يقاتل الأطفال والفتيان في كل جوانب الحرب الأهلية الدموية في سوريا. حظي تجنيد داعش للأطفال باهتمام واسع، ولكن أيضًا الميليشيات المقاتلة لصالح النظام السوري، الثوار العرب، والميليشيات الكردية تعتمد على القاصرين المقاتلين.
إنّ تجنيد الأطفال ينبع من حاجة جميع الأطراف المقاتلة إلى موارد بشرية، حيث إنّ الحرب قد أدت إلى خسائر فادحة في صفوف المقاتلين. في حين أن بعض المراهقين يُجنّدون رغما عن إرادتهم في صفوف المجموعات المسلّحة، يبدو أن معظمهم ينضمّون بمحض إرادتهم أو لعدم وجود خيار؛ فبسبب انهيار النظام التعليمي، انهارت قطاعات واسعة من الصناعة ووصلت البطالة في مناطق معينة تقع تحت سيطرة الثوار في سوريا إلى 90%، بحيث إنّ الانضمام إلى المجموعات المسلحة هو في بعض الأحيان الطريق الأفضل لإعالة الأسرة. يجبر عدم القدرة على مغادرة سوريا بسبب إغلاق الحدود من قبل كل الدول المجاورة مواطني سوريا على محاولة النجاة والعثور على كسب رزق داخل الحدود.
إنّ تعرض أطفال سوريا للعنف المتطرف، وخصوصا في المناطق الواقعة تحت سيطرة الثوار الموجودين تحت القصف الذي لا يتوقف، يساهم في ممارسة العنف. يشجّع هذا الوضع المواطنين، المراهقين، والبالغين على حدٍّ سواء، على أن يقاتلوا انتقاما لقتل أبناء أسرهم وأصدقائهم. وتنتشر هذه الظاهرة بشكل خاصّ في المناطق الواقعة تحت سيطرة الثوار، على ضوء القتل المكثّف للمواطنين في تلك المناطق. يساهم العنف الصعب الممارس ضدّ المواطنين واغتصاب النساء في معسكرات اعتقال النظام في الشعور بانتهاك الكرامة لدى الرجال والفتيان، الذين يشعرون أنّهم مهانون لفشلهم في الدفاع عن أصدقائهم، نسائهم، وأخواتهم من “تدنيسهم”.
تقوّض الحرب وعدم اليقين بشأن مستقبل الشبان والرجال على حدٍّ سواء معنى الحياة وهدفها، ويمنح الانضمام إلى مجموعة مسلّحة للشبان معنى ودرجة من السيطرة على حياتهم. إن تقويض النظام الاجتماعي القائم بسبب الحرب يساهم هو أيضًا في الرغبة في الانتماء إلى مجموعة أو بنية اجتماعية منظّمة ذات أهداف واضحة.
إنّ تعرض الأطفال، الذين ظلّوا دون إطار تعليمي، للدعاية المشجّعة لهم على التجنّد في صفوف المجموعات المسلّحة يبرز بشكل خاص في المناطق الواقعة تحت سيطرة داعش. سارع التنظيم إلى ملء الفراغ الذي نشأ في أعقاب انهيار النظام التعليمي، وأصبح يستخدم الأطفال والمراهقين من أجل إعداد الجيل القادم من مقاتلي داعش. حظي هذا الاستخدام للأطفال بأكبر قدر من الاهتمام بعد أن نشرت داعش مقاطع فيديو دعائية مروّعة، تهدف إلى صدم العالم، يظهر فيها أطفال وهم ينفّذون عمليات إعدام.
ومع ذلك، فقد حرص التنظيم على إخفاء اعتماده المتزايد على المقاتلين المراهقين في ساحة المعركة، لأنّ الأمر يكشف ضعفه والصعوبات المتزايدة في تجنيد رجال كبار إلى صفوفه. من خلال محادثاتي مع مقاتلين وقادة في صفوف الجيش السوري الحر شمال محافظة حلب ظهر أنّهم يلتقون في المعارك ضدّ داعش بالمزيد من الأطفال المقاتلين. تم غسل دماغ الكثير من هؤلاء الأطفال، بعد أن جنّدتهم داعش بفضل غياب الأطر الملائمة التي توفر لهم الأمان مثل الأسرة والمربّين (الذين تم إجبارهم على أداء يمين الولاء لداعش).
تعتمد الميليشيات الكردية المختلفة في سوريا أيضا على الأطفال المقاتلين من كلا الجنسين فوق سنّ 12، والذين تجنّدهم بالإجبار وفي بعض الأحيان تقوم باختطافهم من البيوت. تظاهر سكان روج آفا، منطقة الحكم الذاتي الكردي في شمال سوريا، عدة مرات ضدّ تجنيد القاصرين وكبار السن رغما عن إرادتهم من قبل الميليشيات الكردية، ولكنّهم ووجهوا بالقمع العنيف. تلقت أسر الأطفال الذين انشقّوا عن صفوف الميليشيات الكردية أو الأسر التي تحدثت إلى الإعلام عن اختطاف أطفالها، تهديدات من الشرطة التابعة للحزب الحاكم.
أدى النقص الحادّ في الموارد البشرية إلى التجنيد الإجباري للشبان والكبار على حدٍّ سواء أيضًا في صفوف نظام الأسد، ولكن يبدو أن استخدام القاصرين في الجيش السوري أقل شيوعا من بقية الميليشيات الأجنبية والمحلية المقاتلة إلى جانب النظام: حزب الله اللبناني، ميليشيا الحزب السوري القومي الاجتماعي SSNP التي تشمل مقاتلين من لبنان وسوريا، وميليشيا شيعة أفغانستان، المدعومة من قبل إيران.
تُجنّد مجموعات عديدة للثوار في سوريا، من العلمانية وحتى الجهادية، إلى صفوفها أطفالا مقاتلين. وفقا لكلام قائد معتدل لإحدى كتائب الثوار في شمال سوريا، فإنّ المجموعات الإسلامية تعتبر المراهقين الذين وصلوا إلى البلوغ الجنسي، نحو 13 عاما، رجالا قادرين على حمل السلاح. لا يوجد توثيق إلى كون الأطفال يجنّدون بالإجبار في مجموعات الثوار، ولكن في أحيان كثيرة يحدث التجنيد دون موافقة الأهل.
إنّ التأثيرات بعيدة الأمد لاستخدام الأطفال كمقاتلين هي تأثيرات مصيرية. فضلا عن ذلك فهم لا يحظون بالتعليم، والعنف المروع الذي يتعرضون له ويشاركون فيه يترك فيهم أثرا سلبيا سيرافقهم كل أيام حياتهم. بعد أن تنتهي الحرب في سوريا سيجد هؤلاء الأطفال، خريجو الحرب والعنف، صعوبة بشكل خاصّ في وضع سلاحهم جانبا والاندماج في الحياة المدنية.
نُشرت هذه المقالة للمرة الأولى في موقع منتدى التفكير الإقليمي.