الجندي الأسير جلعاد شاليط (IDF Spokesperson)
الجندي الأسير جلعاد شاليط (IDF Spokesperson)

ثمن باهظ: تاريخ صفقات تبادل الأسرى الفلسطينيين

في الخمسين سنة الأخيرة، أطلقت إسرائيل سراح ما يزيد عن 4000 أسير أمني، في صفقات تبادل الأسرى

لا شكّ أن صفقة إطلاق سراح الأسرى هي إحدى أكثر القضايا تعقيدًا في المجتمَع الإسرائيلي. ولقد أعلنت إسرائيل في الماضي أنّها لن تُطلق سراح الأسرى مقابل الإرهاب أبدًا. وفعلا، قامت بعمليات تحرير الأسرى أحيانًا، إذ كان بعضها ناجحًا مثل عملية “إنتيبي” وبعضها أقل نجاحًا مثل حادثة الجندي المخطوف نحشون فاكسمان. رغم كلّ ذلك، ففي نهاية المطاف أفرجت إسرائيل، مع مرور السنوات، عن عدد كبير من الإرهابيين مقابل إطلاق سراح الجنود والمواطنين.

والحادثة الأبرز والتي تم تسليط الضوء عليها كثيرًا في الإعلام هي حادثة الإفراج عن الجندي جلعاد شاليط الأخيرة، والتي تمت مقابل الإفراج عن ألف أسير فلسطيني وأكثر، وكان من بينهم بضع عشرات ممن ملطخة أيديهم بالدماء. كجزء من الاتفاق بين إسرائيل وحماس، خلال المرحلة الأولى من الصفقة، التي خرجت إلى حيّز التنفيذ في 18 تشرين الأول عام 2011، أفرجت إسرائيل عن 450 أسيرًا، وبالمقابل، نقلت حركة حماس شاليط إلى القاهرة، ثم نُقل إلى إسرائيل. وفي إطار المرحلة الثانية من الصفقة، التي خرجت إلى حيّز التنفيذ في كانون الأول عام 2011، أفرجت إسرائيل عن 550 أسيرًا أمنيًّا آخر.

صفقة عملية تبادل الأسرى عام 2011 (Flash90)
صفقة عملية تبادل الأسرى عام 2011 (Flash90)

في شباط عام 1989، صعد الجندي، آفي سسبورتس، إلى سيارة بعد أن قام بإيقافها ولم يرجع بعد ذلك. وقد جلس في السيارة التي صعد إليها رجلان من حماس متنكّران لحاريديان، وعلى ما يبدو قتلاه بعد وقت قصير. ولقد بحثت عنه الدولة بأكملها، ولكنّ فشلت الجهود التي استمرّت لأشهر طويلة.

بعد ثلاثة شهور من ذلك، حدث حادث خطف آخر هزّ البلاد؛ إذ قام الجندي إيلان سعدون بإيقاف سيارة وصعد إليها لوحده واختُطف بنفس الطريقة. سعى الخاطفون إلى تهريبه إلى قطاع غزة ولكنّهم أجبروا على تغيير خطّتهم. فخلال الرحلة، تعارك سعدون مع خاطفيه إلى أن أطلقوا النار على رأسه.

استعادات في جنوب لبنان لإستقبال الأسرى المحررين (AFP)
استعادات في جنوب لبنان لإستقبال الأسرى المحررين (AFP)

وخلال جهود البحث عن سعدون، تم العثور على جثّة سسبورتس في أحد مفترقات الطرق الشمالية في إسرائيل. بعد سبع سنوات من ذلك، تمّ العثور على رفات سعدون في منطقة الشاطئ الجنوبي قرب غزة.

وبعد مرور خمسة سنوات، في التاسع من تشرين الأول عام 1994، صعد الجندي نحشون فاكسمان إلى سيارة في أحد مفترقات الطرق الجنوبية. وقام أربعة إرهابيين من حماس، وهم متنكرون لمستوطنين، بخطفه واقتياده إلى قرية بير نبالا وفي اليوم التالي نشروا تسجيلا تم تصوير فاكسمان حين يقف خلفه إرهابي مسلّح.

