ما زالت الرايات السوداء ترتفع خفاقة في سماء سوريا والعراق، والجزارون الذين يركبون شاحنات التويوتا ما زالت أسماؤهم تتصدر العناوين. بالطريق، يبعدون انتباه العالم الحر، بما في ذلك دولة إسرائيل، عن المشكلة الأساسية في الشرق الأوسط: إيران.
لهذا لدينا د. مايكل دوران، الخبير في شؤون الشرق الأوسط والعلاقات الدولية في معهد “بروكينغز”، الذي شغل سابقًا مناصب هامة في هيئة الأمن القومي في البيت الأبيض وفي وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون). إنه هنا لكي ينبه ويحذّر. كما فعل سابقًا، أيضًا في هذه الأيام، بينما أعين كل العالم تتجه إلى خطر الإرهاب السني، يطلب دوران التشديد على أنه في نهاية الأمر، القضية الأهم هي المشكلة النووية”.
في مقابلة له مع موقع “ميدا”، يقول ان على نتنياهو التمسك بذلك: “طهران هي المشكلة الأساسية، لعدة أسباب: تقود إيران منذ 30 عامًا تحالفًا أو ائتلافًا إقليميًا، الهدف المعلن منه مجابهة السياسات الأمريكية. إن كل رئيس أمريكي يتجاهل الأهداف المعلنة لنظام “آية الله” يرتكب بذلك خطأ كبيرًا. المصلحة الأمريكية العليا هي منع إيران من التوصل إلى إنتاج سلاح نووي”.
عمل قذر ولكنه ضروري
يذكر أيضًا أن هناك سبب آخر يتعلق بشكل مباشر بمسؤولية إيران عن خلق المشكلة التي نواجهها اليوم: “أمريكا لديها هدف وهو منع إنشاء دولة جهاديين إسلاميين، تمتد من الموصل وحتى حلب السورية. كيف وُلدت هذه المشكلة؟ بسبب رفض الأسد والدولة العراقية أيضًا مسألة العمل مع الطائفة السنية. وبالطبع تقف إيران خلف تلك السياسات. مثال على ذلك هي الحرب الأهلية في سوريا. لم تكن حتى سنة 2011 في سوريا أية جهات متطرفة. ولكن خلقت سياسة الأسد – التطرف، الاغتصاب، عمليات الذبح والغارات الجوية المكثّفة – الأجواء لتعاظم تطرف المسلمين السنة. من السذاجة القول أن إيران لا علاقة لها بما يحدث هنا”.
قلت في بداية العام أن أفضل شيء تفعله الولايات المتحدة هي أن تتخذ موقفًا في الصراع الدائر في الشرق الأوسط -مع المسلمين السنة ضد الأسد. يبدو حاليًا أن هذه الجهة صارت تُصنف الآن بشكل تام بأنها تابعة للقاعدة. هل ما زلت متمسكًا برأيك؟ وان كنت كذلك، لماذا؟
“كان من الأفضل التدخل عاجلاً وليس آجلاً. الأمر المثير للسخرية هو أننا تخلينا عن التدخل عندما كانت هناك إمكانية للسيطرة على مدينة حلب ومحيطها وأن نقيم فيها معسكرًا للمسلمين المعتدلين. تم اليوم فرض التدخل على أوباما فرضًا، ولكن دون كل الأفضليات التي كان بإمكاننا تحقيقها حينها: صارت إيران الآن أقوى، تم إنشاء ملاذ آمن للمسلمين المتطرفين وتحاول الدول الحليفة للولايات المتحدة التملص بقدر المستطاع من المشاركة بالحرب”.
لو تدخلت الولايات المتحدة في سوريا من قَبِل لربما ما كنا لنصل إلى المشاكل التي نواجهها اليوم. كانت مسؤوليتنا نحن أن نخلق مركز ثقل ضمن الوسط السني الذي بإمكانه إقصاء الأسد والإسلام المتطرف
“علينا أن ندرك اليوم أن نصف عدد المسلمين السنة تم طردهم من بيوتهم. يريد الإنسان السني العادي فقط أن يعيش بهدوء، ويحاول أن يصمد. لهذا، أنا لا أوافق على القول أن كل المسلمين السنة، أو غالبيتهم، هم تابعون للقاعدة. لو تدخلت الولايات المتحدة في سوريا من قَبِل لربما ما كنا لنصل إلى المشاكل التي نواجهها اليوم. كانت مسؤوليتنا نحن أن نخلق مركز ثقل ضمن الوسط السني الذي بإمكانه إقصاء الأسد والإسلام المتطرف. لا شك أن هذا عمل قذر ولكنه ضروري. ولا أتحدث هنا عن تدخل مثل التدخل الذي كان في العراق، بل أن نكون الدماغ الاستراتيجي لذلك الجهد – التدريب، التسليح، تشكيل تحالف وتحديد الأهداف. إذًا، صحيح أنه ما كان بإمكاننا الوثوق ببعض القوات. إذًا، ماذا يحدث للتحالف الذي ينشئه أوباما اليوم؟ الأمر ذاته تمامًا”.
