قد يصعُب تصديق ذلك، ولكنّ برامج الواقع التي تهدف إلى تحديد المطرب الكبير القادم ترافقنا منذ أكثر من عَقد. فعام 2003، جرفت إسرائيل موجةٌ من الحماس غيرُ مسبوقة حول برنامج المواهب الأول على الشاشات، “كوخاف نولاد” (ولادة نجم – برنامج شبه مطابق لبرنامج “سوبر ستار”/ “عرب أيدل”). احتفل البرنامج بعقده الأولى، واحتفاءً بالحدث، غيّر اسمه إلى “النجم القادم” ليجتاز تحوُّلًا جديدًا. لكنّ البداية كانت مع “ولادة نجم”، مع المقدّم تسفيكا هدار، ومع صيغة تُتيح للمشاهدين في بيوتهم التصويت وتحديد هوية الرابحين، عبر إرسال رسائل نصية قصيرة (SMS).
في نهاية صيف السنة نفسِها، بلغ الجنون بالبرنامج ذروته. ففي أمسية النهائي، الذي أقيم في شواطئ نيتسانيم، تجمّع عشرات آلاف الشبّان لمشاهدة الظاهرة الثقافية الأكبر في ذلك الوقت، و”النجوم” التي كانت تولد أمام أعينهم، في حفل أشبه بالمهرجان. في تلك الليلة، تنافست نينيت طايّب مع شيري ميمون وشاي جبسو. كانت المنافسة متقاربة بين الثلاثة، واستأثرت بانتباه نسبة مرتفعة من الشعب الإسرائيليّ. في النهاية، كانت نينيت – التي أظهرت صوتًا رنّانًا ومحرّكًا للمشاعر في أغنية “يام شِل دمَعوت” (بحر من الدموع)، لزوهر أرجوف – هي التي نالت أكثر الأصوات وظفرت بالمركز الأول. وخلافًا لعدد من المشتركين الذين فازوا في المسابقات المختلفة لاحقًا، والذين سنتحدث عن بعضهم، فإنّ نينيت نجحت في الحفاظ على مكانتها في النقاش الموسيقي والحضاري في إسرائيل، خلافًا لكلّ التوقّعات المسبقة.
شاهِدوا لتفهموا لماذا كانت نينيت “نجمة” إسرائيل الأولى (الذروة: بعد 04:23)
بعد النجمة التي أتت من الظل في الموسم الأول، واصل برنامج “كوخاف نولاد” تعميق تحكُّمه في الموسيقى الإسرائيليّة. بدأ البرنامج يحدّد الإيقاع ويجذب مغنّين مشهورين ليكونوا حكّامًا، مساعدين، مدرّبين، وغير ذلك من الوظائف التي تهدف إلى منح دقائق من المجد في “وقت الذروة” في المشاهدة، إذ يشاهد معظم الجمهور شخصيةَ الموسيقيين. وبلغ مغنّون أمثال هاريل مويال وهاريل سقعت (الموسم الثاني) أو يهودا سعدو (الموسم الثالث) المراحل النهائية في البرنامج، عارضين أساليب موسيقية دمجت بين التأثيرات المتوسطية وإيقاعات البوب السريعة.
لاءمت أغانٍ مثل “نير عل هحلون” (شمعة على الشباك) التي جدّدها مويال، أو “سادوت شل إيروسيم” (حُقول السوسن) التي غنّاها سعدو، الروح التي حاولت إنتاجها القنوات التلفزيونية التجارية في ذلك الحين: روح الوحدة بين كلّ أطياف الشعب، كما يجري التعبير عنها في الموسيقى التي تمزج مميّزات من تيّارات مختلفة في مضمونها.
أصغوا إلى سعدو في تجديد لأغنية شلومو أرتسي، “سادوت شل إيروسيم” (حقول السوسن)
http://youtu.be/EefIiI0txoo
لاحقًا، كانت ممكنةً ملاحظةُ كيف يعكس البرنامجُ المزاجَ الموسيقيّ في إسرائيل، الذي أصبح يميل أكثر نحو الموسيقى الشرقية، لا سيّما في أسلوب البوب، ولكن أيضًا نحو الكلاسيكيّ أكثر. أصبحت الكمنجات مركزية، وأظهر فوز بوعز معودة (الموسم الخامس)، وكذلك الشعبية التي حظي بها عومر آدم (الموسم السابع) أنّ الأذن العاديّة في إسرائيل تنشُد صوتًا جميلًا، ولكن أيضًا صوتًا قادرًا على غناء “موّال” بطريقة بارعة ورنّانة. صحيح أنّ عومر آدم طُرد من البرنامج في منتصف الموسم، بعد أن تبيّن أنّ عمره (16 عامًا) أصغر ممّا قال، لكنه نجح لاحقًا في التألق ليصبح نجمًا بقواه الذاتيّة.