وأعلن الخاطفون تحذيرًا؛ جاء فيه إن لم تفرج إسرائيل عن إرهابيين حتى يوم الجمعة في الثامنة مساء، فسيتمّ قتل الأسير فاكسمان. في نفس اليوم، حدّدت قوات الشاباك موقع المنزل الذي تم فيه احتجاز فاكسمان وأصدرت أوامر لإنقاذه من خلال عملية عسكرية. حين سمع الإرهابيون قوة سرية هيئة الأركان العامة داخل المبنى الذي تواجدوا فيه، أطلقوا النار على فاكسمان وأردوه قتيلا. كذلك، قُتل في العملية قائد القوة، وذلك عندما فتح أحد الإرهابيين النار باتجاه القوة التي فجّرت باب الغرفة التي احتُجز فيها الأسير.

كانت هناك حادثة خطف أخرى لأوفير رحوم الذي كان طالبًا ثانويًا في السادسة عشرة من عمره من مدينة أشكلون، ومثل الكثير من أصدقائه، قام بإجراء محادثات دردشة في الإنترنت. كانت إحدى هذه المحادثات التي تبدو بريئة، مع فتاة تدعى سالي وصفت نفسها بأنّها مهاجرة جديدة من المغرب. ولكن، تخفّتْ وراء الاسم المستعار الإرهابية آمنة منى، التي نجحت بعد عدّة أشهر من إجراء المحادثات باكتساب ثقة الفتى وأقنعته بلقائها في منطقة القدس. فانتقل من سيارة إلى أخرى، ثم اختُطف في ضواحي رام الله، وهناك أطلق الإرهابيون النار عليه حتى لاقى حتفه.

إسرائيل تفرج عن الأسير سمير الفنطار (AFP)
إسرائيل تفرج عن الأسير سمير الفنطار (AFP)

وعندما لم يعد رحوم إلى منزله في تلك الليلة، اكتشف المحقّقون المحادثات التي أجراها مع منى، ولذلك، ألقت الشرطة القبض عليها. تم العثور أيضًا على جثّة الفتى. وبعد عشرة سنوات، تم إطلاق سراحها في صفقة شاليط.

عام 2004، تم إطلاق سراح مصطفى الديراني والشيخ عبيد، ورقة المساومة الأقوى لدى إسرائيل، كجزء من إطلاق سراح 400 أسير، تم الإفراج عنهم في صفقة “الأزرق والأبيض”، مقابل المواطن الحنان تننبويم وأسرى موقع هار دوف الثلاثة. قالت المصادر العسكرية والسياسية وقتئذ، إنّ هذه هي المرة الأخيرة التي يتمّ فيها تنفيذ عملية كهذه. ولكنها لم تكن المرة الأخيرة.

إسرائيل تفرج عن 190 جثّة لمقاتلي حزب الله عام 2008 (Flash90)
إسرائيل تفرج عن 190 جثّة لمقاتلي حزب الله عام 2008 (Flash90)

مع نهاية حرب لبنان الثانية (حرب تموز) عام 2006 أعاد حزب الله إلى إسرائيل جثث الجنديّين إيهود غولدفاسر وألداد ريغيف، في حين لم يكن مصيرهما واضحًا حتى اللحظة الأخيرة. وفي النهاية، تمّ إرجاع جثتيهما إلى البلاد، ومقابل إطلاق سراحهما، أفرجت دولة إسرائيل عن أحد القاتلين الأكثر شهرة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي؛ سمير القنطار. وقد أفرجت إسرائيل أيضًا عن 190 جثّة لمقاتلي حزب الله. أدى الإفراج عن قنطار، إلى جدل عاصف جدّا في الدولة حول إذا كان الثمن يستحقّ ذلك حقّا، وخاصة لأنّ الحديث عن جثث وليس عن جنود أحياء.

إن الصراع مع الوقت، الماضي الصعب والرغبة التي لا تكلّ، للتوصل إلى نهاية جيّدة، ترافق جميعها الجنود الذين يزحفون في كلّ زاوية آملين العثور على ذرّة من معلومات تؤدّي إلى إرجاع الشبّان بسلام. وقد أخبر أولئك الشبّان أنّهم في طريقهم إلى المنزل، ولكن منذ ذلك الحين اختفت آثارهم.