الكثيرون من قادة داعش خدموا تحت سلطة صدام
حاليًّا، التعاون بين الغرب وإيران آخذ بالتعاظم ويشكل هذا الأمر مصدر قلق لإسرائيل. نشرت صحيفة الوطن السورية يوم الإثنين الأخير أن الولايات المتحدة توفر للأسد معلومات استخباراتية عن داعش. كذلك أشار التقرير إلى أن هناك تواصل بين الدولتين، من خلال طرف ثالث على ما يبدو. وقد صرح الرئيس أوباما، قبل أسبوع من ذلك، لشبكة NBC الإخبارية بأنه يعتقد “أن تلك أخبار سارة، حيث أنه للمرة الأولى يبدو بشكل تام أن مشكلة الدول السنية في المنطقة… ليست إيران فقط. ليست هناك فقط المشكلة السنية – الشيعية”.
بدا أوباما هنا أيضًا يُفوّت الفرصة ثانية ولا يدرك تمامًا موازين القوى في المنطقة. برزت هذه الحقيقة تحديدًا بعد “خطاب الحرب ضد داعش” الذي ألقاه يوم الأربعاء بتاريخ 10/9 حيث قال فيه: “أود توضيح مسألتين: تنظيم الدولة الإسلامية هو ليس إسلاميًا. ما من دين يوافق على قتل الأبرياء وأيضًا غالبية الضحايا هم من المسلمين. داعش ليست دولة أيضًا؛ داعش ليست إلا تنظيمًا إرهابيًّا، وليس لدى هذا التنظيم أي هدف غير قتل كل من يقف بطريقه”.
د. دوران، هل توافق على هذا الطرح؟
https://www.youtube.com/watch?v=spIWGoNZnaU
“لا. لا أوافق عليه. ربما كان داعش هو تنظيم إرهابي يقتل الأبرياء، لكن، داعش ليس فقط هذا. نُشر، منذ مدة ليست ببعيدة، في صحيفة نيويورك تايمز تقرير عن قادة داعش. يبدو أن العديد منهم كانوا يشغلون مناصب في نظام صدام حسين. ما يعني أنه إلى جانب التيار الإسلامي المتطرف هناك أيضًا قاعدة لحزب البعث. علينا أن نعرف تمامًا من هم الذين نواجههم لكي نعرف لماذا نجحوا بهذه السرعة”.
“هنالك أسباب أُخرى لعدم موافقتي على تلك المقولة: أولاً، هذا التنظيم لديه علاقة متينة بالدين. لديه أيديولوجية واضحة جدًا تخص الإسلام المتطرف والتي نعرفها منذ أكثر من 10 سنوات، منذ هجمات 11/9. ثانيًّا، ليس بالإمكان القول إنهم لم يؤسسوا نظام حكم؛ ربما ليس نظامًا محكمًا، ولكنهم بالفعل يديرون اليوم مدنًا كاملة ويمثلون – بنسبة ما – مصالح بعض المواطنين هناك”.
ما المقصود؟ ألم يتم فرض نظام داعش على المواطنين رغمًا عنهم؟
“عندما قامت الولايات المتحدة عام 2003 بإقصاء المسلمين السنة عن الحكم ووضعت مكانهم الشيعة، كانت القوات الأمريكية تتوسط بين المسلمين السنة والشيعة في بغداد. عندما تركنا المنطقة تزعزع توازن القوى في المنطقة. اليوم حتى وإن قيل الأمر بشكل واضح، فإن مصالح أوباما تتوافق مع مصالح الإيرانيين. مثلاً، الحصار الذي فرضه تنظيم داعش على مدينة آمرلي؛ في شمال العراق، دخلتها الميليشيات الشيعية التي تدربت على يد الإيرانيين. حتى قاسم سليماني، قائد قوات القدس الإيرانية، شوهد في المنطقة. ومن الذي شن الغارات الجوية؟ الولايات المتحدة”.
“رأت القوات المحلية والسكان المحليين في المنطقة ذلك وأدركوا المغزى: الخيار الوحيد القائم هو إما إيران أو داعش. والكثيرون منهم غير معنيين بإيران. ربما كان الدين مجرد إيمان، ولكنه في الشرق الأوسط هوية أيضًا. وعلى الرئيس الأمريكي أن يدرك هذا أيضًا”.
