لقد تحولت ظاهرة المطربين الإسرائيليين الذين يقتربون من الدين والكتب المقدسة إلى شائعة جدًا في إسرائيل في السنوات الأخيرة. يجري الحديث غالبا عن سيرورة طويلة وبطيئة يكتشف فيها المبدعون، على حد أقوالهم، جوانب أكثر روحانية في الدين اليهودي، ويبدأون، مع مرور الوقت، انتهاج نمط حياة متديّن إلى جانب متابعة ممارسة الإبداع.
تبرز هذه الظاهرة بشكل خاص لدى عائلة بناي، التي تعتبر أشبه بـ”عائلة ملكية” في الموسيقى والثقافة الإسرائيليتين، حيث أن الكثير من أفرادها هم مطربون، ممثلون ومبدعون مشهورون وهم من الرواد في إسرائيل. يقول إيهود بناي وهو أحد أبناء الأعمام البارزين في العائلة، الذي بدأ نجاحه الموسيقي في الثمانينات، أنه كان دائمًا “قريبا من التقاليد”، ولكن عند بداية سنوات الألفين “ازداد التزامًا”، بدأ يعتمر الكيبا (غطاء للرأس لدى اليهود يميز الشخص المتدين) ويحتفظ بقداسة يوم السبت (اليهود “المحافظون على قداسة يوم السبت” لا يشعلون النار ولا يستخدمون الأجهزة الكهربائية أيام السبت، لا يشترون أو يبيعون أي شيء، ولا يمارسون أي عمل). على حد أقوال بناي “ثمة حاجة إلى جرأة جبارة لإنجاز خطوة كهذه”. الشخص الذي لا يخوض تجربة كهذه يخسر مواجهة عظيمة. إن إدارة الظهر على نحو مفاجئ للحركة الجارية في الحياة، السباحة بعكس التيار والقول “يا أصحابي، لن أستمر- هذه هي العظمة”.
كانت تلك الخطوة لدى أبناء أعمامه المطربين مئير وإفيتار بناي، أكثر حدّة. ولد الاثنان في بئر السبع لعائلة علمانية وانتقلا إلى تل أبيب، “المدينة الكبيرة” المعروفة بثقافتها العلمانية. مئير ابن العم الأول من أبناء عائلة بناي الذي اشتهر من بين أبناء جيله (عمّاه، المطرب يوسي بناي والممثل غفري بناي، اشتهرا قبل لسنوات عديدة)، كان قد بدأ الإبداع في سن مبكرة جدا. اقترب خلال السنوات من الدين حتى أنه في نهاية الأمر ارتد إلى الدين وبدأ يدير نمط حياة متديّن.
أخوه إفيتار، كان قد فاز ألبومه الأول المليء بالمضامين المثيرة والعلمانية الواضحة بنجاح كبير، بدأ يقترب من الدين اليهودي عند سفره إلى الهند على وجه التحديد، قال بشأن ذلك في مقابلة “كنت قد اكتشفت أن العالم كبير، ثمة خيارات أخرى. والخيار الذي عشته حتى ذلك الوقت لم يكن الخيار الوحيد. هنالك أعماق أخرى، مناظرة طبيعية أخرى في الخليقة. وفي حال توقفنا لإمعان النظر- عندها يحدث شيء ما”. في بدايات سنوات الألفين، عندما عمل على ألبومه الثالث، ارتد بناي إلى الدين اليهودي بشكل تام، ويبدو الأمر من خلال مظهره وأناشيده وأعماله الإبداعية. يتابع بناي الإبداع والظهور في الحفلات، ولكن على الرغم من الطلب الكثير لظهوره، فهو لا يعرض جزءا من أغانيه الأولى، ذات المحتوى والكلمات غير “المتواضعة”.
http://www.youtube.com/watch?v=u4lQPvuPtzs&feature=youtu.be
إفيتار بناي, “أبا”
ثمة مطرب إسرائيلي مشهور جدًا ارتد هو أيضا إلى الدين وهو أريئيل زيلبر، وهو أحد أيقونات الروك والبوب الإسرائيلي، كان عضوا في فرقة تموز منذ السبعينات، وخاض كذلك تجربة منفردة ناجحة جدا. كان زيلبر معروفا بأنه ينتمي إلى اليمين السياسي، وتم نشر أقواله السافرة والعنصرية، مرارا وتكرارا، ضد شرائح عديدة في المجتمع الإسرائيلي.
