمع العقلاني. إذا أردتم، فالسماء تتصارع مع الأرض.
إذا كان هذا هو التوحيد، فأعيدوا لنا الديانة الوثنية.
نشر هذا المقال للمرة الأولى في موقع منتدى التفكير الإقليمي