بفارق أربع سنوات عن “خطاب بار إيلان” الأول، الذي أعرب فيه عن دعمه العلني للمرة الأولى لمبدأ “دولتَين لشعبَين”، ألقى رئيس الحكومة أمس خطابًا هجوميًّا ودفاعيًّا، “قام به بكل شيء عدا التراجع عن موافقته على إقامة دولة فلسطينية”، وفقًا للمحلّل السياسي في صحيفة “هآرتس”.
فيما قام نتنياهو بخطوة أو اثنتَين إلى الأمام قبل أربع سنوات باتّجاه المفاوضات مع الفلسطينيين، فإنّ خطاب الأمس كان خطوةً إلى الخلف، ولم يحتوِ على أية تصريحات مبتكرة أو مثيرة للاهتمام خصوصًا، كما كان يُتوقَّع منه في الفترة التي استأنفت فيها طواقم المفاوضات الإسرائيلية والفلسطينية محادثاتها، إذ تعمل بدأب لمحاولة التوصّل إلى تفاهمات مشتركة. في الشأن الإيراني أيضًا، لم يأتِ نتنياهو بجديد، بل كرّر مبادئ خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع الماضي، خطاب لم يحظَ بالكثير من النجاح العالمي.
وقد جاء حجم ردود الفعل في إسرائيل مناسبًا – فبالتباين مع عناوين الصحف قبل أربع سنوات، التي كانت عاصفة في اليوم الذي تلا خطاب بار إيلان الأول بعناوين عملاقة حول تصريحات نتنياهو، فإنّ الصحف صباح اليوم (الإثنَين) تتعامل ببرودة. صحيفة “هآرتس”، كما هو متوقع، تنتقد. صحيفة “إسرائيل اليوم” الأكثر انحيازًا إلى بيبي تبرز التوجّه لإيران، والصحيفة الهامة “يديعوت أحرونوت” تتجاهل الخطاب بشكل كلي تقريبًا. ليس فقط أنّ الصفحة الأولى للصحيفة تخلو من نبأ عن الخطاب نفسه، بل لم يحظَ الخبر سوى بإشارة عابرة قصيرة وهامشية في إحدى الصفحات المهمَلة في الصحيفة، دون تقديم تحليلات، ومع القليل جدًّا من الاقتباسات. المعنى واضح – لم يأتِ نتنياهو بجديد ولم يُفاجئ، وليست لخطابه، هذه المرّة، أية ارتدادات مصيريّة.
يشهد خطاب نتنياهو، أكثر من أي شيء، على اصطفافه إلى يمين الخارطة، وعلى مواقف أقرب إلى الصقور من ذي قبل. قامت صحيفة “هآرتس” “بتهدئة” السياسيين اليمينيين الذي خشوا كثيرًا من أن يكون نتنياهو أمام “عملية سياسية دراماتيكية – اتفاق دائم، اتفاق مرحليّ، أو عملية أحاديّة الجانب تتضمّن انسحابًا، اقتلاع مستوطنات، وإقامة دولة فلسطينية.” فقد جاء في الصحيفة أنّ خطاب نتنياهو بالأمس دحض مخاوفهم.
وشدّد نتنياهو مجدّدًا على أنّ “الاحتلال والمستوطنات” ليست مصدر النزاع. “تلفظ نتنياهو بالكلمة “احتلال” بازدراء يرافقه اشمئزاز”، قال المراسل السياسي لـ “هآرتس”، الذي شدّد بعد ذلك على أنّ نتنياهو قال إنّ الوجود الإسرائيلي في أراضي 1967 ليس المشكلة المركزية وأصل الصّراع، بل هو الرفض الفلسطيني للاعتراف بحق الشعب اليهودي في دولة في أرض إسرائيل. من الواضح للجميع أنّ تصريحًا من هذا النوع لن يساعد على دفع المفاوضات الحالية قُدُمًا، هذا على أقلّ تقدير.
وبدلًا من إطلاق تصريحات سياسية تخترق الجمود، كما فعل في خطاب بار إيلان الأول، وكما جعل رجال العلاقات العامة في بار إيلان الجميع يصدّقون، “آثر نتنياهو في النهاية أن يأتي ويلقي خطابًا يلقى استحسان المُضيفين”، كُتب في “هآرتس”، وذلك بعد أن فكّر في الأيام الماضية بإلغاء الخطاب الذي بدأت مخاوف منه في اليمين. على ضوء كل ذلك، تُختتم المقالة في “هآرتس” باقتباس من رئيس مجلس البلدات اليهودية في الضفة الغربية وغزة سابقًا، داني ديان، الذي أوجز الخطاب في تغريدة على تويتر: “بار إيلان 2 – ربّما الخطاب الأفضل لنتنياهو كرئيس حكومة”، كتب كأنّ همًّا أُزيح عن صدره. فخطاب نتنياهو لاقى استحسان اليمين المناهض لمعاهدة سلام ولدولة فلسطينية، وجعل احتمال حدوث تقدّم ملحوظ في المفاوضات القائمة حاليًّا في الغرف السرية أقلّ بكثير.