اقرأوا المزيد: 739 كلمة
عرض أقل
تشييع عادل وعماد عوض الله (Issam Rimawi/FLASH90)
تشييع عادل وعماد عوض الله (Issam Rimawi/FLASH90)

مَن هم أبطال الفلسطينيين؟

في التسعينات، طاردت السلطة الوطنيّة الفلسطينية الأخوَين عوض الله من مسؤولي حماس، سجنت أحدهما، ووفق الشبهات سلّمت إسرائيل معلومات أدّت إلى اغتيالهما. هذا الأسبوع، قرّرت السلطة إطلاق اسمهما على ميدان وسط رام الله

عادل وعماد عوض الله هما بطَلا رام الله الجديدان. الأسبوع الماضي، شارك ألف شخص في تشييع الشقيقَين، زعيمَي الجناح العسكري لحركة حماس في الضفة الغربية، اللذَين اغتالتهما إسرائيل في تشرين الأول 1998، وتسلّمت السلطة جثّتَيهما الآن.

كان شتاء 1996 أحد أصعب الأوقات في تاريخ دولة إسرائيل. فصبيحةً 25 شباط 1996، استيقظت القدس على أخبار الدماء، إذ قُتل 26 شخصًا كانوا مسافرين في الحافلة رقم 18، بعد أن صعد إرهابي انتحاري إلى الحافلة وفجّر عبوة ناسفة. في اليوم نفسه، قتَل إرهابي فلسطيني جندية في مدينة أشكلون. هكذا بدا الأمر في ذاك الصباح الفظيع في القدس:

بعد ذلك بأسبوع، تكرّر نفس السيناريو الفظيع في حافلة أخرى للخط 18، قرب مكان الانفجار السابق. فقد قام انتحاريّ آخر بتفجير عبوة، قاتلًا 19 شخصًا كانوا في طريقهم إلى العمل. مرّ يوم آخر، وضرب الإرهاب من جديد، هذه المرّة في قلب تل أبيب. فقد قُتل 13 شخصًا في الأسبوع نفسه، بينهم فتاتان أرادتا قضاء الوقت في عطلة العيد من المدرسة. بالإجمال، أودى ذلك الأسبوع الدامي بحياة 69 إسرائيليًّا.

كانت إحدى القتيلات في ذاك الانفجار المخيف بت حين شاحاك، فتاة في الخامسة عشرة، قُتلت إلى جانب صديقاتها. قبل موتها بسنوات، كتبت الطفلة في مذكّراتها: “في كلّ دولة أخيار وأشرار، وثمة من يقول: العرب هم أصدقاؤنا، وتحقّ لهم حقوق وظروف للعيش. أريد السلام، وأومن أنّ السلام سيتحقق في نهاية المطاف، لأنّ هذا الأمر حتميّ لتستمرّ الحياة”.

موقع التفجير في تل أبيب الذي قتلت فيه الفتاة بت حين شاحاك: "العرب هم أصدقاؤنا، وتحقّ لهم حقوق وظروف للعيش" (HAIM ZIIV-YEDIOTH / NOSOURCE / AFP)
موقع التفجير في تل أبيب الذي قتلت فيه الفتاة بت حين شاحاك: “العرب هم أصدقاؤنا، وتحقّ لهم حقوق وظروف للعيش” (HAIM ZIIV-YEDIOTH / NOSOURCE / AFP)

بت حين شاحاك هي بطلة إسرائيلية. أنشأ والداها، اللذان اضطُرّا إلى دفن ابنتهما العزيزة بأيديهما، جمعية تشجِّع على التسامُح بين اليهود والعرب. كلّ عام، تتبرّع الجمعية بالكثير من المال لليهود والعرب الذين يعملون على تعزيز الحياة المشترَكة. إنها وصية ابنتهما. فالشعور بالانتقام لأنّ إرهابيًّا فلسطينيَّا قتل ابنتهما لا يتدفّق في عروقهما.

عادل وعماد عوض الله هما من مسؤولي حماس الذين يتحمّلون مسؤولية موجة التفجيرات الأخيرة، التي كانت تهدف إلى الانتقام لاغتيال قائد كتائب عزّ الدين القسّام، يحيى عياش. لاحقت السلطة الفلسطينية، التي تعهّدت لإسرائيل بذل قصارى جهدها لإيقاف المدّ الإرهابي في شوارع إسرائيل، الرجلَين، اقتحمت بيتهما، وطلبت منهما تسليم نفسَيهما. رفض القياديان، وأضحيا أبرز مطلوبَين في الضفة الغربية.