نظرية العامل المزعزع
خلال اللقاء، الذي دار بأكمله باللغة العبرية، بدا أن دوران لديه محبة خاصة لدولة إسرائيل. خلال الثمانينات، حين كان لا يزال طالبًا جامعيًا، مكث في البلاد بضع سنوات. منذ ذلك الحين وهو يتحدث اللغة العبرية بشكل تام تقريبًا. بدأ دوران مشواره في جامعة ستانفورد ودرس للقب الثاني والثالث في جامعة برنستون. “خلال ذلك المشوار، مررت بعملية كشف للذات. أدركت أنني مهتم أكثر بالعلاقات الدولية أكثر من موضوع التاريخ فقط في مرحلة متأخرة جدًا، وذلك كان صدفة أيضًا؛ تذكر مبتسمًا.
الصراع الإسرائيلي الفلسطيني مرتبط مباشرة بقصة حياة دوران. “بدأت دراستي عام 2000 في برنستون. كنت من اللحظة الأولى شخصية خلافية بسبب آرائي”. في مساق العلاقات الدولية والدراسات الشرق أوسطية في الأكاديمية، يقول، هنالك سؤال كبير يفصل بين معسكرين: “ما الذي تغير؟ هل الصراع في الشرق الأوسط بدأ فقط بسبب التدخل الغربي أو هو شيء داخلي وحسب؟ ليست لدي إجابة دامغة على هذا السؤال، ولكنني تعمقت جدًا في التاريخ الداخلي لمنطقة الشرق الوسط. واكتشفت أنه في هذا المجال هنالك مكان خاص للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني. هذا الصراع هو مميّز. ينافق الكثير من الأكاديميين إذ يدعون أن هذا هو السبب للأزمة في المنطقة. حتى أن هذا ما يعتقده قادتنا. أنا لم أقبل هذا الادعاء منذ اليوم الأول”.
دائمًا نحن نرى ما يفعله العرب على أنه ردة فعل على إسرائيل. سأل الجميع بعد مأساة برجي مركز التجارة العالمي “أين أخطأنا؟” وأنا ادعي أن الأزمة لم تبدأ لكونهم يكرهوننا بل إن الحديث هنا عن جزء من اللعبة العربية الإسلامية التي هدفها السيطرة والسلطة
قال دوران في مقالته التي كتبها لمجلة “Foreign Affiars” ؛وهي المقالة التي جعلت له مكانًا في البيت الأبيض؛ وتحت عنوان “الحرب الأهلية الخاصة بآخرين”، بأن أصل المشاكل في الشرق الأوسط هي صراعات عربية – عربية. دائمًا نحن نرى ما يفعله العرب على أنه ردة فعل على إسرائيل. سأل الجميع بعد مأساة برجي مركز التجارة العالمي “أين أخطأنا؟” وأنا ادعي أن الأزمة لم تبدأ لكونهم يكرهوننا بل إن الحديث هنا عن جزء من اللعبة العربية الإسلامية التي هدفها السيطرة والسلطة. جذبت هذه المقالة الكثير من الانتقادات. كنت قبل هذه المقالة مؤرخًا، ومن ثم تحوّلت إلى سياسي. لم يكن ذلك مخططًا له أبدًا”.
“اكتشفت أنني محافظ أكثر مما توقعت”
مر دوران في المرحلة ذاتها تحولاً آخر. “حتى ذلك الحين كنت أُصوّت للديمقراطيين”، كما قال، “حتى أنني صوتت لآل غور”. لم يحدث ذلك في يوم واحد. مر دوران بمسار بدأ منذ سنوات الـ 90: “لم أتفق سياسيًّا مع زملائي، ولكنني كنت دائمًا أعتقد أنه مجرد خلاف أكاديمي. لم أدرك أبدًا أن هناك فجوة كبيرة بيني وبين الديمقراطيين. فقط عندما بدأت التحدث للجمهور اكتشفت أنني محافظ أكثر مما توقعت”. والأمر لم يتوقف هناك. “تفاجأت أيضًا عندما بدأت أتحدث لعالم المخابرات إذ اكتشفت أن آراءهم أيضًا لا تختلف كثيرًا عن آراء أساتذة الجامعات. حينها صرت “أكثر وعيًا”، وصرت شخصية خلافية أكثر فأكثر في الأكاديمية. وحينها اتصل بي Elliot Abrams (دبلوماسي أمريكي) وكان يريدني أن آتي للعمل في البيت الأبيض”.
