هذا المساء ستُشعل آلاف المشاعل في أرجاء إسرائيل احتفالا بعيد “لاج بعومر” (عيد المشاعل)، ولكن عددا كبيرا من الإسرائيليين لن يشعلها قريبا من المنزل، وإنما سيسافر، أحيانا لساعات، إلى قبور الصديقين من أجل الاحتفال بالعيد. تحولت هذه الظاهرة إلى صرعة في إسرائيل في العقود الأخيرة، ويعتقد الملايين أنّ هناك قوة في قبور الصديقين قادرة على تحقيق أمنياتهم، توفير الكشوف الدينية لهم، وإنجاز المعجزات.
بدءا من شخصيات من الكتاب المقدس وحتى الحاخامات المحليين من مختلف مناطق الشتات – في القرن الواحد والعشرين أيضا لا يكف اليهود عن “إزعاج راحة” الصديقين الذين وصلوا إلى الراحة الأبدية وذلك من خلال الزيارات، الطلبات، الصلوات وأحيانا حتى السجود على قبورهم. على مرّ الأجيال نشأت العشرات، إن لم يكن مئات المواقع للحج في إسرائيل وحدها، وبعضها كان مشتركا لأبناء الأديان المختلفة، ولكن اعتاد اليهود على الابتعاد أحيانا والوصول حتى إلى الجزائر، المغرب، تونس، أوكرانيا والهند من أجل ممارسة عبادة قبور الصديقين.
مع مرور السنين طُرحت عدة تفسيرات دينية لهذه التقاليد. يوضح أحد التفسيرات، أن عظام الصدّيق هي بمثابة مسكن لروح الله في حياة الصدّيق، وهكذا تكون عظامه بعد وفاته أيضا أقرب إلى الله ومن خلال زيارة القبر يُحقق المصلّي قربا أكبر إلى الله. وفقا لتفسير آخر، فهذه الممارسة هي تحديدا رمزية – فمع مجيء المصلي إلى قبر الصدّيق يظهر أمام الله في عداد الموتى.
وأيا كان الأمر، يبدو أن الجموع المتدفّقة إلى قبور الصدّيقين لا تنتظر تفسيرات العلماء وإنما ببساطة تدفعهم الحاجة العاطفية، مما من شأنه أن يفسّر حقيقة أنّه رغم وجود اجدل حول ممارسة هذه التقاليد في أوساط الحاخامات اليهود، حيث يعتقد بعضهم أنّها تعارض روح اليهودية وتنزلق إلى مجال العبادة الوثنية، فإنّ تقاليد زيارة قبور الصدّيقين ما زالت تحظى بالشعبية في التديّن الشعبي.
لم تكن زيارة القبور شعبية إلى هذا الحدّ دائما في أوساط يهود إسرائيل. منذ القرن التاسع عشر وحتى عام 1948 لم يكن الانجذاب الواسع إلى قبور الصدّيقين معروفا أبدا، ولكن في أعقاب الحرب وتقسيم البلاد حُظر الوصول إلى أماكن العبادة اليهودية التي بقيت في الأجزاء الواقعة خارج السيطرة الإسرائيلية. في أعقاب ذلك تمتّعت قبور الصديقين مجددا بالشعبية كوجهة للحج، ومن بينها قبر البابا سالي، وهو صدّيق يهودي من المغرب، والذي يزوره نحو ربع مليون مصلّ كل عام، وقبر الحاخام مئير صاحب المعجزة من طبريا، واللذين ارتبطت بكليهما أساطير وقصص عديدة حول معجزات حدثت للمصلين الذين زاروهما.
ولكن الأشهر من الجميع هو قبر الحاخام شمعون بار يوحاي في الجليل، قرب القرية العربية ميرون، وهو الموقع الثاني في أهميته الدينية في إسرائيل ويزوره كل عام أكثر من مليون ونصف شخص. يبدأ احتفال الحج إلى القبر في عيد “لاج بعومر” – وهو يوم وفاة الحاخام ويستمر لأربعة أيام، يشارك فيه نحو نصف مليون محتفِل.
إحدى العادات الأكثر شيوعا في هذا اليوم لدى اليهود من الدول العربية بشكل أساسيّ، هو “الحلاقة”. الحلاقة هي حلاقة الشعر ومن المعتاد أن تتم للمرة الأولى للرضيع، عندما يبلغ سنّ الثالثة. في هذا اليوم من المعتاد أيضا تقديم الصدقة للفقراء، وهناك أشخاص اعتادوا على تقديم عملات ذهبية للفقراء بوزن مساو لوزن الشعر المحلوق.
التفسير الديني لذلك أنّه تحديدا يوم وفاة الحاخام يعتبر يوم سعادة كبير لأنّه في هذا اليوم انتقل من الحياة الدنيا إلى الحياة الروحانية في الجنة ومن هناك وصلت هذه الفكرة إلى يوم وفاة سائر الصدّيقين. إنّ عادة الفرح في الذكرى السنوية لوفاة الصدّيق من خلال الحجّ إلى قبره أصبحت الأكثر شيوعا وتشجعها جدا التيارات الصوفية اليهودية.