اعتقدت السلطة الوطنيّة الفلسطينية أنّ عادل عوض الله هو المسؤول عن اغتيال محي الدين الشريف، المسؤول عن موجة التفجيرات عام 1996. وُضعت في مكاتب الأمن الوقائي التابع للسلطة الفلسطينية صورة لعادل، مع الكلمات: “مطلوب حيا أو ميتا”.

تشييع عادل وعماد عوض الله (Issam Rimawi/FLASH90)
تشييع عادل وعماد عوض الله (Issam Rimawi/FLASH90)

في وقتٍ لاحق، اعتقلت السلطة الوطنيّة الفلسطينية عادل عوض الله عام 1998، وعُذّب عذابًا شديدًا. بعد إطلاق سراحه من السجن الفلسطيني، اغتالت إسرائيل شقيقَيه في شقة سرية في تركوميا بالضفة الغربية. ثمّة مَن اشتبه في أنّ مصادر فلسطينية ساعدت إسرائيل في معرفة أين يتواجد الشقيقان.

قامت السلطة الفلسطينية، التي اعتقلت الأخوَين عوض الله وربّما سلّمتهما إلى إسرائيل، بتسمية ميدان في رام الله على اسمهما. وليست هذه المرة الأولى التي تقوم فيها السلطة بتكريم أشخاص أيديهم ملطّخة بدماء الأبرياء.

عام 2010، أعلنت السلطة عن نيّتها تكريم دلال المغربي وإطلاق اسمها على أحد الميادين. وكانت المغربي قد أشرفت عام 1978 على اختطاف حافلتَين إسرائيليَّتَين، كانتا في طريقهما إلى تل أبيب. تحت قيادة المغربي، أُدخل جميع الركّاب إلى حافلة واحدة، أُشعلت فيها النيران.

كان داني بوشكنتس طفلًا في الحادية عشرة من عمره حينذاك، مع والدَيه وشقيقه ابن التسع سنوات. نجا الشقيقان، فيما مات والداهما أمام أعينهما في هذا الهجوم الارهابي. مذّاك، يحاول داني نسيان ما جرى. وقُتل 35 شخصًا في تلك العملية الفظيعة.

"ميدان دلال المغربي" في البيرة في الضفة (ABBAS MOMANI / AFP)
“ميدان دلال المغربي” في البيرة في الضفة (ABBAS MOMANI / AFP)

في نهاية المطاف، تراجعت السلطة عن نيّتها إطلاق اسم دلال المغربي على الميدان. لكن جرى إحياء يوم ميلادها في مراسم شارك فيها الرئيس الفلسطيني محمود عباس.

بعد ذلك بعامٍ واحد، جرّاء صفقة تبادل الأسرى، التقى عباس بآمنة منى، التي قادت اغتيال الشابّ أوفير رحوم. أغرت منى رحوم، الذي كان في السادسة عشرة فقط، أن يلتقي بها وقالت لها إنها تحبّه. حين وصل إلى مكان اللقاء، اختُطف الشابّ، وقُتل بخمس عشرة رصاصة. لقد كان شابًّا، لا جنديًّا، ولا محتلًّا. ليست هذه مقاومة بطولية للمحتلّ من قبل الخاضع للاحتلال، بل قتل مخطّط لطالب ثانويّ.

بعد تحريرها من السجون الإسرائيلية، التقى عباس منى، التي نُفيت إلى تركيا، كأنها بطلة ساعدت الشعب الفلسطيني في نضاله. كيف يمكن لقتل فتى في السادسة عشرة أن يقدّم أية مساعدة؟ مَن علينا أن نكِّرم، أولئك الساعين إلى السلام وحياة السكينة، أم الذين يُكثرون من أعمال العنف مثل دلال المغربي التي تسببت بمقتل ركّاب حافلة مسالمين؟ إنه في الواقع قرار هام بالنسبة للفلسطينيين – هل يجب تقديس الذي يقتلون أكبر عدد ممكن من الإسرائيليين، أم أولئك الذين يساعدون على تحقيق حلم الدولة الفلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل.

اقرأوا المزيد: 688 كلمة
عرض أقل