كان زيلبر في الفترة التي سبقت الانفصال الإسرائيلي عن قطاع غزة، تابعا للمعسكر الذي عارض الانفصال وشارك مشاركة فعالة في الاحتجاج، وفي هذا السياق ألف أغانٍ احتجاجية وقدم عروضًا لصالح المستوطنين. في هذه الفترة تمسك زيلبر بالدين اليهودي، انضم إلى تيار المتورّعين الحاريديين، ترك ذقنه تنمو واعتمر كيبا كبيرة. ويقول زيلبر: ” لم أتنازل عن أي شيء في العالم العلماني وأنا لا أشتاق إليه، وإلا لما كنت سأتركه”. على الرغم من ذلك، تقلصت نشاطات زيلبر منذ أن انضم إلى تيار المتورّعين، وكان ألبومه الأخير الذي تم إصداره في العام 2009 بمثابة مجموعة من أناشيد احتجاجية قديمة خاصة، ذلك الألبوم الذي لم يحظ بنجاح.
ولا تتخطى هذه الظاهرة النساء، والأبرز من بينهن هي إيتي أنكري، التي كانت إحدى النساء الأوائل من مجال الموسيقى ممن ارتددن إلى الدين. بدأت أنكري طريقها في فرقة “سلاح التربية والتعليم” وتعلمت في مدرسة “ريمون” المشهورة للموسيقى. حظيت أنكري بنجاح كبير، وبدأت في بدايات التسعينات بحضور دروس لدى امرأة كانت تعتبر معلمة روحانية معروفة لدى الكثيرين ممن يعملون في مجال الموسيقى. ازدادت قوة أنكري في أعقاب الدروس وارتدت إلى الدين، ولكنها واصلت الإبداع والنجاح وحتى الظهور في الحفلات، على الرغم من أن هنالك من بين أوساط الجمهور الحاريدي من يعارض أن تغني النساء أمام الجمهور والرجال، لأن الأمر يعتبر غير متواضع. في عام 2009 أصدرت ألبومًا فيه أغانٍ للحاخام يهودا ليفي، أحد الحاخامين والشعراء اليهود المعروفين، كتب في الأندلس في القرن الـ 12، وقامت بتلحين أناشيده. تعتبر أنكري “مطربة الروح” وهي تغني باللغة العربية، وهي لغة والديها الذين قدِما إلى إسرائيل من تونس.
إيتي أنكري, “طول عمري”
كما ورد سابقا، فإن الظاهرة آخذة بالازدياد في السنوات الأخيرة، ويندمج مطربون مشهورون أكثر فأكثر مع الجوانب الروحانية في الدين اليهودي. يواصل معظمهم الإبداع والظهور في الحفلات، وهم يستقطبون جمهورًا علمانيًا كبيرًا. ثمة العديد من المبدعين ممن يعتبرون أنفسهم رُسل التجسير والوصل بين الجمهورين العلماني والمتدين، وخلق انفتاح وفهم بين الطرفين.
لا تميز هذه الظاهرة إسرائيل وحدها، وقد نُشر مؤخرا أن مطرب البوب العربي الناجح فضل شاكر قد اعتزل طريقه القديمة وارتد إلى الدين وتبنى توجها عسكريا متطرفا، وهو يقاتل الآن ضد القوى الشيعية التابعة لحزب الله وأمل في صيدا بلبنان. صحيح أن هذا الانتقال هو انتقال حاد أكثر بكثير، إلى أنه يبدو أن العودة إلى الدين والروحانية هي ظاهرة عالمية لا تتخطى المغنين والمشاهير، الذين قد تعزز عودتهم إلى الدين هذه الظاهرة وتشجعها.