شاهدوا الشاب عومر آدم يؤدّي “إيشاه نئماناه” (امرأة أمينة) ليشاي ليفي
رغم أنّ الكثير من النقد وُجّه إلى البرنامج على مدار السنوات، لكونه يشجّع على النجاح الفوري على حساب العمل الجادّ والاستثمار للمدى البعيد، لكن قياسًا على النتيجة، فقد نجح بقوّة. صوّت الجمهور حاملًا جهاز التحكّم في يده كلّ مرة من جديد. ورغم أقوال النقّاد المشاكِسين، “ابتلع” الجمهورُ بشهيّة كل ما قُدّم له عبر شاشة التلفاز. قبل ثلاثة أعوام، شهد الصيفُ دليلًا إضافيًّا على النجاح الكبير للبرنامج، حين قررت قناة تلفزيونية أخرى استيراد برنامج العثور على المواهب الموسيقية “The Voice” (الصّوت) من هولندا. ورغم أنّ البرنامج قدّم طريقة لتحديد المواهب مغايرة لتجارب الأداء – أصغى الحُكّام للأغاني مديرين ظهرهم للمغنّين، وفقط مَن استدار حكمٌ تجاهه يحظَ بالانتقال إلى المرحلة القادمة – فإنّ المبدأ ظلّ هو هو. من ثمّ، كان مفاجئًا أنه بعد 8 سنوات من ظهورها لأول مرة، لم تختفِ برامج الغناء. على النقيض من ذلك، فقد سيطرت على المزيد والمزيد من مساحة البثّ في ساعات ذروة المشاهدة.
في البرنامج الجديد، كان مطربون معروفون أكثر، مثل أفيف جيفن وسريت حداد، مدرّبين وحكّامًا في آنٍ واحد. فهم يهيّئون المتسابقين للغناء، ويقيّمونهم بعد انتهاء تقديم مقاطعهم. هنا أيضًا، كانت المتسابقتان البارزتان في الموسمَين الأولَين- يوفال ديان (الموسم الأول) ولينا مخّول (الموسم الثاني)- تملكان صوتًا استثنائيًّا وتحكّمًا كبيرًا في الصوت في سلسلة كبيرة من الأوكتافات. كان مدربهما شلومي شبات، أحد نجوم الغناء المُتوسّطي في إسرائيل، ذو الأغاني الضاربة “أبا” (أبي)، “ييش لاخ” (لديكِ)، و”شتدعي” (فلتعرفي)، والذي يتميّز بالأسلوب التركي، الذي يدمج العزف على الطبول وآلات وترية مختلفة. أمسى البرنامج مع بدايته أمرًا يتحدث عنه الجميع وينشغلون به، بما في ذلك البرامج الحوارية، النقد التهكمي، والصحف.
أصغوا إلى يوفال ديان تغني “شئيريوت شل هحييم” (بقايا الحياة)، أغنية حظيت بملايين المشاهدات على Youtube
وبالتوازي مع ” The Voice”، بدأ برنامج جديد مع أكبر نجوم الغناء المتوسطي، “إيال جولان يدعوكَ”. وبعد أن سجّل البرنامجان موسمَين ناجحَين، وخلافًا للمنطق، تقرّر الشروع في برنامج ثالث، موجّه لجمهور الشباب. “إكس فاكتور”، الذي تقدّمه بار رفائيلي، عارضة الأزياء الإسرائيلية العالمية، هو استيراد آخر لبرنامج من خارج البلاد، وهو دليل على أنّ الجمهور الإسرائيلي لم يضجر بعد من سماع أشخاص يجربون صوتهم ويغنّون أمام الميكروفون.
واحدة من أكثر الفائزين إثارةً للاهتمام هي نسرين قدري، التي اختارها إيال جولان وأصدقاؤه من صناعة الموسيقى – الكتّاب، المغنّين، الملحّنين، والنقّاد – في الموسم الثاني من برنامجه. نجحت قدري، عربية مسلمة من حيفا، في تسمير المشاهدين أمام الشاشة، وهم الذين أرادوا سماع صوتها، ولكن أيضًا السماع عنها وعن نمط حياتها، إذ عرضت مزجًا حديثًا بين الإسلام والحياة الغربية، كفتاة تعمل في حانوت ملابس حققت حلمها وأصبحت شخصية معروفة بين عشيّة وضُحاها. حتّى أشدّ النقاد مهاجمةً لهذه البرامج يعترفون أنه رغم جميع مساوئ البرامج من هذا النوع، فهي تتيح لجماهير لا تنال دائمًا منبرًا أن تنكشف بصورة إيجابية في مركز الحدث الحضاريّ في إسرائيل.
أصغوا إلى نسرين قدري تؤدي بشكل مؤثّر أغنية “كِشِهليف بوخيه” (حينَ يبكي القلب) لسريت حدّاد
http://youtu.be/vTdKzmUJEMI