في الماضي تم انتقاد الولايات المتحدة كثيرًا لأنها ذهبت للحرب في الشرق الأوسط. اليوم هنالك انتقادات، في داخل أمريكا أيضًا، بخصوص تدخل الولايات المتحدة في الصراعات الخارجية. هل على الولايات المتحدة أن تتدخل بالفعل؟
“أجل. شن حرب ضد داعش يعني أن الولايات المتحدة مهتمة بإعادة تنظيم المنطقة، ولا يمكن اليوم إحلال ذلك النظام، الذي يحمي بنهاية الأمر أيضًا المصالح الأمريكية دون شن حرب ضد داعش. هذا التنظيم يتحدى الولايات المتحدة ولا يجب تجاهل ذلك. لا أستهين أبدًا، بخلاف كثيرين آخرين، بأن ردة الفعل جاءت فقط بعد القيام بقطع رأس مواطنين أمريكيين، ويجب أن يكون الرد ملائمًا وقويًا جدًا.
“إلى جانب تهديد أمريكا، إذا لم نفعل شيئًا نكون بذلك قد خذلنا حلفاءنا في المنطقة ولا يجب أن نستهين بذلك. هنالك منظومة كاملة مرتبطة بنا، وعلينا أن نرد لتعزيز قوتها. علي في هذه النقطة أن أشيد بموقف أوباما: بخلاف تصريحاته سابقًا فقد قرر أن يفعل شيئًا. واضح أنه لم يكن راغبًا بفعل شيء، لكنه يفعل على أي حال. ولكن هذا ليس كافيًا لأنه لا يملك استراتيجية محددة”.
قال أوباما في خطابه إن أمريكا ستُهاجِم من الجو وستشكل تحالفًا ضد داعش. “هذه ليست استراتيجية؟
“لم يصرح عن شيء لم تفعله الولايات المتحدة حتى الآن. ما هي الاستراتيجية في الواقع؟ هي خطة تطرحها ليفعل الأشخاص أشياء لا يمكنهم فعلها دونك ودون هذه الخطة. الشيء الآخر هو الهدف. إذًا، أوباما لديه هدف ولكن وضع حدًا لتحقيقه يصل إلى 3 سنوات – حينها لن يكون رئيسًا. وماهية هذا الأمر واضحة تمامًا. إذا، ربما وكأن لديه استراتيجية ولكن هذا غير صحيح. هو يتملص. لا يمكن تحقيق النصر فعلاً دون عملية برية. فمن جهة، هناك المشكلة الشيعية، ومن ناحية أُخرى القبائل السنية (التي تعارض داعش) لا يمكنها تحقيق نجاح دون مساعدة برية.
الولايات المتحدة هي الرابط الوحيد بينهم وهي الوحيدة التي يمكنها أن تضع استراتيجية معيّنة وتوزيع الأدوار
“ما لا يفهمه أوباما هو أنه إن دخل إنسان إلى غرفة ما وقال أريد دورًا متواضعًا… أنا على أي حال واحد من كثيرين” يكون بهذا يقول إنه هو ليس القائد. لا يدرك دور أمريكا كقوة في المنطقة. لدى الولايات المتحدة الكثير من الحلفاء في الشرق الأوسط والذين بينهم الكثير من الصراعات والاختلافات. الولايات المتحدة هي الرابط الوحيد بينهم وهي الوحيدة التي يمكنها أن تضع استراتيجية معيّنة وتوزيع الأدوار”.
للختام، إن تم اختيار مايك دوران غدًا رئيسًا للولايات المتحدة – ما هي الأشياء الثلاثة الأولى التي ستتغير فيما يخص السياسات الأمريكية الخارجية؟
“أول خطوة أقوم بها هي التخلي عن المفاوضات النووية مع إيران. يجب وضعهم أمام قرار واضح جدًا وهو إما التعاون مع الغرب بهذه النقطة وإما تحمل عواقب الرفض. ويجب أن تكون تبعات ذلك خطيرة جدًا، سواء من ناحية اقتصادية أو عسكرية”.
ثانيًا، أقوم على تشكيل تحالف إقليمي من أجل إعادة التوازن في المجتمع السني من بغداد وحتى حلب السورية. هذا هو التحدي الكبير – مساعدة هذا المجتمع على تشكيل قيادات معتدلة من داخله”.
“وبخصوص الأزمة الأوكرانية، كنت سأحاول تغيير قوانين اللعبة أمام بوتين. ممارسة سياسة أشد. لا أقصد الحرب. هناك أيضًا أهمية للتفاصيل البسيطة. ربما أصاب أوباما عندما اختار ألا يخوض حربًا من أجل أوكرانيا. أعتقد أن هذا كان قرارًا صحيحًا. ولكن، عندما تلغي إمكانية استخدام القوة تكون بذلك قد خسرت اللعبة مسبقًا. وبالطبع، التوقيت ليس أقل أهمية من تنفيذ العمل ذاته”.
نُشرت هذه المقالة لأول مرة في موقع ميدا